الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() و في هذه الرؤية رأيت من دركات أهل النار من كونها جهنم لا من كونها نارا ما شاء اللّٰه أن يطلعني منها و رأيت فيها موضعا يسمى المظلمة نزلت في درجة نحو خمسة أدراج و رأيت مهالكها ثم زج بي في الماء علوا فاخترقته و قد رأيت عجبا و علمت في أحوال مخاصمتهم حيث يختصمون في الجحيم و أن ذلك الخصام هو نفس عذابهم في تلك الحال و أن عذابهم في جهنم ما هو من جهنم و إنما جهنم دار سكناهم و سجنهم و اللّٰه يخلق الآلام فيهم متى شاء فعذابهم من اللّٰه و هم محل له [أبواب جهنم السبع و حرسها]و خلق اللّٰه لجهنم سبعة أبواب لكل باب جزء من العالم و من العذاب مقسوم و هذه الأبواب السبعة مفتحة و فيها باب ثامن مغلق لا يفتح و هو باب الحجاب عن رؤية اللّٰه تعالى و على كل باب ملك من الملائكة ملائكة السموات السبع عرفت أسماءهم هنالك و ذهبت عن حفظي إلا إسماعيل فهو بقي على ذكري [الكواكب في جهنم مظلمة الأجرام]و أما الكواكب كلها فهي في جهنم مظلمة الأجرام عظيمة الخلق و كذلك الشمس و القمر و الطلوع و الغروب لهما في جهنم دائما فشمسها شارقة لا مشرقة و التكوينات عن سيرها بحسب ما يليق بتلك الدار من الكائنات و ما تغير فيها من الصور في التبديل و الانتثار و لهذا قال تعالى ﴿اَلنّٰارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهٰا غُدُوًّا وَ عَشِيًّا﴾ [غافر:46] و الحالة مستمرة ففي البرزخ يكون العرض و في الدار الآخرة يكون الدخول فذوات الكواكب فيها صورتها صورة الكسوف عندنا سواء غير أن وزن تلك الحركات في تلك الدار خلاف ميزانها اليوم فإن كسوفها ما ينجلي و هو كسوف في ذاتها لا في أعيننا و الهواء فيها فيه تطفيف فيحول بين الأبصار و بين إدراك الأنوار كلها فتبصر الأعين الكواكب المنتثرة غير نيرة الأجرام كما يعلم قطعا إن الشمس هنا في ذاتها نيرة و أن الحجاب القمري هو الذي منع البصر أن يدركها أو يدرك نور القمر أو ما كان مكسوفا و لهذا في زمان كسوف شيء منها في موضع يكون في موضع آخر أكثر من ذلك و في موضع آخر لا يكون منه شيء فلما اختلفت الأبصار في إدراك ذلك لاختلاف الأماكن علمنا قطعا إن ثم أمرا عارضا عرض في الطريق حال بين البصر و بينها أو بين نورها كالقمر يحول بينك و بين إدراك جرم الشمس و ظل الأرض يحول بينك و بين نور القمر لا بينك و بين جرمه مثل ما حال القمر بينك و بين جرم الشمس و ذلك بحسب ما يكون منك و يكون منه و هكذا سائر الكواكب ﴿وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَ النّٰاسِ لاٰ يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف:187] كما إن ﴿أَكْثَرَ النّٰاسِ لاٰ يُؤْمِنُونَ﴾ [هود:17] فإن ذلك الكسوف كله على اختلاف أنواعه خشوع من المكسوف عن تجل إلهي حصل له [حدود جهنم بعد الحساب و الدخول في الجنة]و حد جهنم بعد الفراغ من الحساب و دخول أهل الجنة الجنة من مقعر فلك الكواكب الثابتة إلى أسفل سافلين فهذا كله يزيد في جهنم مما هو الآن ليس مخلوقا فيها و لكن ذلك معد حتى يظهر إلا الأماكن التي قد عينها اللّٰه من الأرض فإنها ترجع إلى الجنة يوم القيامة مثل الروضة التي بين منبر رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم و بين قبره صلى اللّٰه عليه و سلم و كل مكان عينه الشارع و كل نهر فإن ذلك كله بصير إلى الجنة و ما بقي فيعود نارا كله و هو من جهنم و لهذا كان يقول عبد اللّٰه بن عمر إذا رأى البحر يقول يا بحر متى تعود نارا و قال تعالى ﴿وَ إِذَا الْبِحٰارُ سُجِّرَتْ﴾ [التكوير:6] أي أججت نارا من سجرت التنور إذا أوقدته و كان ابن عمر يكره الوضوء بماء البحر و يقول التيمم أعجب إلي منه [الرؤية الحقيقية للأشياء و الحكم الصحيح عليها]و لو كشف اللّٰه عن أبصار الخلق اليوم لرأوه يتأجج نارا و لكن اللّٰه يظهر ما يشاء و يخفى ما يشاء ليعلم ﴿أَنَّ اللّٰهَ عَلىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَ أَنَّ اللّٰهَ قَدْ أَحٰاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً﴾ [الطلاق:12] و أكثر ما يجري هذا الأهل الورع فيرى الطعام الحرام صاحب الورع المحفوظ خنزيرا أو عذرة و الشراب خمرا لا يشك فيما يراه و يراه جليسه قرصة خبز طيبة و يرى الشراب ماء عذبا فيا ليت شعري من هو صاحب الحس الصحيح من صاحب الخيال هل الذي أدرك الحكم الشرعي صورة أو هل الذي أدرك المحسوس في العادة على حاله [مذهب المعتزلة في الحسن و القبح]و هذا مما يقوي مذهب المعتزلة في أن القبيح قبيح لنفسه و الحسن حسن لنفسه و أن الإدراك الصحيح إنما هو لمن أدرك الشراب الحرام خمرا فلو لا أنه قبيح لنفسه ما صح هذا الكشف لصاحبه و لو كان فعله عين تعلق الخطاب بالحرمة و القبح ما ظهر ذلك الطعام خنزيرا فإن الفعل ما وقع من المكلف فإن اللّٰه أظهر له صورته و أنه قبيح حتى لا يقدم على أكله و هذا بعينه يتصور فيمن يدركه طعاما على حاله في العادة و لكن هذا أحق في الشرع فعلم قطعا إن الذي يراه طعاما على عادته قد حيل بينه و بين حقيقة حكم الشرع فيه بالقبح و لو كان الشيء قبيحا بالقبح الوضعي لم يصدق قول الشارع في الإخبار عنه إنه قبيح أو حسن فإنه خبر بالشيء على خلاف ما هو عليه فإن الأحكام |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |