الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
||||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() الآخرة و سبب ذلك أن كل علم يحصل للإنسان في الدنيا من العلم بالله خاصة فإن محمدا ﷺ قد علمه فإنه علم علم الأولين و الآخرين و أنت من الآخرين بلا شك و أما في غير العلم بالله فقد يعطاه الإنسان من الوجه الخاص فلا يعلم إلا منه فهو رسول في تعليمه إلى من يعلمه بذلك هذا أعطاه مقام محمد ﷺ و ليست الفائدة إلا في العلم بالله تعالى فإنه العلم الذي به تحسن صورة العالم في نفسه فالعلم بالله من الرسول في المتعلم أعظم و أنفع من العلم الذي يحصل لك من الوجه الخاص إذا كان المعلوم كونا ما من الأكوان ليس اللّٰه فما الشرف للإنسان إلا في علمه بالله و أما علمه بسوى اللّٰه تعالى فعلالة يتعلل بها الإنسان المحجوب فإن المنصف ما له همة إلا العلم به تعالى فاجهد إن تكون ممن يأخذ العلم بالله عن رسول اللّٰه ﷺ فتكون محمدي الشهود إذ قد قطعنا أنه لا علم بالله اليوم عينا يختص به أحد من خلق اللّٰه و قد أشارت عائشة رضي اللّٰه عنها إلى ذلك في تأويلها في حق رسول اللّٰه ﷺ فقالت من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم على اللّٰه الفرية فإن اللّٰه يقول ﴿لاٰ تُدْرِكُهُ الْأَبْصٰارُ﴾ [الأنعام:103] و هنا سر فابحث عليه و لا تقل قد حجرت واسعا فإني ما حجرت عليك إن لا تعلم و إنما حجرت عليك أنك لا تعلم مثل هذا من الحق إلا في صورة محمدية و قد بينا أن أعظم الرؤية رؤية محمدية في صورة محمدية و إليه ذهب الإمام أبو القاسم بن قسي رحمه اللّٰه في كتاب خلع النعلين له و هو روايتنا عن ابنه عنه بتونس سنة تسعين و خمسمائة و ما رأيت هذا النفس لغيره فنعينه فإنه ما وصل إلينا فيمكن إن يكون كما علمته أنا من اللّٰه تعالى إلقاء إلهيا من غير واسطة أعني ما علمه ابن قسي في ذلك يمكن أيضا أن يكون غير ابن قسي قبله أو بعده أو في زمانه قد أطلعه اللّٰه على ذلك و ما وصل إلينا و اللّٰه أعلم فلا شرف يعلو شرف العلم و لا حالة تسمو على حالة الفهم عن اللّٰه «الباب الثالث و التسعون و أربعمائة في معرفة حال قطب كان منزله ﴿قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّٰهِ لأنهم لم يجدوه إذ كان عندهم»كل ما في الكون من خالقه *** فلهذا ليس في الكون حدوث ما تراه قد نفى العلم به *** حين لا يفقه في الكون حديث إنهم لم يجدوه حادثا *** فلهذا السير في ذاك حثيث ما نفى بالعلم فيه أحد *** غير معتوه جهول أو خبيث إنما يعلم منه كونه *** واحد العين و إن طال النثيث كرم اللّٰه رسولا بالذي *** بثه فينا من الذكر الحديث [القرآن هو كلام اللّٰه و هو صفته]قال اللّٰه تعالى ﴿مٰا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمٰنِ مُحْدَثٍ إِلاّٰ كٰانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ﴾ [الشعراء:5] و قال ﴿مٰا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَ هُمْ يَلْعَبُونَ لاٰهِيَةً قُلُوبُهُمْ﴾ فجاء الذكر من الرب و الرحمن فأخبر أنهم استمعوا و أصغوا لذكر الرب في حال لهو و ذكر إعراضهم عن ذكر الرحمن مع العلم منهم بأنه القرآن و هو كلام اللّٰه و الكلام صفته فله القدم و إن حدث الإتيان اعلم أن الحديث قد يكون حديثا في نفس الأمر و قد يكون حديثا بالنسبة إلى وجوده عندك في الحال و هو أقدم من ذلك الحدوث و ذلك إذا أردت بالقدم نفي الأولية فليس إلا كلام اللّٰه و ليس إلا عين القابل صور التجلي و إذا أردت به غير نفي الأولية فقد يكون حادثا في نفسه ذلك الشيء قبل حدوثه عندك و قد يكون حادثا بحدوثه عندك أي ذلك زمان حدوثه و هو ما يقوم بك أو بمن يخاطبك أو يجالسك من الأغراض في الحال و أما عندية اللّٰه فهي على قسمين أعني ما هو عنده القسم الواحد ما هو عليه من الأمر الذي يعقل زائدا على هويته و إن لم نقل فيه إنه غيره و لا عينه أيضا كالصفات المنسوبة إليه لا هي هو و لا هي غيره و قد يكون عنده ما يحدثه فينا و لنا و هو مثل قوله ﴿وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّٰ عِنْدَنٰا خَزٰائِنُهُ﴾ [الحجر:21] و هذا الذي عندنا على نوعين نوع يحدث صورته لا جوهره كالمطر فإنا نعلم ما هو من حيث جوهره و ما هو من حيث صورته و كل العالم على هذا أو هو النوع الآخر ما يحدث جوهره و ليس إلا جوهر الصورة و وجود جوهر العين القائمة به تلك الصورة فإنه لا وجود لعين جوهرها الذي قامت به إلا عند قيامها به فهو قبل ذلك معقول لا موجود العين فموضع الصورة أو محل الصورة من المادة يحدث له الوجود بحدوث الصورة في حال ما لا في كل حال |
|
||||||||||
![]() |
![]() |
||||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |