الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() حتى تحقق بالأدب الإلهي «فقال إن اللّٰه أدبني فأحسن أدبي» فإن اللّٰه له نسبة إلى الأغنياء كما له نسبة إلى الفقراء فالعارف ينبغي له أن لا يفوته من الحق شيء في كل شيء فما أحسن تعليم اللّٰه عباده فنحن إذا فتح اللّٰه أعين بصائرنا و أفهامنا علمنا أن تعليم اللّٰه نبيه ﷺ الآداب مع المراتب إنا أيضا مرادون بذلك التعليم و ننظره في النبي ﷺ كالمثل السائر إياك أعني فاسمعي يا جارة و إن كان هو ﷺ المقصود لله بالأدب فنحن أيضا المقصودون لله بالتأسي به و الاقتداء ﴿لَقَدْ كٰانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّٰهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب:21] فكل خطاب خاطب به نبيه ﷺ مؤدبا له فلنا في ذلك الخطاب اشتراك لا بد من ذلك فانظر يا ولي في هذا الذكر ما ذا نتج من الخير الكثير ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] «الباب الثامن و العشرون و خمسمائة في معرفة حال قطب كان منزله ﴿وَ جَزٰاءُ »إن القبيح لأقسام مقسمة *** عرفية و التي التشريع بينها فمن عفا عن مسيء نفسه أنفت *** عن الجزاء لأن السوء عينها فلا تكن بمحل للقبيح لأن *** اللّٰه بالصفة العليا زينها [لا فقر إلا إلى اللّٰه تعالى]قال اللّٰه تعالى ﴿وَ لِلّٰهِ الْأَسْمٰاءُ الْحُسْنىٰ﴾ [الأعراف:180] و إن كان له جميع الأسماء التي يفتقر كل فقير إلى مسماها و لا فقر إلا إلى اللّٰه فإنه يقول ﴿يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرٰاءُ إِلَى اللّٰهِ﴾ [فاطر:15] و مع هذا فلا يطلق عليه من الأسماء إلا ما يعطي الحسن عرفا و شرعا و لذلك نعت أسماءه بالحسنى و قال لنا ﴿فَادْعُوهُ بِهٰا﴾ [الأعراف:180] ثم قال وصية لنا ﴿وَ ذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمٰائِهِ﴾ أي يميلون في أسمائه إلى ما ليس بحسن و إن كان في المعنى من أسمائه لكن منع أن يطلق عليه لما ناط به عرفا أو شرعا بأنه ليس بحسن و هنا قال ﴿سَيِّئَةٌ مِثْلُهٰا﴾ [الشورى:40] فالسيئة الأولى سيئة شرعية صاحبها مأثوم عند اللّٰه و السيئة الثانية الجزائية ليست بسيئة شرعا و إنما هي سيئة من حيث إنها تسوء المجازي بها كالقصاص فيما لك أن تعفو عنه بهذا الشرط فلما رأى أهل اللّٰه أنه تعالى أطلق على ذلك اسم سيئة و قال ﴿مِثْلُهٰا﴾ [البقرة:106] و من اتصف بشيء من ذلك فيقال فيه إنه مسيء على حد ما سمي تلك سيئة سواء فأنف أهل اللّٰه أن يكونوا محلا للسوء فاختاروا العفو على الجزاء بالمثل نفاسة و تقديس نفس عن اسم لم يطلقه اللّٰه على نفسه كما أطلق الحسن و نبه على الزهد و الترك للاخذ عليها بقوله ﴿وَ جَزٰاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ﴾ [الشورى:40] و لم يقل و جزاء المسيء فإن المسيء هو الذي يجازى بما أساء لا السيئة فإن السيئة قد ذهب عينها و هي لا تقبل الجزاء و لو كانت موجودة فإنها لو قبلت الجزاء لزال عينها مثال ذلك إن الجرح الحاصل في الذي تعدى عليه فجرح إذا اقتص من الذي جرحه مثل ما تعدى عليه صار الآخر المجازي مجروحا و ما بريء الأول من جرحه فلو قبلت السيئة جزاء لزال عينها منه و لا يزول فلم يبق الجزاء إلا عين المكلف فإن كانت السيئة فعل المكلف لا مفعوله فقد ذهب عين الفعل بذهاب زمانه فلا يقبل الجزاء لأنه قد انعدم فلم يبق إلا المحل المسيء فأنزل المسيء منزلة السيئة و سمي بها و أضيف الجزاء لي السيئة فللمسيء حكم لسيئة ﴿فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة:194] هذا من أقوم القيل و إن كان القيل الإلهي كله قويما و لكن فيه قويم و أقوم بالنسبة إلينا لأنا قد قدمنا ما من شيء يكون فيه كثرة أمثال إلا و لا بد فيه من التفاضل حتما لأنه لا شيء فوق أسماء اللّٰه الحسنى و مع هذا تتفاضل بالإحاطة و عدم الإحاطة و ينزل اسم إلهي عن اسم إلهي و يعلو اسم إلهي على اسم إلهي فالجزاء بالأمثال أبدا و ما خرج عن الوزن و المقدار بالرجحان لا بالنقص فذلك خارج عن الجزاء و لهذا يرجع الحق عليه بعد ما كان له بخلافه في الخير و الحسن فإن الرجحان فيه فضيلة يثنى عليه بها و ما أحسن «قول رسول اللّٰه ﷺ في صاحب التسعة فاسمع الولي و قد حكم له بالقصاص أما إنه إن قتله كان مثله» يعني قوله ﴿وَ جَزٰاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهٰا﴾ [الشورى:40] فسمي قاتلا بلا شك فتركه و عفا و هذا من السياسة ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] «الباب التاسع و العشرون و خمسمائة في معرفة حال قطب كان منزله﴿وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبٰاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ»﴾ إن الوفاق لمن طيب الأصول لما *** أتابه اللّٰه مما شاءه و شرع |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |