المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة التوبة: [الآية 111]
سورة التوبة | ||
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)
«فَإِنْ تَوَلَّوْا» عما دعوتموهم إليه «فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ» أي في اللّه الكفاية يكفيني أمرهم
[ توحيد الاستكفاء ]
«لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» وهذا هو التوحيد الحادي عشر ، وهو توحيد الاستكفاء ، وهو من توحيد الهوية لما قال تعالى : «وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى» فأحالنا علينا بأمره فبادرنا لامتثال أمره ، فمنا من قال التعاون على البر والتقوى أن يرد كل واحد صاحبه إلى ربه في ذلك ، ويستكفي به فيما كلفه ،
وهو قوله : (واستعينوا بالله) خطاب تحقيق «عليه توكلت» التوكل اعتماد القلب على اللّه تعالى مع عدم الاضطراب عند فقد الأسباب الموضوعة في العالم ، التي من شأن النفوس أن تركن إليها ، فإن اضطرب فليس بمتوكل ، وهو من صفات المؤمنين «وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ»
فإذا كان رب العرش والعرش محيط بعالم الأجسام وأنت من حيث جسميتك أقل الأجسام فاستكف باللّه ، الذي هو رب مثل هذا العرش ، ومن كان اللّه حسبه انقلب بنعمة من اللّه وفضل لم يمسسه سوء ، وجاء في ذلك بما يرضي اللّه ، واللّه ذو فضل عظيم على من جعله حسبه .
(10) سورة يونس مكيّة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
------------
(129) الفتوحات ج 2 / 409 ، 199 ، 409تفسير ابن كثير:
خبر تعالى أنه عاوض عباده المؤمنين عن أنفسهم وأموالهم إذ بذلوها في سبيله بالجنة ، وهذا من فضله وكرمه وإحسانه ، فإنه قبل العوض عما يملكه بما تفضل به على عباده المطيعين له ؛ ولهذا قال الحسن البصري وقتادة : بايعهم والله فأغلى ثمنهم .
وقال شمر بن عطية : ما من مسلم إلا ولله ، عز وجل ، في عنقه بيعة ، وفى بها أو مات عليها ، ثم تلا هذه الآية .
ولهذا يقال : من حمل في سبيل الله بايع الله ، أي : قبل هذا العقد ووفى به .
وقال محمد بن كعب القرظي وغيره : قال عبد الله بن رواحة ، رضي الله عنه ، لرسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني ليلة العقبة - : اشترط لربك ولنفسك ما شئت ! فقال : " أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم " . قالوا : فما لنا إذا فعلنا ذلك ؟ قال : " الجنة " . قالوا : ربح البيع ، لا نقيل ولا نستقيل ، فنزلت : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم ) الآية .
وقوله : ( يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون ) أي : سواء قتلوا أو قتلوا ، أو اجتمع لهم هذا وهذا ، فقد وجبت لهم الجنة ؛ ولهذا جاء في الصحيحين : " وتكفل الله لمن خرج في سبيله ، لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي ، وتصديق برسلي ، بأن توفاه أن يدخله الجنة ، أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه ، نائلا ما نال من أجر أو غنيمة " .
وقوله : ( وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ) تأكيد لهذا الوعد ، وإخبار بأنه قد كتبه على نفسه الكريمة ، وأنزله على رسله في كتبه الكبار ، وهي التوراة المنزلة على موسى ، والإنجيل المنزل على عيسى ، والقرآن المنزل على محمد ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
وقوله : ( ومن أوفى بعهده من الله ) [ أي : ولا واحد أعظم وفاء بما عاهد عليه من الله ] فإنه لا يخلف الميعاد ، وهذا كقوله تعالى : ( ومن أصدق من الله حديثا ) [ النساء : 87 ] ( ومن أصدق من الله قيلا ) [ النساء : 122 ] ؛ ولهذا قال : ( فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ) أي : فليستبشر من قام بمقتضى هذا العقد ووفى بهذا العهد ، بالفوز العظيم ، والنعيم المقيم .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
يخبر تعالى خبرا صدقا، ويعد وعدا حقا بمبايعة عظيمة، ومعاوضة جسيمة، وهو أنه {اشْتَرَى} بنفسه الكريمة {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} فهي المثمن والسلعة المبيعة.
{بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} التي فيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين من أنواع اللذات والأفراح، والمسرات، والحور الحسان، والمنازل الأنيقات.
وصفة العقد والمبايعة، بأن يبذلوا للّه نفوسهم وأموالهم في جهاد أعدائه، لإعلاء كلمته وإظهار دينه فـ {يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} فهذا العقد والمبايعة، قد صدرت من اللّه مؤكدة بأنواع التأكيدات.
{وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ} التي هي أشرف الكتب التي طرقت العالم، وأعلاها، وأكملها، وجاء بها أكمل الرسل أولو العزم، وكلها اتفقت على هذا الوعد الصادق.
{وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا} أيها المؤمنون القائمون بما وعدكم اللّه، {بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ} أي: لتفرحوا بذلك، وليبشر بعضكم بعضًا، ويحث بعضكم بعضًا.
{وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} الذي لا فوز أكبر منه، ولا أجل، لأنه يتضمن السعادة الأبدية، والنعيم المقيم، والرضا من اللّه الذي هو أكبر من نعيم الجنات، وإذا أردت أن تعرف مقدار الصفقة، فانظر إلى المشتري من هو؟ وهو اللّه جل جلاله، وإلى العوض، وهو أكبر الأعواض وأجلها، جنات النعيم، وإلى الثمن المبذول فيها، وهو النفس، والمال، الذي هو أحب الأشياء للإنسان.
وإلى من جرى على يديه عقد هذا التبايع، وهو أشرف الرسل، وبأي كتاب رقم، وهي كتب اللّه الكبار المنزلة على أفضل الخلق.
تفسير البغوي
قوله تعالى : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم ) الآية . قال محمد بن كعب القرظي : لما بايعت الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة بمكة وهم سبعون نفسا ، قال عبد الله بن رواحة : يا رسول الله اشترط لربك ولنفسك ما شئت .
فقال : أشترط لربي عز وجل : أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأشترط لنفسي ، أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم .
قالوا : فإذا فعلنا ذلك فما لنا؟
قال : الجنة ، قالوا : ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل فنزلت : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ) .
وقرأ الأعمش : " بالجنة " .
( يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون ) قرأ حمزة والكسائي : " فيقتلون " بتقديم المفعول على الفاعل بمعنى يقتل بعضهم بعضا ، ويقتل الباقون . وقرأ الآخرون بتقديم الفاعل . ( وعدا عليه حقا ) أي : ثواب الجنة لهم وعد وحق ( في التوراة والإنجيل والقرآن ) يعني أن الله عز وجل وعدهم هذا الوعد ، وبينه في هذه الكتب . وقيل : فيه دليل على أن أهل الملل كلهم أمروا بالجهاد على ثواب الجنة ، ثم هنأهم فقال : ( ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ) فافرحوا ( ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ) قال عمر رضي الله عنه : إن الله عز وجل بايعك وجعل الصفقتين لك .
وقال قتادة : ثامنهم الله عز وجل فأغلى لهم .
وقال الحسن : اسمعوا إلى بيعة ربيحة بايع الله بها كل مؤمن . وعنه أنه قال : إن الله أعطاك الدنيا فاشتر الجنة ببعضها .
الإعراب:
(إِنَّ اللَّهَ) حرف مشبه بالفعل ولفظ الجلالة اسمه والجملة مستأنفة (اشْتَرى) ماض فاعله مستتر والجملة خبر (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) متعلقان باشترى (أَنْفُسَهُمْ) مفعول به والهاء مضاف إليه (وَأَمْوالَهُمْ) معطوف على أنفسهم (بِأَنَّ) الباء حرف جر وحرف مشبه بالفعل (لَهُمُ) متعلقان بالخبر المقدم (الْجَنَّةَ) اسم أن وأن وما بعدها في تأويل مصدر في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلقان باشترى (يُقاتِلُونَ) مضارع والواو فاعله (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) متعلقان بيقاتلون ولفظ الجلالة مضاف إليه والجملة مستأنفة (فَيَقْتُلُونَ) الفاء عاطفة والمضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعله والجملة معطوفة (وَيُقْتَلُونَ) مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل والجملة معطوفة (وَعْداً) مفعول مطلق لفعل محذوف (عَلَيْهِ) متعلقان بمحذوف صفة وعدا (حَقًّا) مفعول مطلق لفعل محذوف (فِي التَّوْراةِ) متعلقان بمحذوف صفة وعدا (وَالْإِنْجِيلِ) معطوف على التوراة (وَالْقُرْآنِ) معطوف على ما قبله (وَمَنْ) الواو استئنافية ومن اسم استفهام مبتدأ والجملة مستأنفة (أَوْفى) خبر مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر (بِعَهْدِهِ) متعلقان بأوفى (مِنَ اللَّهِ) متعلقان بأوفى (فَاسْتَبْشِرُوا) الفاء الفصيحة وفعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعله والجملة لا محل لها جواب شرط غير جازم (بِبَيْعِكُمُ) متعلقان باستبشروا (الَّذِي) موصول في محل جر صفة (بايَعْتُمْ) ماض والتاء فاعله والجملة صلة (بِهِ) متعلقان ببايعتم (وَذلِكَ) الواو استئنافية واسم الإشارة مبتدأ واللام للبعد والكاف للخطاب والجملة مستأنفة (هُوَ) ضمير فصل (الْفَوْزُ) خبر المبتدأ (الْعَظِيمُ) صفة والجملة خبر ذلك.