يقول فيه الطائفة التي لا علم لها منهم آخر ما يخرج من قلوب الصديقين حب الرئاسة فالعارفون من أصحاب هذا القول ما يقولون ذلك على ما تفهمه العامة من أهل الطريق منهم و إنما ذلك على ما نبينه من مقصود الكمل من أهل اللّٰه بذلك و ذلك أن في نفس الإنسان أمورا كثيرة خبأها اللّٰه فيه و هو الذي ﴿يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ يَعْلَمُ مٰا تُخْفُونَ وَ مٰا تُعْلِنُونَ﴾ [النمل:25] أي ما ظهر منكم و ما خفي مما لا تعلمونه منكم فيكم فلا يزال الحق يخرج لعبده من نفسه مما أخفاه فيها ما لم يكن يعرف أن ذلك في نفسه كالشخص الذي يرى منه الطبيب من المرض ما لا يعرفه العليل من نفسه كذلك ما خبأه اللّٰه في نفوس الخلق أ لا تراه «يقول ﷺ من عرف نفسه عرف ربه» و ما كل أحد يعرف نفسه مع أن نفسه عينه لا غير ذلك فلا يزال الحق يخرج للإنسان من نفسه ما خبأه فيها فيشهده فيعلم من نفسه عند ذلك ما لم يكن يعلمه قبل ذلك فقالت الطائفة الكثيرة آخر ما يخرج من قلوب الصديقين حب الرئاسة فيظهر لهم إذا خرج فيحبون الرئاسة بحب غير حب العامة لها فإنهم يحبونها من كونهم على ما قال اللّٰه فيهم إنه سمعهم و بصرهم و ذكر جميع قواهم و أعضاءهم فإذا كانوا بهذه المثابة فما أحبوا الرئاسة إلا بالله إذ التقدم لله على العالم فإنهم عبيده و ما كان الرئيس إلا بالمرءوس وجودا و تقديرا فحبه للمرءوس أشد الحب لأنه المثبت له الرئاسة فلا أحب من الملك في ملكه لأن ملكه المثبت له كونه ملكا فهذا معنى آخر ما يخرج من قلوب الصديقين حب الرئاسة لهم فيرونه و يشهدونه ذوقا لا أنه يخرج من قلوبهم فلا يحبون الرئاسة فإنهم إن لم يحبوها فما حصل لهم العلم بها ذوقا و هي الصورة التي خلقهم اللّٰه عليها في
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية