المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الأحزاب: [الآية 23]
سورة الأحزاب | ||
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً (72)
[" إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ . . .» الآية ]
«إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ، وأي أمانة أعظم من النيابة عن الحق في عباده ، فلا يصرفهم إلا بالحق ، فلا بد من الحضور الدائم ومن مراقبة التصريف «عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ» كان عرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال بوحي يناسبها ، مثل قوله تعالى :
(وأوحى في كل سماء أمرها) «فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها» لأنها كانت عرضا لا أمرا ،
فلهذا أبت السماوات والأرض القبول ، لعلمها أنها تقع في الخطر ، فلا تدري ما يؤول إليها أمرها في ذلك ، وأبين أن يحملنها من أجل الذم الذي كان من اللّه لمن حملها ،
وهو أن اللّه وصف حاملها بالظلم والجهل ببنية المبالغة ، فإن حاملها ظلوم لنفسه ، جهول بقدر الأمانة «وَأَشْفَقْنَ مِنْها» أي خفن أن لا يقمن بحقها ، فاستبرأن لأنفسهن ،
فهل ترى إباية السماوات والأرض والجبال عن حمل الأمانة وإشفاقهن منها ، عن غير علم بقدر الأمانة وما يؤول إليه أمر من حملها فلم يحفظ حق اللّه فيها ؟ وعلمهم بالفرق بين العرض والأمر ،
فلما كان عرض تخيير احتاطوا لأنفسهم وطلبوا السلامة ، ولما أمرهم الحق تعالى بالإتيان فقال للسماوات والأرض (
ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) طاعة لأمر اللّه ، وحذرا أن يؤتى بهما على كره ،
أترى إباية من ذكر اللّه لجهلها ؟ لا واللّه ، بل الحمل للأمانة كان لمجرد الجهل من الحامل ،
وهل نعت اللّه بالجهل على المبالغة فيه والظلم لنفسه فيها لغيره إلا الحامل لها وهو الإنسان ، فعلمت الأرض ومن ذكر قدر الأمانة وأن حاملها على خطر ، فإنه ليس على يقين من اللّه أن يوفقه لأدائها إلى أهلها ، وعلمت مراد اللّه بالعرض أنه يريد ميزان العقل ، فكان عقل الأرض والجبال والسماء أوفر من عقل الإنسان ، حيث لم يدخلوا أنفسهم فيما لم يوجب اللّه عليهم ، فإن طلب حمل الأمانة كان عرضا لا أمرا ، وجعل بعض علماء الرسوم هذه الإباية والإشفاق حالا لا حقيقة ، وكذلك قوله عنهما (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) قول حال لا خطاب ،
وهذا كله ليس بصحيح ، ولا مراد في هذه الآيات ، بل الأمر على ظاهره كما ورد ، وهكذا يدركه أهل الكشف «وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ» عرضا أيضا لما وجد في نفسه من قوة الصورة التي خلق عليها ، لأنه لما خلق اللّه آدم على صورته أطلق عليه جميع أسمائه الحسنى ، وبقوتها حمل الأمانة المعروضة ، وما أعطته هذه الحقيقة أن يردها كما أبت السماوات والأرض والجبال حملها «إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا»
- الوجه الأول - «إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً» لو لم يحمله «جَهُولًا» لأن العلم باللّه عين الجهل به ، فالعجز عن درك الإدراك إدراك
-الوجه الثاني - «إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً» لنفسه حيث عرّض بنفسه إلى أمر عظيم إذا كان عارفا بقدر الأمانة ، وإذا لم يوفق لأدائها كان ظالما لنفسه ولغيره «جَهُولًا» وذلك لجهل الإنسان ذلك من نفسه وبقدر ما تحمل وحمل ، وإن كان عالما بقدرها فما هو عالم بما في علم اللّه فيه من التوفيق إلى أدائها ، بل هو جهول كما شهد اللّه فيه ، لأنه جهل هل يؤدي الأمانة إلى أهلها أم لا ؟ فكان قبول الإنسان الأمانة اختيارا لا جبرا ، فخان فيها لأنه وكل إلى نفسه وخذل ،
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم : [ من طلب الإمارة وكل إليها ، ومن أعطيها من غير طلب بعث اللّه أو وكل اللّه به ملكا يسدده ]
فقال لنا تعالى لما حملنا الأمانة (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) فما حملها أحد من خلق اللّه إلا الإنسان ،
ولا يخلو إما أن يحملها عرضا أو جبرا ، فإن حملها عرضا فقد خاطر بنفسه ،
وإن حملها جبرا فهو مؤد لها على كل حال ، ومن ذلك نعلم أن من العالم ما هو مجبور فيما كلّف حمله ، وهو المعبر عنه بفرائض الأعيان وفرائض الكفاية ، ما لم يقم به واحد فيسقط الفرض عن الباقي ،
ومن العالم ما لم يجبر في الحمل وإنما عرض عليه ، فإن قبله فما قبله إلا لجهله بقدر ما حمل من ذلك ، كالإنسان لما عرضت عليه الأمانة وحملها ، كان لذلك ظلوما لنفسه جهولا بقدرها ،
والسماوات والأرض والجبال لما عرضت عليهن أبين أن يحملنها وأشفقن منها ، لمعرفتهن بقدر ما حملوا ، فلم يظلموا أنفسهم ، فما وصف أحد من المخلوقات بظلمه لنفسه إلا الإنسان ، فكان خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس في المنزلة ،
فإنهن كن أعلم بقدر الأمانة من الإنسان فبهذا كن أيضا أكبر من خلق الناس في المنزلة من العلم ، فإنهن ما وصفن بالجهل كما وصف الإنسان ، فإن اللّه لما عرض عليه الأمانة وقبلها كان بحكم الأصل ظلوما جهولا ، فإنه خوطب بحملها عرضا لا أمرا ، فإن حملها جبرا أعين عليها ،
فكان الإنسان ظلوما لنفسه جهولا ، يعني بقدر الأمانة ، فهي ثقيلة في المعنى وإن كانت خفيفة في التحمل ، فكانت السماوات والأرض والجبال في هذه المسألة أعلم من الإنسان ، ولم تكن في الحقيقة أعلم ، وإنما الإنسان لما كان مخلوقا على الصورة الإلهية ،
وكان مجموع العالم ، اغتر بنفسه وبما أعطاه اللّه من القوة بما ذكرناه ، فهان عليه حملها ، ثم إنه رأى الحق قد أهّله للخلافة من غير عرض عليه مقامها ، فتحقق أن الأهلية فيه موجودة ، ولم تقو السماوات على الانفراد ولا الأرض على الانفراد ولا الجبال على الانفراد قوة جمعية الإنسان ، فلهذا أبين أن يحملنها وأشفقن منها ،
وما علم الإنسان ما يطرأ عليه من العوارض في حملها ، فسمي بذلك العارض خائنا ، فإنه مجبول على الطمع والكسل ، وما قبلها إلا من كونه عجولا ، فلو فسح الحق له في الزمان حتى يفكر في نفسه ، وينظر في ذاته وفي عوارضه ، لبان له قدر ما عرض عليه ، فكان يأبى كما أبته السماء وغيرها ممن عرضت عليه ، ومن الأمانة التي حملها الإنسان الصفات الإلهية ،وهي على قسمين :
صفة إلهية تقتضي التنزيه، كالكبير والعلي ،
وصفة إلهية تقتضي التشبيه، كالمتكبر والمتعالي ،
وما وصف الحق به نفسه مما يتصف به العبد ، فمن جعل ذلك نزولا من الحق إلينا جعل الأصل للعبد ، ومن جعل ذلك للحق صفة إلهية لا تعقل نسبتها إليه لجهلنا به ، كان العبد في اتصافه بها يوصف بصفة ربانية في حال عبوديته ، فيكون جميع صفات العبد التي يقول فيها لا تقتضي التنزيه ، هي صفات الحق تعالى لا غيرها ، غير أنها لما تلبس بها العبد انطلق عليها لسان استحقاق للعبد ، والأمر على خلاف ذلك ، وهذا هو الذي يرتضيه المحققون ، وهو قريب إلى الأفهام إذا وقع الإنصاف ، وذلك أن العبد ما استنبطه ولا وصف الحق به ابتداء من نفسه ، وإنما الحق وصف بذلك نفسه على ما بلّغت رسله وما كشفه لأوليائه ، ونحن ما كنا نعلم هذه الصفات إلا لنا لا له بحكم الدليل العقلي ، فلما جاءت الشرائع بذلك ، وقد كان هو ولم نكن نحن ، علمنا أن هذه الصفات هي له بحكم الأصل ، ثم سرى حكمها فينا منه ، فهي له حقيقة وهي لنا مستعارة ، إذ كان ولا نحن ، فالإنسان ظلوم بما غصب من هذه الصفات من حيث جعلها لنفسه حقيقة ، جهول بمن هي له وبأنها غصب في يده ، فمن أراد أن يزول عنه وصف الظلم والجهالة فليرد الأمانة إلى أهلها ، والأمر المغصوب إلى صاحبه ، والأمر في ذلك هين جدا ، والعامة تظن أن ذلك صعب وليس كذلك .
------------
(72) الفتوحات ج 4 / 2209">2209">2209">185 - ج 2 / 21">58 - ج 4 / 2162">138 - ج 2 / 2">629 - ج 4 / 2316">292 ، 2209">2209">2209">185 - ج 3 / 490 ، 2 ، 333 - ج 4 / 2209">2209">2209">185 - ج 2 / 170 - ج 4 / 2209">2209">2209">185 - ج 3 / 2 - ج 2 / 282">519 - ج 3 / 2 - ج 4 / 2162">138 - ج 2 / 421 ، 20 ، 630 - ج 1 / 691تفسير ابن كثير:
لما ذكر عن المنافقين أنهم نقضوا العهد الذي كانوا عاهدوا الله عليه لا يولون الأدبار ، وصف المؤمنين بأنهم استمروا على العهد والميثاق و ( صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ) ، قال بعضهم : أجله .
وقال البخاري : عهده . وهو يرجع إلى الأول .
( ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) أي : وما غيروا عهد الله ، ولا نقضوه ولا بدلوه .
قال البخاري : حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري قال : أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أبيه قال : لما نسخنا الصحف ، فقدت آية من " سورة الأحزاب " كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها ، لم أجدها مع أحد إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري - الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادة رجلين - : ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) .
انفرد به البخاري دون مسلم . وأخرجه أحمد في مسنده ، والترمذي والنسائي - في التفسير من سننيهما - من حديث الزهري ، به . وقال الترمذي : " حسن صحيح " .
وقال البخاري أيضا : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، حدثني أبي ، عن ثمامة ، عن أنس بن مالك قال : نرى هذه الآية نزلت في أنس بن النضر : ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) .
انفرد به البخاري من هذا الوجه ، ولكن له شواهد من طرق أخر . قال الإمام أحمد :
حدثنا هاشم بن القاسم ، حدثنا سليمان بن المغيرة ، عن ثابت قال : قال أنس : عمي أنس بن النضر سميت به ، لم يشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ، فشق عليه وقال : أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غيبت عنه ، لئن أراني الله مشهدا فيما بعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرين الله ما أصنع . قال : فهاب أن يقول غيرها ، فشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم [ يوم ] أحد ، فاستقبل سعد بن معاذ فقال له أنس يا أبا عمرو ، أبن . واها لريح الجنة أجده دون أحد ، قال : فقاتلهم حتى قتل قال : فوجد في جسده بضع وثمانون من ضربة وطعنة ورمية ، فقالت أخته - عمتي الربيع ابنة النضر - : فما عرفت أخي إلا ببنانه . قال : فنزلت هذه الآية : ( رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) . قال : فكانوا يرون أنها نزلت فيه ، وفي أصحابه .
ورواه مسلم والترمذي والنسائي ، من حديث سليمان بن المغيرة ، به . ورواه النسائي أيضا وابن جرير ، من حديث حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، به نحوه .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا حميد ، عن أنس أن عمه - يعني : أنس بن النضر - غاب عن قتال بدر ، فقال : غيبت عن أول قتال قاتله رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين ، لئن الله أشهدني قتالا للمشركين ، ليرين الله ما أصنع . قال : فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون ، فقال : اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني أصحابه - وأبرأ إليك مما جاء هؤلاء - يعني : المشركين - ثم تقدم فلقيه سعد - يعني : ابن معاذ - دون أحد ، فقال : أنا معك . قال سعد : فلم أستطع أن أصنع ما صنع . قال : فوجد فيه بضع وثمانون ضربة سيف ، وطعنة رمح ، ورمية سهم . وكانوا يقولون : فيه وفي أصحابه [ نزلت ] : ( فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ) وأخرجه الترمذي في التفسير عن عبد بن حميد ، والنسائي فيه أيضا ، عن إسحاق بن إبراهيم ، كلاهما ، عن يزيد بن هارون ، به ، وقال الترمذي : حسن . وقد رواه البخاري في المغازي ، عن حسان بن حسان ، عن محمد بن طلحة بن مصرف ، عن حميد ، عن أنس ، به ، ولم يذكر نزول الآية . ورواه ابن جرير ، من حديث المعتمر بن سليمان ، عن حميد ، عن أنس ، به .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن الفضل العسقلاني ، حدثنا سليمان بن أيوب بن سليمان بن عيسى بن موسى بن طلحة بن عبيد الله ، حدثني أبي ، عن جدي ، عن موسى بن طلحة ، عن أبيه طلحة قال : لما أن رجع النبي صلى الله عليه وسلم من أحد ، صعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وعزى المسلمين بما أصابهم ، وأخبرهم بما لهم فيه من الأجر والذخر ، ثم قرأ هذه الآية : ( رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) . فقام إليه رجل من المسلمين فقال : يا رسول الله ، من هؤلاء ؟ فأقبلت وعلي ثوبان أخضران حضرميان فقال : " أيها السائل ، هذا منهم " .
وكذا رواه ابن جرير من حديث سليمان بن أيوب الطلحي ، به . وأخرجه الترمذي في التفسير والمناقب أيضا ، وابن جرير ، من حديث يونس بن بكير ، عن طلحة بن يحيى ، عن موسى وعيسى ابني طلحة ، عن أبيهما ، به . وقال : حسن غريب ، لا نعرفه إلا من حديث يونس .
وقال أيضا : حدثنا أحمد بن عصام الأنصاري ، حدثنا أبو عامر - يعني العقدي - حدثني إسحاق - يعني ابن طلحة بن عبيد الله - عن موسى بن طلحة قال : [ دخلت على معاوية ، رضي الله عنه ، فلما خرجت ، دعاني فقال : ألا أضع عندك يا ابن أخي حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " طلحة ممن قضى نحبه " .
ورواه ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا عبد الحميد الحماني ، عن إسحاق بن يحيى بن طلحة الطلحي ، عن موسى بن طلحة قال ] : قام معاوية بن أبي سفيان فقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " طلحة ممن قضى نحبه " .
ولهذا قال مجاهد في قوله : ( فمنهم من قضى نحبه ) قال : عهده ، ( ومنهم من ينتظر ) قال : يوما . وقال الحسن : ( فمنهم من قضى نحبه ) يعني موته على الصدق والوفاء . ( ومنهم من ينتظر ) الموت على مثل ذلك ، ومنهم من لم يبدل تبديلا . وكذا قال قتادة ، وابن زيد .
وقال بعضهم : ( نحبه ) نذره .
وقوله : ( وما بدلوا تبديلا ) أي : وما غيروا عهدهم ، وبدلوا الوفاء بالغدر ، بل استمروا على ما عاهدوا الله عليه ، وما نقضوه كفعل المنافقين الذين قالوا : ( إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا ) ، ( ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار ) .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
ولما ذكر أن المنافقين، عاهدوا اللّه، لا يولون الأدبار، ونقضوا ذلك العهد، ذكر وفاء المؤمنين به، فقال: { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ } أي: وفوا به، وأتموه، وأكملوه، فبذلوا مهجهم في مرضاته، وسبَّلوا أنفسهم في طاعته.
{ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ } أي: إرادته ومطلوبه، وما عليه من الحق، فقتل في سبيل اللّه، أو مات مؤديًا لحقه، لم ينقصه شيئًُا.
{ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ } تكميل ما عليه، فهو شارع في قضاء ما عليه، ووفاء نحبه ولما يكمله، وهو في رجاء تكميله، ساع في ذلك، مجد.
{ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا } كما بدل غيرهم، بل لم يزالوا على العهد، لا يلوون، ولا يتغيرون، فهؤلاء، الرجال على الحقيقة، ومن عداهم، فصورهم صور رجال، وأما الصفات، فقد قصرت عن صفات الرجال.
تفسير البغوي
قوله - عز وجل - : ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) أي : قاموا بما عاهدوا الله عليه ووفوا به ( فمنهم من قضى نحبه ) أي : فرغ من نذره ، ووفى بعهده ، فصبر على الجهاد حتى استشهد ، والنحب : النذر ، والنحب : الموت أيضا ، قالمقاتل : " قضى نحبه " ، يعني : أجله فقتل على الوفاء ، يعني حمزة وأصحابه . وقيل : " قضى نحبه " أي : بذل جهده في الوفاء بالعهد من قول العرب : نحب فلان في سيره يومه وليلته ، إذا مد فلم ينزل ( ومنهم من ينتظر ) الشهادة .
وقال محمد بن إسحاق : " فمنهم من قضى نحبه " من استشهد يوم بدر وأحد " ومنهم من ينتظر " يعني : من بقي بعد هؤلاء من المؤمنين ينتظرون أحد الأمرين; إما الشهادة أو النصر ) ( وما بدلوا ) عهدهم ) ( تبديلا )
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا محمد بن سعيد الخزاعي ، أخبرنا عبد الأعلى ، عن حميد قال : سألت أنسا ح وحدثني عمرو بن زرارة ، أخبرنا زياد ، حدثني حميد الطويل ، عن أنس قال : غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر ، فقال : يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين ، لئن أشهدني الله قتال المشركين ليرين الله ما أصنع ، فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال : اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني أصحابه - وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء - يعني المشركين - ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ ، فقال : يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر إني أجد ريحها من دون أحد ، قال سعد : فما استطعت يا رسول الله ما صنع ، قال أنس فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ، ووجدناه قد قتل وقد مثل به المشركون ، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه ، قال أنس : كنا نظن أو نرى أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه : ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) إلى آخر الآية .
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ، أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي ، أخبرنا محمد بن حماد ، أخبرنا معاوية ، عن الأعمش ، عن سفيان عن شقيق ، عن خباب بن الأرت قال : هاجرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سبيل الله نبتغي وجه الله فوجب أجرنا على الله ، فمنا من مضى لم يأكل من أجره شيئا ، منهم مصعب بن عمير ، قتل يوم أحد ، فلم يوجد له شيء يكفن فيه إلا نمرة ، فكنا إذا وضعناها على رأسه خرجت رجلاه ، وإذا وضعناه على رجليه خرج رأسه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ضعوها مما يلي رأسه واجعلوا على رجليه من الإذخر ، قال : ومن أينعت له ثمرته فهو يهد بها " .
أخبرنا أبو المظفر محمد بن أحمد التيمي ، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان المعروف بابن أبي نصر ، أخبرنا خيثمة بن سليمان بن حيدرة الأطرابلسي ، أخبرنا محمد بن سليمان الجوهري بأنطاكية ، أخبرنا مسلم بن إبراهيم ، أخبرنا الصلت بن دينار ، عن أبي نصرة ، عن جابر بن عبد الله قال : نظر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى طلحة بن عبد الله فقال : " من أحب أن ينظر إلى رجل يمشي على وجه الأرض وقد قضى نحبه فلينظر إلى هذا " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا عبد الله بن أبي شيبة ، أخبرنا وكيع بن إسماعيل ، عن قيس قال : رأيت يد طلحة شلاء وقى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد .
الإعراب:
(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ) خبر مقدم ومبتدأ مؤخر والجملة مستأنفة لا محل لها.
(صَدَقُوا) ماض وفاعله والجملة صفة رجال (ما) مصدرية (عاهَدُوا اللَّهَ) ماض وفاعله ولفظ الجلالة مفعول به والمصدر المؤول من ما والفعل مفعول صدقوا (عَلَيْهِ) متعلقان بالفعل والفاء حرف استئناف (فَمِنْهُمْ) خبر مقدم (مِنَ) مبتدأ مؤخر والجملة مستأنفة لا محل لها.
(قَضى) ماض فاعله مستتر (نَحْبَهُ) مفعول به والجملة صلة من.
(وَمِنْهُمْ مَنْ) خبر مقدم ومبتدأ مؤخر والجملة معطوفة على ما قبلها (يَنْتَظِرُ) مضارع فاعله مستتر والجملة صلة من لا محل لها.
(وَ) الواو حرف عطف (ما) نافية (بَدَّلُوا) ماض وفاعله والجملة معطوفة على ما قبلها (تَبْدِيلًا) مفعول مطلق.