الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() و الافتقار لأنهم لو لم يفتقروا لما أعطاهم الحق ما حجبهم به و أتعبهم فيه و أمرهم بأداء ما يجب عليهم فيه من حقه و حق من له فيه استحقاق كالزكاة و غيرها فما وقفوا مع الأصل و هو فقرهم بل قالوا لما فرض اللّٰه عليهم الزكاة في أموالهم هذه أخية الجزية و أين ﴿لَئِنْ آتٰانٰا﴾ [التوبة:75] اللّٰه ﴿مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَ لَنَكُونَنَّ مِنَ الصّٰالِحِينَ فَلَمّٰا آتٰاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَ تَوَلَّوْا وَ هُمْ مُعْرِضُونَ﴾ و قالوا ما ذكرناه ﴿فَأَعْقَبَهُمْ نِفٰاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمٰا أَخْلَفُوا اللّٰهَ مٰا وَعَدُوهُ وَ بِمٰا كٰانُوا يَكْذِبُونَ﴾ [التوبة:77] فلو ثبتوا على ما أعطاهم الحق و لم يطلبوا الزيادة لم يعطهم سوى ما يبقى عليهم الخلق الذي أعطاهم حين ﴿أَعْطىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ﴾ [ طه:50] فيحفظ عليه خلقه دائما فإياك و الافتقار فما حجب الأغنياء سواه لافتقارهم إلى الزيادة فيما في أيديهم و ما اقتنعوا [مقت الوقت]و من ذلك المقت بالوقت مقرون فإن فاتا *** فلتحمد اللّٰه شكرا عند ما فاتا و اعلم بأن له حقا عليك إذا *** فت الذي كان قبل المقت قد ماتا (مقت الوقت) قال إذا عامل صاحب الوقت وقته بما يجب له فادى حقه سلم من المقت فيه فإذا علق همه في وقته بما خرج عن وقته فهو في وقته صاحب مقت لشغله بالمعدوم عن الموجود و الأدب لا يكون إلا مع الحاضر حتى إن الغائب إذا تؤدب معه لا يتأدب معه من حيث هو غائب و إنما يتأدب مع اسمه إذا ذكر و إذا ذكر الغائب فقد حضر اسمه في لفظ الذكر له فما وقع الأدب إلا مع حاضر فإن المذكور جليس الذاكر إياه بالذكر فلا تشغل نفسك بما خرج عن وقتك فتكون ممن مقته الوقت و من مقته الوقت فذلك مقت اللّٰه فاحذر [الفرح ترح]و من ذلك ما فرحة تعقبها ترحة *** يفرح من يعقلها هكذا بها فإن اللّٰه أخبرنا *** صدقا بما يعقبها من أذى (الفرح ترح) قال إذا علم من فرح خاص من شأن النفوس أن تفرح به إن اللّٰه لا يحب الفرح بذلك الفرح و ذكر قوله تعالى ﴿إِنَّ اللّٰهَ لاٰ يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ [القصص:76] فعلمنا أنه فرح بأمر معين فعاد فرحه بذلك ترحا فحزن لفرحه على قدر فرحه فإن كان عظيما عظم حزنه و إن كان دون ذلك كان الحزن و الترح بحسبه ثم إن اللّٰه أمر عباده أن يفرحوا ﴿بِفَضْلِ اللّٰهِ وَ بِرَحْمَتِهِ﴾ [يونس:58] لا بما يجمعه من المال فإنه يتركه بالموت في الدنيا و لا يقدمه فأمرك بالفرح بالفضل و الفضل ما زاد على ذلك لكنه أيضا من خلق الفضل فأعطى الفضل خلقه و لم يكن له ظهور إلا فيك فاحمد اللّٰه حيث جعلك محلا لفضله و رحمته فافرح لأمره إياك بالفرح تجني ثمرة أداء الواجب في الفرح [أشد الأمراض الإعراض]و من ذلك يمرضني الحق إذا أعرضا *** يا ليت من أمرضني مرضا وليته يأتي إلي بما *** يعقبني إتيانه من رضي (أشد الأمراض الإعراض) قال ما يصح الإعراض على الإطلاق فإنه ما ثم إلى أين و إنما يصح الإعراض المقيد و منه المذموم و هو أشد مرض يقوم بالقلوب و قال الإعراض عن الآيات التي نصبها الحق دلائل عليه دليل على عدم الإنصاف و اتباع الهوى المردي و هو علة لا يبرأ منها صاحبها بعد استحكامها حتى يبدوا له من اللّٰه ما لم يكن يحتسب فعند ذلك يريد استعمال الدواء فلا ينفع كالتوبة عند طلوع الشمس من مغربها ﴿لاٰ يَنْفَعُ نَفْساً إِيمٰانُهٰا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمٰانِهٰا خَيْراً﴾ [الأنعام:158] و الايمان عند حلول البأس و عند الاحتضار و التيقن بالمفارقة و قال الإعراض عن اللّٰه لا يتصور و كذلك الإعراض عن الخلق مطلقا لا يتصور فما هو الفارق [من محمود الأغراض الإعراض]و من ذلك إذا قامت الأغراض بالنفس أنه *** لتعقبها الأمراض إن كان ذا نفس و كل كريم لم ينلها فإنه من محمود الأغراض الإعراض قال أعرض عن من تولى عن ذكر اللّٰه : و هو قوله ﴿وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجٰاهِلِينَ﴾ [الأعراف:199] لأن مستولى عن ذكر اللّٰه معرض فأظهر له صفته في إعراضك عنه لعله يتنبه فإنه يأنف من إعراضك عنه لما هو عليه في نفسه من العزة فإن إعراضك عنه إذلال في حقه و عدم مبالاة به و ما خالفك إلا لتقاومه لا لتعرض عنه فإن المعرض بالتولي إذا تبعته زاده اتباعك نفور أو عدم التفات فإذا أعرضت عنه و وليته ظهرك كما ولاك ظهره لم يحس بأقدام خلفه تهدي في مشيته و أخذ نفسه و ارتأى مع نفسه فيما أعرض عنه و التفت و ما رآك خلفه فصار يحقق النظر فيك و أنت ذو نور فلا بد أن يلوح له من نورك ما يؤديه و يدعوه إلى التثبت في أمرك و فيما جئت به فلعله إن يكون من المهتدين فهذا الإعراض صنعة في الدعاء إلى اللّٰه |
|
||||||||
![]() |
![]() |
||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |