الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() واحدة و عين واحدة و الصور كثيرة مختلفة بالحد و الحقيقة و بيدها المنع و العطاء و ذلك لله ﴿أَ جَعَلَ الْآلِهَةَ إِلٰهاً وٰاحِداً إِنَّ هٰذٰا لَشَيْءٌ عُجٰابٌ﴾ [ص:5] أي الكثرة في عين الواحد ﴿مٰا سَمِعْنٰا بِهٰذٰا فِي آبٰائِنَا الْأَوَّلِينَ﴾ [المؤمنون:24] فما أنكروه و لا ردوه بل استعظموه و استكبروه و تعجبوا كيف تكون الأشياء شيئا واحدا و استكبروا مثل هذا الكلام من مثل هذا الشخص حيث علموا أنه منهم و ما شاهد إلا ما شاهدوه فمن أين له هذا الذي ادعاه فحجبهم الحس عن معرفة النفس و الاختصاص الإلهي فامتثلوا أمر اللّٰه من حيث لا يشعرون لأنه الآمر عباده بالاعتبار و هو التعجب فقال ﴿إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصٰارِ﴾ [آل عمران:13] و قال ﴿فَاعْتَبِرُوا يٰا أُولِي الْأَبْصٰارِ﴾ [الحشر:2] فاعتبروا كما أمروا فهم من أولي الأبصار و قولهم ﴿إِنْ هٰذٰا إِلاَّ اخْتِلاٰقٌ﴾ [ص:7] لما جاءهم التعريف بهذا على يدي واحد منهم و لم يعرفوا العناية الإلهية و الاختصاص الرباني و الاختلاق لم يكن فيما تعجبوا منه لأنه لو أحالوه بالكلية ما تعجبوا و إنما نسبوا الاختلاق لمن جاء به إذ كان من جنسهم و مما يجوز عليه ذلك حتى يتبين لهم برؤية الآيات فيعلمون أنه ما اختلق هذا الرسول و أنه جاءه من عند اللّٰه الذي عبد هؤلاء هذه المسماة آلهة عندهم على جهة القربة إلى اللّٰه الكبير المتعالي فأنزلوهم بمنزلة الحجة للملك و أعطوهم اسمه كما يعطي اسم الولاية لكل وال و إن كان الوالي هو اللّٰه فالولاة كثيرون فكأنه أخبرهم عن اللّٰه أنه ما ولي هؤلاء الذي يعبدون بل آباؤكم نصبوهم آلهة هذا الإله الذي أدعوكم إليه تعرفونه و أنه اسمه اللّٰه لا تنكرونه و أنتم القائلون ﴿مٰا نَعْبُدُهُمْ إِلاّٰ لِيُقَرِّبُونٰا إِلَى اللّٰهِ زُلْفىٰ﴾ [الزمر:3] فسميتموه فسموا آلهتكم فتعرفوا عند ذلك الأمر الحق بيد من هو هل هو بأيديكم أو بيدي يقول الرسول فلما عرفوا قوله و تحققوه علموا أنهم في فضيحة لأنهم إذا سموهم لم يسموهم اللّٰه و لا عقلوا من أسمائهم مسمى اللّٰه فإنهم عارفون بأسمائهم فقالوا مثل ما قال قوم إبراهيم ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مٰا هٰؤُلاٰءِ يَنْطِقُونَ﴾ [الأنبياء:65] فتلك الحجة الإلهية عليهم منهم فما حاجهم إلا بهم ﴿وَ تِلْكَ حُجَّتُنٰا آتَيْنٰاهٰا إِبْرٰاهِيمَ عَلىٰ قَوْمِهِ﴾ [الأنعام:83] (التوحيد السابع و العشرون)من نفس الرحمن هو قوله ﴿ذٰلِكُمُ اللّٰهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ فَأَنّٰى تُصْرَفُونَ﴾ [الزمر:6] هذا توحيد الإشارة فما في الكون مشار إليه إلا هو ﴿فَأَنّٰى تُصْرَفُونَ﴾ [يونس:32] لأن الإشارة لا تقع من المشير إلا لأمر حادث عنده و إن لم يكن في عينه في نفس الأمر حادثا و لكنه يعلم أنه حدث عنده و ما يحدث أمر عند من يحدث عنده إلا و لا بد أن يجهل أمره عند ما يحدث عنده لشغله بحدوثه عنده و أثره فيه فيشير إليه في ذلك الوقت و في تلك الحالة رفيقه و هو على نوعين إذ ما له رفيق سوى اثنين إما عقله السليم و إما شرعه المعصوم و ما ثم إلا هذا لأنه ما ثم من يقول له في هذه الإشارة ﴿ذٰلِكُمُ اللّٰهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ﴾ [الزمر:6] إلا أحد هذين القرينين إما العقل السليم أو الشرع المعصوم و ما عدا هذين فإنه يقول له خلاف ما قال هذان القرينان فيقول له هذا الدهر و تصرفه و يقول الآخر هذه الطبيعة و أحكامها و يقول الآخر هذا حكم الدور فيصرفه كل قائل إلى ما يراه فهو قول هذين القرينين ﴿فَأَنّٰى تُصْرَفُونَ﴾ [يونس:32] ف ﴿فَيُضِلُّ اللّٰهُ مَنْ يَشٰاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشٰاءُ﴾ [ابراهيم:4] بالقرآن ﴿وَ مٰا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفٰاسِقِينَ﴾ [البقرة:26] الخارجين عن حكم هذين القرينين ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] (التوحيد الثامن و العشرون)من نفس الرحمن هو قوله ﴿شَدِيدِ الْعِقٰابِ ذِي الطَّوْلِ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ [غافر:3] هذا توحيد الصيرورة و هو من توحيد الهوية و هو على الحقيقة مقام الايمان لأن المؤمن من اعتدل في حقه الخوف و الرجاء و استوت فيهما قدماه فلم يحكم فضله في عدله و لا عدله في فضله فكما تجلى في شديد العقاب تجلى في الطول الأعم المؤيد بغافر الذنب و قابل التوب و لم يجعل للشديد العقاب مؤيدا و ذلك للدعوى في الشدة فوكل إلى ما ادعاه فهو غير معان و من لم يدع فهو معان فإنها ولاية في الخلق و لأنه جاء بالشدة في العقاب و لم يجيء في الطول مثل هذه الصفة فلهذا شدد أزره بغافر الذنب و قابل التوب فأشار إلى ذوي الأفهام من عباده بإعانة ذي الطول بغافر الذنب و قابل التوب على الشديد العقاب إلى ترك الدعوى فإن الشديد في زعمه أنه لا يقاوم و لو علم أن ثم من يقاومه ما ادعى ذلك فنبه تعالى عباده على ترك الدعوى فيكون الحق يتولى أمورهم بنفسه و عصمهم في حركاتهم و سكناتهم ليقفوا عند ذلك و يعلموا أنه الحق (التوحيد التاسع و العشرون)من نفس الرحمن هو قوله ﴿ذٰلِكُمُ اللّٰهُ رَبُّكُمْ خٰالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ فَأَنّٰى تُؤْفَكُونَ﴾ [غافر:62] هذا توحيد الفضل و هو من توحيد الهوية لأنه جاء بعد قوله ﴿إِنَّ اللّٰهَ لَذُو فَضْلٍ﴾ [البقرة:243] |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |