فاستدعى بالحلاق يحلق رأسه فصحت به يا أبا المعالي فقال لي من فوره قبل أن أتكلم إني على طهارة قد فهمت عنك فتعجبت من حضوره و سرعة فهمه و مراعاته الموطن و قرائن الأحوال و ما يعرفه مني في ذلك فقلت له بارك اللّٰه فيك و اللّٰه ما صحت بك إلا لتكون على طهارة و ذكر عند مفارقة شعرك فدعا لي ثم حلق رأسه و مثل هذا قد أغفله الناس بل يقولون إذا عصيت اللّٰه في موضع فتحول عنه لأنهم يخافون عليك إن تذكرك البقعة بالمعصية فتستحليها فتزيد ذنبا إلى ذنب فما ذكروا ذلك إلا شفقة و لكن فاتهم علم كبير فأطع اللّٰه فيه و حينئذ تتحول عنه فتجمع بين ما قالوه و بين ما وصيتك به و كلما ذكرت خطيئة أتيتها فتب عنها عقيب ذكرك إياها و استغفر اللّٰه منها و اذكر اللّٰه عندها بحسب ما كانت تلك المعصية «فإن رسول اللّٰه ﷺ يقول اتبع السيئة الحسنة تمحها» و قال تعالى ﴿إِنَّ الْحَسَنٰاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئٰاتِ﴾ [هود:114] و لكن يكون لك ميزان في ذلك تعرف به مناسبات السيئات و الحسنات التي تزنها
وصية
حسن الظن بربك على كل حال
و لا تسيء الظن به فإنك لا تدري هل أنت على آخر أنفاسك في كل نفس يخرج منك فتموت فتلقى اللّٰه على حسن ظن به لا على سوء ظن فإنك لا تدري لعل اللّٰه يقبضك في ذلك النفس الخارج إليه و دع عنك ما قال من قال بسوء الظن في حياتك و حسن الظن بالله عند موتك و هذا عند العلماء بالله مجهول فإنهم مع اللّٰه بأنفاسهم و فيه من الفائدة و العلم بالله إنك وفيت في ذلك الحق حقه فإن من حق اللّٰه عليك الايمان بقوله ﴿وَ نُنْشِئَكُمْ فِي مٰا لاٰ تَعْلَمُونَ﴾ [الواقعة:61] فلعل اللّٰه ينشئك في النفس الذي تظن أنه يأتيك نشأة الموت و الانقلاب إليه و أنت على سوء ظن بربك فتلقاه على ذلك و «قد ثبت عن رسول اللّٰه ﷺ فيما رواه عن ربه أنه عزَّ وجلَّ يقول أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي خيرا» و ما خص وقتا من وقت و اجعل ظنك بالله علما بأنه يعفو و يغفر و يتجاوز و ليكن داعيك الإلهي إلى هذا الظن قوله تعالى ﴿يٰا عِبٰادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلىٰ أَنْفُسِهِمْ لاٰ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّٰهِ﴾ [الزمر:53] فنهاك و ما نهاك عنه يجب عليك الانتهاء عنه ثم أخبر و خبره صدق لا يدخله نسخ فإنه لو دخله نسخ لكان كذبا و الكذب على اللّٰه محال فقال ﴿إِنَّ اللّٰهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً﴾ [الزمر:53] و ما خص ذنبا من ذنب و أكدها بقوله ﴿جَمِيعاً﴾ [البقرة:29] ثم تمم فقال ﴿إِنَّهُ هُوَ﴾ [البقرة:37] فجاء بالضمير الذي يعود عليه ﴿اَلْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [يونس:107] من كونه سبقت رحمته غضبه و كذلك قال ﴿اَلَّذِينَ أَسْرَفُوا﴾ [الزمر:53] و لم يعين إسرافا من إسراف و جاء بالاسم الناقص الذي يعم كل مسرف ثم إضافة العباد إليه لأنهم عباده كما قال الحق عن العبد الصالح عيسى عليه السّلام إنه قال ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبٰادُكَ﴾ [المائدة:118] فأضافهم إليه تعالى و كفى شرفا شرف الإضافة إلى اللّٰه تعالى
وصية عليكم بذكر اللّٰه في السر و العلن
و في أنفسكم و في الملإ فإن اللّٰه يقول ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة:152] فجعل جواب الذكر من العبد الذكر من اللّٰه و أي ضراء على العبد أضر من الذنب و «كان يقول ﷺ في حال الضراء الحمد لله على كل حال و في حال السراء الحمد لله المنعم المفضل» فإنك إذا أشعرت قلبك ذكر اللّٰه دائما في كل حال لا بد أن يستنير قلبك بنور الذكر فيرزقك ذلك النور الكشف فإنه بالنور يقع الكشف للأشياء و إذا جاء الكشف جاء الحياء يصحبه دليلك على ذلك استحياؤك من جارك و ممن ترى له حقا و قدرا و لا شك أن الايمان يعطيك تعظيم الحق عندك و كلامنا إنما هو مع المؤمنين و وصيتنا إنما هي لكل مسلم مؤمن بالله و بما جاء من عنده «و اللّٰه يقول في الخبر المأثور الصحيح عنه الحديث و فيه و أنا معه يعني مع العبد حين يذكرني إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي و إن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم» و قال تعالى ﴿وَ الذّٰاكِرِينَ اللّٰهَ كَثِيراً وَ الذّٰاكِرٰاتِ﴾ [الأحزاب:35] و أكبر الذكر ذكر اللّٰه على كل حال وصية ثابر على إتيان جميع القرب جهد الاستطاعة في كل زمان و حال بما يخاطبك به الحق بلسان ذلك الزمان و لسان ذلك الحال فإنك إن كنت مؤمنا فلن تخلص لك معصية أبدا من غير أن تخالطها طاعة فإنك مؤمن بها إنها معصية فإن أضفت إلى هذا التخليط استغفار أو توبة فطاعة على طاعة و قربة إلى قربة فيقوي جزء الطاعة التي خلط به العمل السيئ و الايمان من أقوى القرب و أعظمها عند اللّٰه فإنه الأساس الذي أنبنى عليه جميع القرب و من الايمان حكمك على اللّٰه بما حكم به على نفسه «في الخبر الذي صح عنه تعالى الذي ذكر فيه و إن تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا و إن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا و إن أتاني يمشي أتيته هرولة» و سبب هذا التضعيف من اللّٰه و الأقل من العبد و الأضعف فإن العبد لا بد له أن يتثبت من أجل النية بالقربة إلى اللّٰه في الفعل و أنه