الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)
«من سائر نسائه» لنسبة إلهية روحانية قيدته بها دون غيرها مع كونه يحب النساء فهذا قد ذكرنا من الركن الواحد ما فيه كفاية لمن فهم و أما الركن الثاني من بيت الفتن و هو الجاه المعبر عنه بالرياسةيقول فيه الطائفة التي لا علم لها منهم آخر ما يخرج من قلوب الصديقين حب الرئاسة فالعارفون من أصحاب هذا القول ما يقولون ذلك على ما تفهمه العامة من أهل الطريق منهم و إنما ذلك على ما نبينه من مقصود الكمل من أهل اللّٰه بذلك و ذلك أن في نفس الإنسان أمورا كثيرة خبأها اللّٰه فيه و هو الذي ﴿يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ يَعْلَمُ مٰا تُخْفُونَ وَ مٰا تُعْلِنُونَ﴾ [النمل:25] أي ما ظهر منكم و ما خفي مما لا تعلمونه منكم فيكم فلا يزال الحق يخرج لعبده من نفسه مما أخفاه فيها ما لم يكن يعرف أن ذلك في نفسه كالشخص الذي يرى منه الطبيب من المرض ما لا يعرفه العليل من نفسه كذلك ما خبأه اللّٰه في نفوس الخلق أ لا تراه «يقول ﷺ من عرف نفسه عرف ربه» و ما كل أحد يعرف نفسه مع أن نفسه عينه لا غير ذلك فلا يزال الحق يخرج للإنسان من نفسه ما خبأه فيها فيشهده فيعلم من نفسه عند ذلك ما لم يكن يعلمه قبل ذلك فقالت الطائفة الكثيرة آخر ما يخرج من قلوب الصديقين حب الرئاسة فيظهر لهم إذا خرج فيحبون الرئاسة بحب غير حب العامة لها فإنهم يحبونها من كونهم على ما قال اللّٰه فيهم إنه سمعهم و بصرهم و ذكر جميع قواهم و أعضاءهم فإذا كانوا بهذه المثابة فما أحبوا الرئاسة إلا بالله إذ التقدم لله على العالم فإنهم عبيده و ما كان الرئيس إلا بالمرءوس وجودا و تقديرا فحبه للمرءوس أشد الحب لأنه المثبت له الرئاسة فلا أحب من الملك في ملكه لأن ملكه المثبت له كونه ملكا فهذا معنى آخر ما يخرج من قلوب الصديقين حب الرئاسة لهم فيرونه و يشهدونه ذوقا لا أنه يخرج من قلوبهم فلا يحبون الرئاسة فإنهم إن لم يحبوها فما حصل لهم العلم بها ذوقا و هي الصورة التي خلقهم اللّٰه عليها في «قوله ﷺ إن اللّٰه خلق آدم على صورته» في بعض تأويلات هذا الخبر و محتملاته فاعلم ذلك و الجاه إمضاء الكلمة و لا أمضى كلمة من قوله ﴿إِذٰا أَرٰادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس:82] فأعظم الجاه من كان جاهه بالله فيرى هذا العبد مع بقاء عينه فيعلم عند ذلك أنه المثل الذي لا يماثل فإنه عبد رب و اللّٰه عزَّ وجلَّ رب لا عبد فله الجمعية و للحق الانفراد (و أما الركن الثالث)و هو المالو ما سمي المال بهذا الاسم إلا لكونه يمال إليه طبعا فاختبر اللّٰه به عباده حيث جعل تيسير بعض الأمور بوجوده و علق القلوب بمحبة صاحب المال و تعظيمه و لو كان بخيلا فإن العيون تنظر إليه بعين التعظيم لتوهم النفوس باستغنائه عنهم لما عنده من المال و ربما يكون صاحب المال أشد الناس فقرا إليهم في نفسه و لا يجد في نفسه الاكتفاء و لا القناعة بما عنده فهو يطلب الزيادة مما بيده و لما رأى العالم ميل القلوب إلى رب المال لأجل المال أحبوا المال فطلب العارفون وجها إلهيا يحبون به المال إذ و لا بد من حبه و هنا موضع الفتنة و الابتلاء التي لها الضلالة و المهداة فأما العارفون فنظروا إلى أمور إلهية منها قوله تعالى ﴿وَ أَقْرِضُوا اللّٰهَ قَرْضاً حَسَناً﴾ [الحديد:18] فما خاطب إلا أصحاب الجدة فأحبوا المال ليكونوا من أهل هذا الخطاب فيلتذوا بسماعه حيث كانوا فإذا أقرضوه رأوا أن الصدقة تقع بيد الرحمن فحصل لهم بالمال و إعطائه مناولة الحق منهم ذلك فكانت لهم وصلة المناولة و قد شرف اللّٰه آدم بقوله ﴿لِمٰا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص:75] فمن يعطيه عن سؤاله القرض أتم في الالتذاذ بالشرف ممن خلقه بيده فلو لا المال ما سمعوا و لا كانوا أهلا لهذا الخطاب الإلهي و لا حصل لهم بالقرض هذا التناول الرباني فإن ذلك يعم الوصلة مع اللّٰه فاختبرهم اللّٰه بالمال ثم اختبرهم بالسؤال منه و أنزل الحق نفسه منزلة السائلين من عباده أهل الحاجة أهل الثروة منهم و المال بقوله في «الحديث المتقدم في هذا الباب يا عبدي استطعمتك فلم تطعمني و استسقيتك فلم تسقني» فكان لهم بهذا النظر حب المال فتنة مهداة إلى مثل هذا و أما فتنة الولد فلكونه سر أبيه و قطعة من كبده و ألصق الأشياء به فحبه حب الشيء نفسه و لا شيء أحب إلى الشيء من نفسه فاختبره اللّٰه بنفسه في صورة خارجة عنه سماه ولدا ليرى هل يحجبه النظر إليه عما كلفه الحق من إقامة الحقوق عليه «يقول رسول اللّٰه ﷺ في حق ابنته فاطمة و مكانتها من قلبه المكانة التي لا تجهل لو أن فاطمة بنت محمد سرقت قطعت يدها» و جلد عمر بن الخطاب ابنه في الزنا فمات و نفسه بذاك طيبة و «جاد ماعز بنفسه و المرأة في إقامة الحد عليهما الذي فيه إتلاف نفوسهما و قال في توبتهما رسول اللّٰه ﷺ و أي توبة أعظم من أن جادت بنفسها» و الجود بإقامة الحق المكروه |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
| الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |
||||||||||





