[الرؤية الحقيقية للأشياء و الحكم الصحيح عليها]
و لو كشف اللّٰه عن أبصار الخلق اليوم لرأوه يتأجج نارا و لكن اللّٰه يظهر ما يشاء و يخفى ما يشاء ليعلم ﴿أَنَّ اللّٰهَ عَلىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَ أَنَّ اللّٰهَ قَدْ أَحٰاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً﴾ [الطلاق:12] و أكثر ما يجري هذا الأهل الورع فيرى الطعام الحرام صاحب الورع المحفوظ خنزيرا أو عذرة و الشراب خمرا لا يشك فيما يراه و يراه جليسه قرصة خبز طيبة و يرى الشراب ماء عذبا فيا ليت شعري من هو صاحب الحس الصحيح من صاحب الخيال هل الذي أدرك الحكم الشرعي صورة أو هل الذي أدرك المحسوس في العادة على حاله
[مذهب المعتزلة في الحسن و القبح]
و هذا مما يقوي مذهب المعتزلة في أن القبيح قبيح لنفسه و الحسن حسن لنفسه و أن الإدراك الصحيح إنما هو لمن أدرك الشراب الحرام خمرا فلو لا أنه قبيح لنفسه ما صح هذا الكشف لصاحبه و لو كان فعله عين تعلق الخطاب بالحرمة و القبح ما ظهر ذلك الطعام خنزيرا فإن الفعل ما وقع من المكلف فإن اللّٰه أظهر له صورته و أنه قبيح حتى لا يقدم على أكله و هذا بعينه يتصور فيمن يدركه طعاما على حاله في العادة و لكن هذا أحق في الشرع فعلم قطعا إن الذي يراه طعاما على عادته قد حيل بينه و بين حقيقة حكم الشرع فيه بالقبح و لو كان الشيء قبيحا بالقبح الوضعي لم يصدق قول الشارع في الإخبار عنه إنه قبيح أو حسن فإنه خبر بالشيء على خلاف ما هو عليه فإن الأحكام أخبار بلا شك عند كل عاقل عارف بالكلام فإن اللّٰه أخبرنا أن هذا حرام و هذا حلال و لذا قال تعالى في ذم من قال عن اللّٰه ما لم يقل ﴿وَ لاٰ تَقُولُوا لِمٰا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هٰذٰا حَلاٰلٌ وَ هٰذٰا حَرٰامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللّٰهِ الْكَذِبَ﴾ [النحل:116] فإنه ألحق الحكم بالخبر لأنه خبر بلا شك إلا أنه ليس في قوة البشر في أكثر الأشياء إدراك قبح الأشياء و لا حسنها فإذا عرفنا الحق بها عرفناها و منها ما يدرك قبحه عقلا في عرفنا مثل كالكذب و كفر المنعم و حسنه عقلا مثل الصدق و شكر المنعم و كون الإثم يتعلق ببعض أنواع الصدق و الأجر يتعلق ببعض أنواع الكذب فذلك لله يعطي الأجر على ما شاءه من قبح و حسن و لا يدل ذلك على حسن الشيء و لا قبحه كالكذب في نجاة مؤمن من هلاك يؤجر عليه الإنسان و إن كان الكذب قبيحا في ذاته و الصدق كالغيبة يأثم بها الإنسان و إن كان الصدق حسنا في ذاته فذاك أمر شرعي يعطي فضله من شاء و يمنعه من شاء كما قال
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية