الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)
فيسجد طوعا و قد يكون في الأرض من هو من أهل السماء فيسجد كرها و هو علم ذوق فالساجد يعرف بأي صفة سجد فهو أهل لما تعطيه تلك الصفة و قال العبد مأمور بالرضى بالقضاء لا بكل مقضي به فاعلم ذلك فإنه دقيق [لم يزل في تضليل من عصى اللّٰه و الرسول]و من ذلك لم يزل في ضلالة و عمى *** من عصى ربه من العلما فانظروا في الذي أفوه به *** تجدوه قالت به الحكماء (لم يزل في تضليل من عصى اللّٰه و الرسول) قال لم يزل في حيرة من عصى اللّٰه و الرسول و ما ثم إلا واحد و الرسول حجاب و قد علمت أنه لا ينطق عن الهوى : بل هو لسان حق ظاهر في صورة خلق فإن رفعه ذمه اللّٰه و إن تركه تركه على مضض فأعطاه اللّٰه دواء من بلاء لهذه العلة و هو قوله ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطٰاعَ اللّٰهَ﴾ [النساء:80] ثم زاده في الدواء بقوله ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبٰايِعُونَكَ إِنَّمٰا يُبٰايِعُونَ اللّٰهَ﴾ [الفتح:10] فلما أفرد الأمر في عين الجمع بل العليل من دائه و لذلك قال الخليل ﴿وَ إِذٰا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ [الشعراء:80] فإن العبد لا بد له من خواطر تقتضيها نشأته و بنيته فمنها ما يوجب له مرضا فيحتاج إلى دواء و منها ما لا مرض فيه و هو الخاطر السليم [التذاذ الخائف بمن استصحبه]و من ذلك لذة الوقت للذي يجني *** ثمر القرب عند ما يجني فإذا قال كيف قلت له *** لو دري العالم الذي أعني هام وجدا به فكيف أنا *** و لهذا سترته مني قال الشاعر أحلى من الأمن عند الخائف الوجل لأن الوارد الذي يعطي الأمن الذي يرد على الخائف يكون الخائف أعظم التذاذ به ممن استصحبه الأمن و ذلك لتجدد الأمن عليه عقيب الخوف فجاء على النقيض مما كان يأمله و ينتظره من وقوع الأمر المخوف منه فوجد الالتذاذ الذي لا يكون ألذ منه فلو فتح اللّٰه عين بصيرته و رأى تجدد نشأته في كل نفس مع جواز عدم التجدد و اللحوق بالعدم لكان في لذة دائمة لكن ما كل أحد يعطي هذه الرتبة بل الإنسان كما قال تعالى ﴿فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [ق:15] و هو في مفهوم العموم النشأة الآخرة فالجاني هو الذي ينتظر العقوبة فإن كان مؤمنا فإنه ينتظر إما العقوبة من اللّٰه على ما جنى أو العفو و المغفرة فإذا جاءته المغفرة وجد لها من اللذة ما لا يقدر قدرها إلا من ذاقها [ولاية النور حبور ولاية الظلمة تبور]و من ذلك من كان في النور كان النور يصحبه *** و ظلمة الجهل ترديه و تسحبه فكن به لا تكن فإنه سند *** أقوى و من جاءه في الحين يذهبه (ولاية النور حبور ولاية الظلمة تبور) قال بولاية النور يكون الظهور فتبدو له عين الأشياء فتفرق همومه و غمومه فله في كل منظور إليه تنزه و علم و فتح لا يكون في الآخر فتقترن به لذة و سرور على قدر ما كان له من التعطش لطلب ما رآه إن كان معلوما عنده قيل ذلك بالقوة أو على قدر رتبة ذلك المنظور في الحسن و الطعم و بولاية الظلمة يهلك في حقه كل ما سترته الظلمة و اجتمع عليه همه فإنه لا يتمكن له أن يكون من نفسه في ظلمة فتقل لذاته فإن فتح له فيه بسر الغيب و عظيم مرتبته على الشهادة كان سروره بالظلمة أتم [التلف قد يكون في الخلف]و من ذلك إذا مضى عنك شيء لا ترد خلفا *** منه فإن هلاك الأجر في الخلف و قل له بالذي تحويه من عجب *** إن المقام الذي أرجوه في التلف (التلف قد يكون في الخلف) قال من أعطى مؤديا أمانة فأخلف اللّٰه عليه مثل ما أعطى فقد زاد في حجبه فقد زاد في نصبه فإنه ما يعطيه اللّٰه شيئا إلا و يأمره بحفظه و تقوى اللّٰه فيه و لا سيما في دار التكليف و إنما قيدناه بهذا القيد لقوله تعالى لسليمان ع ﴿هٰذٰا عَطٰاؤُنٰا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسٰابٍ﴾ [ص:39] مع كونه عن سؤال بقوله ﴿هَبْ لِي مُلْكاً لاٰ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي﴾ [ص:35] يريد المجموع لأنه ورد أن أصحاب الجد محبوسون لأنهم خرجوا عن أصولهم فإن أصلهم الفقر فما أثنى عليهم إلا بالذلة |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
| الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |
||||||||||





