الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)و قال المنادي من ذا فقال هذا الذي بغي عليه قد نزل الحق إليه فأكرمه بنزوله و شرف محله بحلوله فوسعه و قد ضاق عنه المتسع و كان الفضاء الأوسع «فعلمنا من خفي حكمته أن قلب المؤمن أوسع من رحمته» مع أنه من الأشياء التي وسعته و من الأمور التي جمعته فما وسعه إلا بها و كماله بسببها [من طاب غاب]و من ذلك من طاب غاب من الباب الأحد و الخمسين و مائتين 251 من سمع طاب و من طاب غاب و الغائب آئب فإنه في أوبته إلى ربه ذاهب فإنه تركه في الأهل خليفة شفقة عليهم و حذر أو خيفة و ما خاف عليهم إلا منه لأنه ما يصدر شيء إلا عنه إذا كان السيد راعي الغنم فما جار و ما ظلم و ما ينال منها إلا ما يقوته و قوته ما يفوته قوته آثار أسمائه في عباده و بها عمارة بلاده فحراثة و زراعة و تجارة و بضاعة لذلك وصف باليدين و أظهر في الكون النجدين فالواحدة بائعة و الأخرى مبتاعة إلى قيام الساعة و لكل يد طريق هذا هو التحقيق فإن حكم المشتري ما هو حكم البائع و هذا ما لا شك فيه من غير مانع و لا منازع آئبون تائبون و هو التواب و إليه المآب [من حضر نظر]و من ذلك من حضر نظر من الباب 252 الحضور أين و ما ثم سوى عين عين لا يحصرها ظرف و لا يسعها حرف نزل لها بذاتها عليها و ما يخرج منها و ينزل يعرج إليها و هذه عبارات تطلب الأينية و تثبت البينية و هذا هو بعينه اعتقاد الثنوية و أنت تقول الأمر واحد و قد كذبك الشاهد فالعروج و النزول يطلب الطريق و ليس هذا في الإلهيات منهج التحقق و قد ورد فلا بد من معرفة ما قصد فإن القول الإلهي حق و كلامه صدق و لا بد من أذن واعية لهذه الداعية و ما خاطب بها إلا الحاضر فهو الناظر فإن كان السامع غير القائل فلا بد أن يصيب و يخطئ و إن كان عين القائل فصوابه يسرع و لا يبطىء بل كلامه عين جوابه فهو المتكلم السامع في أحبابه [من فكر سكر]و من ذلك من فكر سكر من الباب 253 الفكرة سكرة إلا أن شرابها ممزوج و خلقها مخدوج و ليس الخداج إلا من المزاج و هذا شراب الأبرار و معاطاة الفجار ﴿عَيْناً يَشْرَبُ بِهٰا عِبٰادُ اللّٰهِ يُفَجِّرُونَهٰا تَفْجِيراً﴾ [الانسان:6] و تفجيرهم إياها عين المزاج لمن كان بما قلته خبيرا فلو جرت من غير تفجير من كونه على كل شيء قدير لكان شراب المقربين الآتي ﴿مِنْ تَسْنِيمٍ﴾ [المطففين:27] على البار المنعم بالتنعيم فبين المقرب و البار ما بين الأعين و الآثار الآثار تدل و العين تشهد و لا نمل الباب قد فتح و الواهب قد منح و الأمر قد شرح فظهرت خفايا الأمور في شرح الصدور انشرحت معانيها و هي ما حصل الحق فيها فلاحت المخبآت عند رفع الكلل و هي ما ظهر في العالم من النحل في الاعتقادات و الملل فانظر و استر [من نحا صحا]و من ذلك من نحا صحا من الباب 254 لا يزهد في فكرته إلا من صحا من سكرته ما كل شراب مسكر و لا كل قول منكر و ما كل مزاج يشكر و لا كل سامع ينكر الإنكار من ضيق العطن فكن اللبيب الفطن ﴿وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً﴾ [ طه:98] وضع لكل نازلة حكما فإن اللّٰه كذا شرع فاتبع فقد أصاب من اتبع من تأسى بالحق أصاب على أنه مصاب حيث رآه غير أو اعتقد شرا و خيرا فتلا فرقانا لا قرآنا فمن قرأ استبرأ و من تلا الفرقان فهو صاحب نظر في برهان فلا بد من الحيرة لأنه أثبت غيره و من هنا اتصف من اتصف بالغيرة ﴿إِنْ تَتَّقُوا اللّٰهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقٰاناً﴾ [الأنفال:29] يخاطب مؤمنا و إيمانا ما أيه إلا بالمؤمن و الناس و المؤتين ما أيه بأصحاب العين انتهى السفر الرابع و الثلاثون يتلوه الخامس و الثلاثون [من جاء من فوق فهو صاحب ذوق]و من ذلك من جاء من فوق فهو صاحب ذوق من الباب 255 ﴿هُوَ الْقٰاهِرُ فَوْقَ عِبٰادِهِ﴾ [الأنعام:18] حكم عرشه في مهاده فلا يعرف علم الفوق إلا بالذوق و هو لمن أقام الكتب و ميز الرتب و أما من أقامها و ما ميز أعلامها أكل من تحت رجله مما تيقن أنه من رجله و هذا حال الورعين المطيعين يأكلون من كسب أيديهم و لهذا لا يكتسبون من العلم إلا ما سمعوه في ناديهم فيعلم بعضهم بعضا و يقرضون اللّٰه قرضا و هؤلاء أتباع الرسل و أصحاب السبل و أما الرسل فهم أصحاب الأطواق و لهم الأذواق فهم على بصيرة و من اتبعهم مثلهم في دعواهم فهم على أحسن سيرة فهم ﴿فِي جَنّٰاتٍ وَ نَهَرٍ﴾ [القمر:54] أي في ستر و سعة لما عندهم من الدعة ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾ [القمر:55] في حضرة منيعة لا يصل إليها |
|
||||||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |