فما أنكروه و لا ردوه بل استعظموه و استكبروه و تعجبوا كيف تكون الأشياء شيئا واحدا و استكبروا مثل هذا الكلام من مثل هذا الشخص حيث علموا أنه منهم و ما شاهد إلا ما شاهدوه فمن أين له هذا الذي ادعاه فحجبهم الحس عن معرفة النفس و الاختصاص الإلهي فامتثلوا أمر اللّٰه من حيث لا يشعرون لأنه الآمر عباده بالاعتبار و هو التعجب فقال ﴿إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصٰارِ﴾ [آل عمران:13] و قال ﴿فَاعْتَبِرُوا يٰا أُولِي الْأَبْصٰارِ﴾ [الحشر:2] فاعتبروا كما أمروا فهم من أولي الأبصار و قولهم ﴿إِنْ هٰذٰا إِلاَّ اخْتِلاٰقٌ﴾ [ص:7] لما جاءهم التعريف بهذا على يدي واحد منهم و لم يعرفوا العناية الإلهية و الاختصاص الرباني و الاختلاق لم يكن فيما تعجبوا منه لأنه لو أحالوه بالكلية ما تعجبوا و إنما نسبوا الاختلاق لمن جاء به إذ كان من جنسهم و مما يجوز عليه ذلك حتى يتبين لهم برؤية الآيات فيعلمون أنه ما اختلق هذا الرسول و أنه جاءه من عند اللّٰه الذي عبد هؤلاء هذه المسماة آلهة عندهم على جهة القربة إلى اللّٰه الكبير المتعالي فأنزلوهم بمنزلة الحجة للملك و أعطوهم اسمه كما يعطي اسم الولاية لكل وال و إن كان الوالي هو اللّٰه فالولاة كثيرون فكأنه أخبرهم عن اللّٰه أنه ما ولي هؤلاء الذي يعبدون بل آباؤكم نصبوهم آلهة هذا الإله الذي أدعوكم إليه تعرفونه و أنه اسمه اللّٰه لا تنكرونه و أنتم القائلون ﴿مٰا نَعْبُدُهُمْ إِلاّٰ لِيُقَرِّبُونٰا إِلَى اللّٰهِ زُلْفىٰ﴾ [الزمر:3]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية