الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)اللّٰه [أرفع المنازل عند الله]و اعلم أن هذه الصفة التي نبهتك عليها أعطتنا حالا و مشاهدة من حضرة القدس فهي مقرها و لا يتصف بها إلا من له عند اللّٰه أرفع المنازل فإن كان رسولا فارفع المنازل في الرسالة و إن كان نبيا فارفع المنازل في النبوة و إن كان وليا فارفع المنازل في الولاية و إن كان مؤمنا فارفع المنازل في الايمان و إن كان نصرانيا أو مجوسيا أو يهوديا أو معطلا فهو في أرفع المنازل بها في صنفه و في مقامه أن الكبير من الرجال هو الذي *** لا يدعيه مقيدا و مسودا و مهودا و منصرا و ممجسا *** و معطلا و مشركا و موحدا و منزها و مشبها و محيزا *** و ممكنا و مروحنا و مجسدا عمت صفات جلاله و جماله *** كل الأنام و كان حتى يقصدا إن الغيور هو الذي لا ينثني *** عن نفسه حال الضلالة و الهدى و أن المحل الذي تقوم به هذه الصفة لا بد لصاحبها إن كان على أي ملة كان أو نحلة أن يرجع إلى دين الهدى و يسلم و يؤمن و يبادر إلى مكارم الأخلاق عن كشف محقق و علم صحيح فيكون أكمل الناس إيمانا و أعظمهم منزلة عند اللّٰه عارفا بمنازل الرسل و الأنبياء عليه السّلام و فضل بعضهم على بعض و الأولياء و المؤمنين فإن الصفة التي قادته إلى الإسلام أعظم الصفات عند اللّٰه قدرا في حق العبد فتنزله المنازل العلية و ترفعه في عليين و يتلقاه من الملائكة كل ملك كريم على اللّٰه محسن في عبادة ربه هو الذي ينزل إلى هذا العبد من عند اللّٰه للمناسبة التي بين هذا الملك و بينه فيأخذ بيده فيرفعه إلى منزل هذه الصفة في عليين فلا يكون في صنفه أعلى منه منزلة إلا من عمل بعمله فإنه في درجته و معه و يكفي هذا القدر من هذا المنزل و أما ما يحوي عليه من المسائل و العلوم فعلم كفران النعم و تفاصيل الكفر و أين ينتهي كل كفر بصاحبه مثل كفر الآبق و تارك الصلاة و الكافر ببعض ما أنزل اللّٰه و علم البدو و علم وضع الشرائع و علم البرازخ و علم البعث و علم أقوات الأرض و أمر السموات و ما يتولد بين السماء و الأرض و بين توجهات الحق و الكون و بين كل زوجين و علم الإنسان و الحيوان و علم الساعة و لم سميت ساعة و هل هي في كل لسان بهذا المعنى المفهوم من اسم الساعة أم لا و هل للساعة صورة لها إدراك سمع و بصر و تميز أم لا و علم الصفات المقومة لكل مرتبة حتى يمتاز بها أهلها و علم الكتابين اللذين خرج بهما رسول اللّٰه ﷺ في يديه على أصحابه «فقال ﷺ إن في الكتاب الواحد أسماء أهل الجنة و أسماء آبائهم و قبائلهم و عشائرهم و في الكتاب الآخر أسماء أهل النار و أسماء آبائهم و قبائلهم و عشائرهم» مع صغر حجم الكتابين و كثرة الأسماء فيعلم من ذلك إيراد الكبير على الصغير من غير تصغير الكبير أو تكبير الصغير و إلا فأي ديوان يحصر أسماء هؤلاء و يعلم أن الأمر الذي يحيله العقل لا يستحيل نسبة إلهية فتعلم أن اللّٰه قادر على المحال العقلي كإدخال الجمل في سم الخياط : مع بقاء هذا على صغره و هذا على كبره و يشاهد من هذا المنزل المقام الذي وراء طور العقل من حيث ما يستقل بإدراكه من كونه مفكرا و إلا فعقل الأنبياء عليه السّلام و الأولياء قبل هذا الأمر من كونه قابلا لا من كونه ما ذكرناه فللعقول حد تقف عنده و ليس لله حد يقف عنده بل هو خالق الحدود فلا حد له سبحانه فهو القادر على الإطلاق ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] «الباب الخامس و ثلاثمائة في معرفة منزل ترادف الأحوال على قلوب الرجال من الحضرة المحمدية»حقائق الحق بالأسماء و الحال *** تقلب الكون من حال إلى حال و ليس يدري به إلا القلوب و ما *** للعقل فيه مجال دون إملال يخالف العقل تقليب الوجود فما *** للعقل شيء سوى قيد و أغلال فالعقل يشهد ذاتا لا انتقال لها *** عنها و قلبك في تقليب أحوال إن المظاهر تقليب الإله لنا *** في نفسه و هو عندي عين إضلال [علم القوة و هو الرمي بالقوس]اعلم وفقك اللّٰه أن هذا المنزل يحوي على علوم كثيرة منها علم القوة و هو الرمي بالقوس و الدخول فيه و عقد الأصابع على |
|
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |