الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() ليس إلا اللّٰه وحده وجودا و يسمى خلقا لحكم الممكن في تلك العين فإذا علم العبد ما هي العين الموجودة و ما هو الحكم و إنه عن عين معدومة لم يبال و زال ما كان يجده من ثقل الكون الذي من أجله سمي الجن و الإنس بالثقلين و هو اسم لكل موجود طبيعي و زال عنه ما كان يحس به من الألم النفسي و الحسي و رفعه اللّٰه عند هذا ﴿مَكٰاناً عَلِيًّا﴾ [مريم:57] و هو نصيبه من مقام إدريس عليه السّلام فارتفعت مكانته و زالت زمانته و حمد مسراه و علم ما أعطاه سراة فتميزت المراتب و اتحدت المذاهب و تبحرت الجداول و المذانب و استوى القادر و غير القادر و الكاسب فأعظم الإقبال و أعلاه من يكون إقباله على اللّٰه عين نفسه الخارج و صدوره عن اللّٰه و هو عين إقباله عين نفسه الداخل فهو مقبل على اللّٰه من كونه محيطا بالنفس الخارج و مقبل على اللّٰه في صدوره بنفسه الداخل من كون الحق وسعه قلبه فيكون مستفيدا في كل نفس بين اسم إلهي ظاهر و بين اسم إلهي باطن فالنفس الخارج إلى الحق المحيط الظاهر ليريه عين الحق في الآيات في الآفاق و النفس الداخل إلى الحق الباطن ليريه عين الحق في نفسه فلا يشهد ظاهرا و لا باطنا إلا حقا فلا يبقى له في ذاته اعتراض في فعل من الأفعال إلا بلسان حق لإقامة أدب فالمتكلم و المكلم عين واحدة في صورتين بإضافتين [لا يزال الحق تعالى في الخلاء خلاقا على الدوام]ثم لتعلم يا ولي أن اللّٰه لما خلق العالم و ملأ به الخلأ لم يبق في العالم جوهر يزيد و لا ينقص فهو بالجوهر واحد غير إن هذا الجوهر الذي قد ملأ الخلأ لا يزال الحق تعالى فيه خلاقا على الدوام بما يفتح فيه من الإشكال و يلطف فيه من الكثائف و يكثف فيه من اللطائف و يظهر فيه من الصور و يحدث فيه من الأعراض من أكوان و ألوان و يميز كل صورة فيه من الكثائف بما يوجده فيها من الصفات و على الصورة التي تفتح فيه تقع الحدود الذاتية و الرسمية و فيه تظهر أحكام النسب و الإضافات فما أحدث اللّٰه بعد ذلك جوهرا لكن يحدث فيه فإذا علمت هذا فاعلم من تقع عليه العين و ما هي عليه العين و ما تسمعه الأذن و ما هي الأذن و ما يصوت به اللسان و ما هو الصوت و ما نلمسه الجوارح و ما هي الجارحة و ما يذوق طعمه الحنك و ما هو الحنك و ما يشمه الأنف و ما هو الأنف و ما يدركه العقل و ما هو العقل و ما هو السمع و البصر و الشم و الطعم و اللمس و الحس و ما هو المتخيل و المتخيل و الخيال و ما هو التفكر و المتفكر و الفكر و المتفكر فيه و ما هو المصور و المصور و الصورة و الذاكر و الذكر و المذكور و الوهم و المتوهم و التوهم و المتوهم فيه و الحافظ و الحفظ و المحفوظ و ما هو المعقول فما يحصل لك إلا علم بأعراض و نسب و إضافات في عين واحدة هي الواحدة و الكثيرة و عليها تنطلق الأسماء كلها بحسب ما أحدث اللّٰه فيها مما ذكرناه و هي بالذات عين هذا الجوهر الذي ملأ الخلأ و قابل لكل ما ذكرناه و فيه يظهر الجوهر الصوري و العرض و الزمان و المكان و هذه أمهات الوجود ليس غيرها و ما زاد عليها فإنه مركب منها من فاعل و منفعل و إضافة و وضع و عدد و الكيف و من هنا يعرف هل تقوم المعاني بالمعاني أو الجوهر القابل للمعنى الذي يظن أن المعنى الآخر قائم به إنما هو قائم بالجوهر الذي قام به المعنى الموصوف مثل إشراق السواد فتقول سواد مشرق أو علم حسن أو خلق كريم أو حمرة في بياض مشربة به فإذا علمت هذا علمت من أنت و ما هو الحق الذي جاد عليك بما ذكرناه كله و أشباهه و علمت أنه لا يمكن أن يماثله شيء من خلقه مع معقولية المناسبة التي ربطت وجودك بوجوده و عينك بعينه كما ربط وجود علمك به بعلمك بك في «قوله من عرف نفسه فقد عرف ربه» فإن أعرف الخلق بالخلق أعرفهم بالله و علمت أحدية الواحد من أحدية الكثرة و انحصار الوجود قديمه و حديثه فيما ذا ينحصر و تمييز القديم من المحدث بما ذا يتميز و ما ينسب إلى القديم الأزلي من الأسماء و الأحكام و ما ينسب إلى المخلوق المحدث من الأسماء و الأحكام و لما ذا يرجع عين العالم و ما يشهد من الحق إذا تجلى لك و رأيته و لما ذا يرجع اختلاف التجلي و تغايره هل لتغاير إدراكك في عين واحدة تختلف رؤيتك فيه و هو غير متنوع في نفسه أو ذلك التنوع في التجلي راجع إلى النسبة لا إليك و لا إليه فأما إليه فمحال عند أهل اللّٰه و ما بقي إلا لأحد أمرين أو لهما إما إليك أو إلى أمر آخر ما هو هو و لا هو أنت و هكذا تشهده فما كل من رأى عرف ما رأى و ما حار أهل الحيرة سدى فإن الأمر عظيم و الخطب جسيم و المشهد عام و الوجود طام و الكمال حاصل و العلم فاصل و الحكم نازل و التجدد مع الأنفاس في الأكوان معقول و ما يقال على الحق |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |