الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)﴿سَمِعُوا مٰا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ﴾ [المائدة:83] فوصفهم بأنهم يسمعون ثم ذكر ما كان منهم حين سمعوا فقال ﴿تَرىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمّٰا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ﴾ [المائدة:83] فأخبر أنهم آمنوا و أخبر أنه تعالى أثابهم على إيمانهم بما ذكر في الآيات فلا تقل فيمن لم يجب أنه سمع فتخالف اللّٰه فيما أخبر عنهم و قد أخبر اللّٰه تعالى عنهم إن بهم صمما و أخبر عنهم أنهم قالوا ﴿فِي آذٰانِنٰا وَقْرٌ﴾ [فصلت:5] فطابق قولهم ﴿فِي آذٰانِنٰا وَقْرٌ﴾ [فصلت:5] قول اللّٰه إنهم صم فلم يسمعوا فلم يرجعوا : فإنهم لم يعقلوا ما سمعته آذانهم و ما سمع من سمع منهم إلا دعاء و نداء و هو قوله يا فلان و ما سمع أكثر من ذلك فما أعظم رحمة اللّٰه بعباده و هم لا يشعرون بل رأيت جماعة ممن ينازعون في اتساع رحمة اللّٰه و إنها مقصورة على طائفة خاصة فحجروا و ضيقوا ما وسع اللّٰه فلو إن اللّٰه لا يرحم أحدا من خلقه لحرم رحمته من يقول بهذا و لكن أبي اللّٰه إلا شمول الرحمة فمنا من يأخذها بطريق الوجوب و هم الذين ﴿يَتَّقُونَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ﴾ [الأعراف:156] الذين يؤمنون و ﴿يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ﴾ [الأعراف:157] و منا من يأخذها بطريق الامتنان من عين المنة و الفضل الإلهي و و اللّٰه ما أنا بحمد اللّٰه ممن يحب التشفي و الانتقام من عباد اللّٰه بل خلقني اللّٰه رحمة و جعلني وارث رحمة لمن قيل له ﴿وَ مٰا أَرْسَلْنٰاكَ إِلاّٰ رَحْمَةً لِلْعٰالَمِينَ﴾ [الأنبياء:107] و ما خص مؤمنا من غيره و تحقق ذلك في وضع الجزية على أهل الكتاب و ما كان السبب في إنزال هذه الآية إلا دعاءه بالمؤاخذة الإلهية على المشركين من رعل و ذكوان و عصية و إذا كان هذا عتبة لرسوله ﷺ في حق المشرك الذي أخبر أنه لا يغفر له : فكيف الأمر في غير المشرك و إن لم يؤمن فافتح عين فهمك لما تقرأه ﴿وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾ [ طه:114] و هو أن يزيدك في فهمك فكلما كررت تلاوة زدت علما لم يكن عندك و كلما نظرت و اعتبرت تزيد علما ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] «الباب الأحد و العشرون و خمسمائة في معرفة حال قطب كان منزله ﴿وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزّٰادِ التَّقْوىٰ وَ اتَّقُونِ يٰا أُولِي الْأَلْبٰابِ»﴾ اتقوا اللّٰه يا أولي الألباب *** من علوم علامها في تباب لا تفكر في ذاته فهو جهل *** و التزم ما تراه خلف الباب من نعوت تبدو به و صفات *** هن حجابها و عين الحجاب ما دري من يقول بالفكر فيها *** إنها لا تنال بالألباب فالذي قال إنه قد حواه *** لم يزل منه تائها في إياب [التقوى يمنع العبد أن يسأل لغير اللّٰه]اعلم وفقنا اللّٰه و إياك أن مثل هذا قوله ﴿وَ لِبٰاسُ التَّقْوىٰ ذٰلِكَ خَيْرٌ﴾ [الأعراف:26] و هو الذي يواري من اللباس ما يستر و يمنع من الضرر و هو ما زاد على الريش فالتقوى في اللباس و في الزاد ما يقي به الرجل وجهه عن السؤال غير اللّٰه و كذلك في اللباس ما يقي به الإنسان برد الهواء و حره و يكون سترا لعورته و هو قوله ﴿يُوٰارِي سَوْآتِكُمْ﴾ و ليس إلا ما يسوءكم ما ينظر إليه منكم هذا الذكر جاء بلفظ الزاد و ورد الأمر به فأعلمنا أنا قوم سفر نقطع المناهل بالأنفاس ﴿رِحْلَةَ الشِّتٰاءِ وَ الصَّيْفِ﴾ [قريش:2] لنطعم من جوع و نأمن من خوف لأنه ما زاد على وقايتك فما هو لك و ما ليس لك لا تحمل ثقله فتتعب به و أقل التعب فيه حسابك على ما لا يحتاج إليه فلما ذا تحاسب عليه هذا لا يفعله عاقل ناصح لنفسه فما ثم عاقل لأنه ما ثم إلا من يمسك الفضل و يمنع البذل و المسافر و ما له على قلة فإنه ما من منهلة يقطعها و لا مسافة إلا و قطاع الطريق على مدرجته من الجنة و الناس و يدخل في الجنة الخواطر النفسية فتقطع بهذا المسافر عن معالي الأمور و أصغر المسافات و أقربها أشقها عليه و هو ما بين النفسين فمن كانت مسافاته أنفاسه كان في أشق سفر لكنه إذا سلم عظمت أرباحه و أمن الخسارة في تجارته فإنهم في سفر تجارة منجية من عذاب أليم بضائعهم الايمان و الجهاد فالإيمان بضاعة تعم النفائس المضنون بها و الجهاد يعم جميع ما جهزنا اللّٰه به من بضائع التكليف و الرسل عليه السّلام هم السماسرة في البيع و الشراء و الصحف و الكتب المنزلة هي الوثائق المكتوبة بين البائع و المشتري و أخبر اللّٰه تعالى أنه ﴿اِشْتَرىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ﴾ [التوبة:111] يعني إلا نفس الحيوانية هي التي اشتراها من النفوس الناطقة المكلفة بالإيمان ﴿وَ أَمْوٰالَهُمْ﴾ [التوبة:111] و هو شري البرنامج فالمشتري بالخيار عند حضور البضائع فإن وافقت ما في البرنامج مضى |
|
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |