الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
||||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() ﴿وَ عِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ﴾ [ طه:66] إلى موسى ﴿مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهٰا تَسْعىٰ﴾ [ طه:66] الذي ﴿سَحَرُوا﴾ [الأعراف:116] به ﴿أَعْيُنَ النّٰاسِ﴾ [الأعراف:116] فتلك حبال نشأت بين الخيال و بين أعين الناظرين كصورة السماء في المرآة فما هي السماء و لا غير السماء فإنك تعلم قطعا إن الجرم الذي رأيت في المرآة أقل من جرم السماء و أكبر من جرم المرآة و تعلم قطعا إنك ما رأيت إلا السماء عينها فلهذا جعلنا الحكم للمواطن فلا يجيء من العالم أمر يسمى خرق عادة إلا بإذن اللّٰه فبغير إذن اللّٰه ما يصح و لهذا ما يكون من كل أحد ظهور ذلك و إن كنا نعلم أنه ما يحدث صورة في العالم إلا و الحياة تصحبها و هي روحها و بذلك الروح تكون تلك الصورة مسبحة فالروح تسبح اللّٰه تعالى و الصورة مسبحة بالروح ربها تعالى فقد علمت الذي أقول *** و لست تدري الذي يقول و لست أدري الذي نقول *** فإنه الناطق القوول و هذا القدر كاف ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] «الباب الخامس و السبعون و أربعمائة في معرفة حال قطب كان منزله﴿وَ مَنْ يُعَظِّمْ شَعٰائِرَ اللّٰهِ﴾ [الحج:32] »شعائر اللّٰه أعلام لنا نصبت *** لنعلم الفرق بين الحق و الخلق و هي الحدود التي قامت برازخها *** وقاية للذي يقول بالفرق فمن يعظمها كانت وقايته *** و هو الذي يتقي الأشياء بالحق اللّٰه دون الخلق له من منزلة *** يوم الوفود تسمى مقعد الصدق يحوزها بالذي حاز السباق لها *** لما جرى معهم في حلبة السبق يفنى و يبقى الذي يدعوه متصفا *** أسماؤه عندنا بالمفني و المبقي [قلب المؤمن وسع عظمة اللّٰه]قال اللّٰه تعالى في تعظيمها لا بل فيها ﴿فَإِنَّهٰا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ لَكُمْ فِيهٰا﴾ يعني الشعائر ﴿مَنٰافِعُ إِلىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهٰا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج:33] و هو بيت الايمان عند أهل الإشارات و ليس إلا قلب المؤمن الذي وسع عظمة اللّٰه و جلاله شعائر اللّٰه أعلامه و أعلامه الدلائل عليه الموصلة إليه و يا عجبا كيف يصل إليه و هو عنده كما قال أبو يزيد و قد سمع قارئا يقرأ يوم ﴿نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمٰنِ وَفْداً﴾ [مريم:85] فصاح و بكى حتى طار الدم من عينيه و ضرب المنبر و قال كيف يحشر إليه من هو جليسه فصدق اللّٰه في الكمال فإن المتقي ما يتقي الرحمن و صدق أبو يزيد فإنه ما كان مشهوده في الحال إلا الرحمن و الولي لا يتعدى ذوقه و لا ينطق بغير حاله و يرد كل شيء يسمع إلى الحال الذي يغلب عليه و كان حال أبي يزيد في ذلك الوقت هو الذي نطق به فالمرء مخبوء تحت لسانه فإن اللسان ترجمان أحوال الناطق [البدن من شعائر اللّٰه]ثم اعلم أن البدن جعلها اللّٰه من شعائره و لهذا تشعر ليعلم أنها من شعائر اللّٰه و ما وهب لله لا رجعة فيه أ لا تراها إذا ماتت قبل الوصول إلى البيت كيف ينحرها صاحبها و يخلي بينها و بين الناس و لا يأكل منها شيئا فهذا من منة اللّٰه حيث جعلك مثلا و ميزك عنه و جعل لك ملكا و طلب منك أن تقرضه و النعمة بالأصالة نعمته و هذه كلها من شعائر اللّٰه فإن كل شعيرة منها دليل على اللّٰه من حيث أمر ما خاص أراده اللّٰه و أبانه لأهل الفهم من عباده فيتفاضلون في ذلك على قدر فهمهم فإذا رأيت ما يقال فيه إنه من شعائر اللّٰه و تجهل أنت صورته في الشعائر و لا تعلم ما تدل عليه هذه الشعيرة فاعلم إن تلك الشعيرة ما خاطبك الحق بها و لا وضعها لك و إنما وضعها لمن يفهمها عنه و لك أنت شعيرة أيضا غيرها و هي كل ما تعرف أنها دلالة لك عليه كما قال أبو العتاهية و في كل شيء له آية *** تدل على أنه واحد فقف عندها ﴿وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾ [ طه:114] فيقوي فهمك فيما أنزله و يعلمك ﴿مٰا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾ [النساء:113] فإذا أمكنك الحق من نفسك علمت أنك من أقوى الشعائر عليه و أوضحها و لهذا «جاءت الشريعة بقولها من عرف نفسه عرف ربه» فإذا وصلت إلى ما أوصلتك إليه شعائر نفسك و شاهدت المشعور رأيته على صورتك فمن هناك تعلم أنك الأصل في علمه بك و أنه ما تجلى لك إلا في صورة علمه بك و لا كان عالما بك إلا منك و أنت بذاتك أعطيته لعلم بك فأنت الشعيرة له عليك فإن |
|
||||||||||
![]() |
![]() |
||||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |