لقلة علمه و دناءة همته فقال ﴿وَ إِذْ قُلْتُمْ يٰا مُوسىٰ لَنْ نَصْبِرَ عَلىٰ طَعٰامٍ وٰاحِدٍ﴾ [البقرة:61] يشير إلى أن الصبر مع اللّٰه صعب ﴿فَادْعُ لَنٰا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنٰا مِمّٰا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهٰا وَ قِثّٰائِهٰا وَ فُومِهٰا وَ عَدَسِهٰا وَ بَصَلِهٰا﴾ فقال لهم ﴿أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنىٰ﴾ [البقرة:61] و هو ما ذكروه ﴿بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾ [البقرة:61] و هو ما أنزل اللّٰه عليهم من المن و السلوى فأشار إلى دناءة همتهم بقوله ﴿اِهْبِطُوا مِصْراً﴾ [البقرة:61] لما نزلوا إلى الأدون من الأعلى قيل لهم اهبطوا مصر ﴿فَإِنَّ لَكُمْ مٰا سَأَلْتُمْ﴾ [البقرة:61] إنما هي أعمالكم ترد عليكم ﴿وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَ الْمَسْكَنَةُ﴾ [البقرة:61] لأنهم هبطوا ﴿وَ بٰاؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللّٰهِ﴾ لأنهم لم يختاروا ما اختار اللّٰه لهم و كفروا بالأنبياء و بآيات اللّٰه و قتلوا الأنبياء بغير الحق و عصوا و اعتدوا : و مما ذمهم به القساوة فقال بعد تقرير ما أنعم اللّٰه به عليهم ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجٰارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ [البقرة:74] و إنما كانت أشد قسوة لأن ﴿مِنَ الْحِجٰارَةِ لَمٰا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهٰارُ وَ إِنَّ مِنْهٰا لَمٰا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمٰاءُ وَ إِنَّ مِنْهٰا لَمٰا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّٰهِ﴾ [البقرة:74] و أنتم ما عندكم في قلوبكم من هذا شيء يذمهم بذلك و مما ذم من يقول ما توسوس به نفسه و ما يسول له شيطانه ﴿هٰذٰا مِنْ عِنْدِ اللّٰهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً﴾ [البقرة:79] من الجاه و الرئاسة عليهم و ما يحصلوه من المال فأخبر اللّٰه تعالى أن لهم الويل من اللّٰه من أجل ذلك هذا كله ذكره اللّٰه في كتابه لنا لنجتنب مثل هذه الصفات و مما أوصى به عباده مما يحمده أن لا تعبدوا ﴿إِلاَّ اللّٰهَ وَ بِالْوٰالِدَيْنِ إِحْسٰاناً وَ ذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ قُولُوا لِلنّٰاسِ حُسْناً وَ أَقِيمُوا الصَّلاٰةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ﴾ [البقرة:83] فمن يعمل بوصيته و وصف حاله على جهة الذم يسمعنا تعالى ما جرى من عباده حتى لا نسلك مسلكهم الذي ذمهم اللّٰه به فقال عقيب هذا القول ﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاّٰ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَ أَنْتُمْ مُعْرِضُونَ﴾ [البقرة:83] ... ﴿ثُمَّ أَنْتُمْ هٰؤُلاٰءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَ تُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيٰارِهِمْ تَظٰاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ وَ إِنْ يَأْتُوكُمْ أُسٰارىٰ تُفٰادُوهُمْ وَ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرٰاجُهُمْ أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتٰابِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾ [البقرة:85] كما قال في حقهم و حق أمثالهم ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّٰهِ وَ رُسُلِهِ وَ يُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللّٰهِ وَ رُسُلِهِ وَ يَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَ نَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً﴾ [النساء:150] و أخبر أن هؤلاء ﴿هُمُ الْكٰافِرُونَ حَقًّا﴾ [النساء:151] و قال ﴿فَمٰا جَزٰاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذٰلِكَ مِنْكُمْ إِلاّٰ خِزْيٌ فِي الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا وَ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ يُرَدُّونَ إِلىٰ أَشَدِّ الْعَذٰابِ وَ مَا اللّٰهُ بِغٰافِلٍ عَمّٰا تَعْمَلُونَ﴾ [البقرة:85] فإنه أخبر عن هؤلاء أنهم ﴿اَلَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيٰاةَ الدُّنْيٰا بِالْآخِرَةِ فَلاٰ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذٰابُ وَ لاٰ هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ [البقرة:86] كما اشتروا أولئك ﴿اَلضَّلاٰلَةَ بِالْهُدىٰ فَمٰا رَبِحَتْ تِجٰارَتُهُمْ وَ مٰا كٰانُوا مُهْتَدِينَ﴾ [البقرة:16] كما اشتروا أمثالهم ﴿اَلْعَذٰابَ بِالْمَغْفِرَةِ﴾ [البقرة:175] فتعجب اللّٰه من صبرهم على النار بقوله ﴿فَمٰا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النّٰارِ﴾ فدل على أنهم عرفوا الحق و جحدوا مع اليقين كما قال في حق من هذه صفته في النمل ﴿وَ جَحَدُوا بِهٰا وَ اسْتَيْقَنَتْهٰا أَنْفُسُهُمْ﴾ [النمل:14] إنها يعني الآيات براهين على صدقهم فيما أخبروا به عن اللّٰه ﴿ظُلْماً وَ عُلُوًّا﴾ [النمل:14] و أي آية كانت للعرب معجزة مثل القرآن و لذلك قال ﴿ذٰلِكَ بِأَنَّ اللّٰهَ نَزَّلَ الْكِتٰابَ بِالْحَقِّ﴾ [البقرة:176] و قال في الذين يكتمون ما أنزل اللّٰه ﴿مِنَ الْبَيِّنٰاتِ وَ الْهُدىٰ مِنْ بَعْدِ مٰا بَيَّنّٰاهُ لِلنّٰاسِ فِي الْكِتٰابِ﴾ [البقرة:159] إن أولئك ﴿يَلْعَنُهُمُ اللّٰهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللاّٰعِنُونَ﴾ [البقرة:159] و إنه من سئل عن علم تعين عليه الجواب عنه و هو يعلمه فكتمه و هو مما أنزله اللّٰه ألجمه اللّٰه بلجام من نار و إن الذين كتموا ﴿مٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ مِنَ الْكِتٰابِ﴾ [البقرة:174] و اشتروا به ثمنا قليلا أي بكتمانهم لما حصلوه من المال و الرئاسة بذلك إن ﴿أُولٰئِكَ لاٰ خَلاٰقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَ لاٰ يُكَلِّمُهُمُ اللّٰهُ(وَ لاٰ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ)يَوْمَ الْقِيٰامَةِ وَ لاٰ يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ﴾ و أوصى عباده أيضا فقال لهم ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ لٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [البقرة:177] ... ﴿وَ أَقٰامَ الصَّلاٰةَ وَ آتَى الزَّكٰاةَ وَ الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذٰا عٰاهَدُوا وَ الصّٰابِرِينَ فِي الْبَأْسٰاءِ وَ الضَّرّٰاءِ وَ حِينَ الْبَأْسِ﴾ [البقرة:177] فأخبر أن ﴿أُولٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ أُولٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [البقرة:177] و أوصى ولي الدم أن يعفو و يخلي بين القاتل و المقتول يوم القيامة و «أخبر ﷺ أن حكم القاتل قوادا حكم القاتل اعتداء» و هو قوله ﴿وَ جَزٰاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهٰا﴾ [الشورى:40] فقال في صاحب التسعة أ ما إن قتله كان مثله فتركه و لم يقتله ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبٰاعٌ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة:178] من ولي الدم ﴿وَ أَدٰاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسٰانٍ﴾ [البقرة:178] من القاتل إلى ولي الدم ﴿فَمَنِ اعْتَدىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ﴾ [البقرة:178] أي إن قتله بعد ذلك غدرا و قد رضي بالدية و بما عفا عنه منها ﴿فَلَهُ عَذٰابٌ أَلِيمٌ﴾ [البقرة:178] و ذكر في حق من حضرته الوفاة أن يوصي مما له التصرف فيه من ماله و هو الثلث للاقربين و هم الذين لا حظ لهم في الميراث و للوالدين و هو مذهب ابن عباس حتى أنه يعصي عنده من لم يوص لوالديه عند الموت بالمعروف و هو أنه