الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() بانتقاله فمن هذه الدار من ينتقل إلى الجنة و منهم من ينتقل إلى النار فالنار و الجنة تعم الدار الدنيا و نعيمها فإنه ما يبقى دار إلا الجنة و النار و الدنيا لا تنعدم ذاتها بعد وجودها و لا شيء موجود فلا بد أن يكون في الدارين أو في أحدهما فأعطى الكشف أن تكون مقسمة بين الدارين و قد ورد في الخبر النبوي من ذلك ما فيه غنية و كان بعض الصحابة يقول يا بحر متى تعود نارا و هو الحميم الذي يشربه أهل النار و «قوله ﷺ في الأنهار الأربعة إنها من الجنة فذكر سيحان و جيحان و النيل و الفرات و بين قبري و منبري روضة من رياض الجنة» و مجالس الذكر حيث كانت روضات من روضات الجنة و الأخبار في ذلك كثيرة و لسنا من أهل التقليد بحمد اللّٰه بل الأمر عندنا كما آمنا به من عند ربنا شهدناه عيانا و رأيت فيها علم مرتبة «قول النبي ﷺ إني مكاثر بكم الأمم» و إن ذلك من الشرف و المجد في موطنه فلا يهمل مثل هذا فإن لكل موطن شرفا يخصه لا يكون شرفه إلا به و هنا زلت جماعة من العارفين حيث لم يفرقوا بين شرف النفوس و شرف العقول و إنهما لا يتداخلان و أن الكمال في وجود الشرفين و رأيت فيها علم ما يرى الإنسان إلا ما كان عليه سواء عرف ذلك أو جهله فإنه لا بد أن يشهده فيعرفه في الموضع الذي لا ينفعه العلم به و لا مشاهدته إياه و رأيت فيها علم التداخل و الدور و هو أنه لا يكون الحق إلا بصورة الخلق في الفعل و لا يكون الخلق فيه إلا بصورة الحق فهو دور لا يؤدي إلى امتناع الوقوع بل هو الواقع الذي عليه الأمر «فإن اللّٰه لا يمل حتى تملوا» فهذا حكم خلق في حق و قال ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللّٰهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلاٰمِ وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً﴾ [الأنعام:125] فهذا منه كما كان عوده و مآله منا و رأيت فيها علم منزلة القرآن من العالم و لمن جاء و بما جاء و إلى أين يعود و رأيت فيها علم التلبيس و أن أصله العجلة من الإنسان فلو اتئد و تفكر و تبصر لم يلتبس عليه أمر و قليل فاعل ذلك و رأيت فيها علم الليل وحده و النهار وحده و الزمان وحده و اليوم وحده و الدهر وحده و العصر وحده و المدة وحدها و رأيت فيها علم التفصيل و فيما ظهر و رأيت فيها علم ما لزم الإنسان من حكم اللّٰه الذي فصله الشرع فلا ينفك عنه و رأيت فيها علم تقابل النسختين و أن الإنسان في نفسه كتاب ربه و رأيت فيها علم سبب وجوب العذاب في الآخرة و هو جلي و العلم الخفي إنما هو في وجود سبب عذاب الدنيا و لا سيما في حق الطفل الرضيع و هل الطفل الرضيع و جميع الحيوان لهم تكليف إلهي برسول منهم في ذواتهم لا يشعر به و إن الصغير إذا كبر و كلف لا يشعر و لا يتذكر تكليفه في حال صغره لما يقوم به من الآلام و بالحيوان فإنه تعالى ما يعذب ابتداء و لكن يعذب جزاء فإن الرحمة لا تقتضي في العذاب إلا الجزاء للتطهير و لو لا التطهير ما وقع العذاب و هذا من أسرار العلم الذي اختص اللّٰه به من شاء من عباده ﴿وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ﴾ [يونس:47] و ﴿إِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاّٰ خَلاٰ فِيهٰا نَذِيرٌ﴾ [فاطر:24] و ما من شيء في الوجود إلا و هو أمة من الأمم قال تعالى ﴿وَ مٰا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لاٰ طٰائِرٍ يَطِيرُ بِجَنٰاحَيْهِ إِلاّٰ أُمَمٌ أَمْثٰالُكُمْ﴾ في كل شيء و «قال ﷺ في الكلاب إنها أمة من الأمم» فعمت الرسالة الإلهية جميع الأمم صغيرهم و كبيرهم فما من أمة إلا و هي تحت خطاب إلهي على لسان نذير بعث إليها منها و فيها و رأيت فيها علم حكم الوجوب الموسع المخير كأوقات الصلوات و التخيير في الكفارات و رأيت فيها علم كون الحق مع إرادة العبد لا يخالفه و هذه الصفة بالعبد أولى فكما أمر اللّٰه عبده فعصاه كذلك دعاه عبده فلم يجبه فيما سأل فيه كما أمره فلم يطعه أ لا ترى إلى الملائكة لما لم تعص أمر اللّٰه أجابها اللّٰه في كل ما سألته فيه حتى إن العبد إذا وافق في الصلاة تأمينه تأمين الملائكة غفر له و رأيت فيها عموم العطاء الإلهي و إنه من الكرم الإلهي إتيان الكبائر في العالم المكلف فإنه لا بد لطائفة من التبديل فيبدل بها كبير بكبير إحياء نفس بقتل نفس *** في كل نوع و كل جنس فمن الناس من يبدل له بالتوبة و العمل الصالح و من الناس من يبدل له بعد أخذ العقوبة حقها منه و سبب إنفاذ الوعيد في حق طائفة حكم المشيئة الإلهية فإذا انتهت المدة طلبت المشيئة في أولئك تبديل العذاب الذي كانوا فيه بالنعيم المماثل له فإن حكم المشيئة أقوى من حكم الأمر و قد وقع التبديل بالأمر فهو بالإرادة أحق بالوقوع و ستر اللّٰه هذا العلم عن بعض عباده و اطلع عليه من شاء من عباده و هو من علم الحكمة التي من أوتيها ﴿فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً﴾ [البقرة:269] و لذلك قال الحق تعالى ﴿وَ كٰانَ اللّٰهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾ [النساء:96] غفورا أي يستر رحيما بذلك الستر بعد قوله ﴿فَأُوْلٰئِكَ يُبَدِّلُ اللّٰهُ سَيِّئٰاتِهِمْ حَسَنٰاتٍ﴾ [الفرقان:70] و قال |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |