الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)مشتمل برداء حيائه مقبل على شأنه فالتفت السيد الأعلى و المورد العذب الأحلى و النور الأكشف الأجلى فرآني وراء الختم لاشتراك بيني و بينه في الحكم فقال له السيد هذا عديلك و ابنك و خليلك أنصب له منبر الطرفاء بين يدي ثم أشار إلى أن قم يا محمد عليه فأثن على من أرسلني و علي فإن فيك شعرة مني لا صبر لها عني هي السلطانة في ذاتيتك فلا ترجع إلي إلا بكليتك و لا بد لها من الرجوع إلى اللقاء فإنها ليست من عالم الشقاء فما كان مني بعد بعثي شيء في شيء إلا سعد و كان ممن شكر في الملإ الأعلى و حمد فنصب الختم المنبر في ذلك المشهد الأخطر و على جبهة المنبر مكتوب بالنور الأزهر هذا هو المقام المحمدي الأطهر من رقى فيه فقد ورثه و أرسله الحق حافظا لحرمة الشريعة و بعثه و وهبت في ذلك الوقت مواهب الحكم حتى كأني أوتيت جوامع الكلم فشكرت اللّٰه عزَّ وجلَّ و صعدت أعلاه و حصلت في موضع وقوفه صلى اللّٰه عليه و سلم و مستواه و بسط لي على الدرجة التي أنا فيها كم قميص أبيض فوقفت عليه حتى لا أباشر الموضع الذي باشره صلى اللّٰه عليه و سلم بقدميه تنزيها له و تشريفا و تنبيها لنا و تعريفا أن المقام الذي شاهده من ربه لا يشاهده الورثة إلا من وراء ثوبه و لو لا ذلك لكشفنا ما كشف و عرفنا ما عرف أ لا ترى من تقفو أثره لتعلم خبره لا تشاهد من طريق سلوكه ما شهد منه و لا تعرف كيف تخبر بسلب الأوصاف عنه فإنه شاهد مثلا ترابا مستويا لا صفة له فمشى عليه و أنت على أثره لا تشاهد إلا أثر قدميه و هنا سر خفي إن بحثت عليه وصلت إليه و هو من أجل أنه إمام و قد حصل له الإمام لا يشاهد أثرا و لا يعرفه فقد كشفت ما لا يكشفه و هذا المقام قد ظهر في إنكار موسى صلى اللّٰه على سيدنا و عليه و على الخضر فلما وقفت ذلك الموقف الأسنى بين يدي من كان من ربه في ليلة إسرائه ﴿قٰابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنىٰ﴾ [ النجم:9] قمت مقنعا خجلا ثم أيدت بروح القدس فافتتحت مرتجلا يا منزل الآيات و الأنباء *** أنزل على معالم الأسماء حتى أكون لحمد ذاتك جامعا *** بمحامد السراء و الضراء ثم أشرت إليه صلى اللّٰه عليه و سلم و يكون هذا السيد العلم الذي *** جردته من دورة الخلفاء و جعلته الأصل الكريم و آدم *** ما بين طينة خلقه و الماء و نقلته حتى استدار زمانه *** و عطفت آخره على الإبداء و أقمته عبدا ذليلا خاضعا *** دهرا يناجيكم بغار حراء حتى أتاه مبشرا من عندكم *** جبريل المخصوص بالأنباء قال السلام عليك أنت محمد *** سر العباد و خاتم النباء يا سيدي حقا أقول فقال لي *** صدقا نطقت فأنت ظل ردائي فاحمد و زد في حمد ربك جاهدا *** فلقد وهبت حقائق الأشياء و انثر لنا من شأن ربك ما انجلى *** لفؤادك المحفوظ في الظلماء من كل حق قائم بحقيقة *** يأتيك مملوكا بغير شراء [نشأة الكون و ظهور الكائنات]ثم شرعت في الكلام بلسان العلام فقلت و أشرت إليه صلى اللّٰه عليه و سلم حمدت من أنزل عليك الكتاب المكنون الذي ﴿لاٰ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ﴾ [الواقعة:79] المنزل بحسن شيمك و تنزيهك عن الآفات و تقديسك فقال في سورة ن ﴿(بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ) ن وَ الْقَلَمِ وَ مٰا يَسْطُرُونَ مٰا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ وَ إِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ وَ إِنَّكَ لَعَلىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ فَسَتُبْصِرُ وَ يُبْصِرُونَ﴾ ثم غمس قلم الإرادة في مداد العلم و خط بيمين القدرة في اللوح المحفوظ المصون كل ما كان و ما هو كائن و سيكون و ما لا يكون مما لو شاء و هو لا يشاء أن يكون لكان كيف يكون من قدره المعلوم الموزون و علمه الكريم المخزون ف ﴿سُبْحٰانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمّٰا يَصِفُونَ﴾ [الصافات:180] ذلك اللّٰه الواحد الأحد |
|
||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |