الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() المخلوق فارتفعت عنه الحقوق له الحق لا عليه فلا يلتفت إليه الالتفات إلى من بيده أزمة الأمور و يعلم ما في الصدور و بيده ﴿مَقٰالِيدُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ﴾ [الزمر:63] و ميزان الرفع و الخفض فيؤتى الملك من يشاء و ينزع الملك ممن يشاء فيعز من يشاء و يذل من يشاء بيده الخير : ﴿وَ هُوَ عَلىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [المائدة:120] و لم يضف الشر إليه ﴿وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام:18] و ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى:11] لا يبدل القول لديه : فحكم به عليه فلا يعرف المضطر إلا من أطعم القانع و المعتر : اضطرار لا إجبار و المخلوق جبر في اختبار المخلوق مجبور في اختياره مختار في حال اضطراره لو لا التردد ما ظهر الاضطرار و إن لم يحكم على صاحبه افتقار ما كل اضطرار يكون معه الافتقار الافتقار يطلب المستند و ما قال بخلاف ذلك أحد و المضطر في حكمه مع ما سبق في علمه فلا يحكم حكم إذا عدل و ما ظلم إلا بما علم و لا سيما مع ارتفاع التهم من العلم صفته فالعدل شيمته فحكمه بالعلم حكم المضطر في الحكم ما في الكون إلا العلم لكن بقي الفهم إذا علم الجائر أنه جائر فليس بجاهل و لا غافل ما حكم إلا بما وجد و لا أمضى إلا ما شهد و ما بقي إلا أن يعتقد أنه الحكم الإلهي أو لا يعتقد بهذا تميزت النحل و افترقت الملل فمن ناظر إلى الحكم الإلهي في الأصول و من ناظر إلى الحكم الإلهي في الشرع المنقول و كل واحد وقف مع دليله على سواء سبيله و فرق بين عقده و قيله فمن قائل بمقيله و من قائل برحيله فالناس بين حال و مرتحل و منفصل و آخر في انفصاله متصل [السيادة عبادة]و من ذلك السيادة عبادة من الباب 132 السيد خادم فهو في العبادة قائم ففرق بين السادات و العبيد من يقول بالمراد و المريد السيد أحق باسم العبودة من الغير لأن بيده جميع الخير له النفوذ و القصد و الأمر من قبل و من بعد يحكم في عبده لعبده فهو بحكم عبده لو حكم لنفسه لبقي في قدسه و أين لسيادة مع العبادة كلما قلت سيدي *** قال لي أنت مالكي سد و اللّٰه كون عبدي *** على مسالكي ما لنا عنه صارف *** في جميع المدارك لست في عينه و لا *** على مسالكي ما لنا عنه صارف *** في جميع المدارك لست في عينه و لا *** فعله بالمشارك فهو المالك الذي *** ليس يدعى بالمالكي و أنا الخادم الذي *** يعتني بالممالك قلت يا رب عصمة *** من سبيل المهالك قال سمعا فأنت عندي *** من أهل الأرائك في سرور و غبطة *** لا من أهل الدرائك لا تكن من الملوك فإن الملك مملوك و حصلت شمسه في الدلوك و اغتر السالك بالسلوك لانتظامه في أهل الأقراط و السلوك من ملكت يمينه فقد عرق جبينه من صحت سيادته صح تعبه و كثر و اللّٰه نصبه هم لازم و غم دائم لأنه حاكم لا يحكم في عبده إلا بحاله فهو الضعيف في شدة محاله لين في عنف و قوة في ضعف و لو ترك خدمة عبده انعزل و كان ممن عصى المرتبة فزل فما خدم سيد سوى نفسه لو خدم أبناء جنسه [سر الدعابة صلابة]و من ذلك سر الدعابة صلابة من الباب 133 إذا مزحت فقلل و لا تعلل من التزم الحق في مزحه سعى في فلاحه ما أصاب عليا رضي اللّٰه عنه ما أصابه إلا من الدعابة لذا قال له أبو هريرة و قد رجم على كعبه بالحصباء و ما تأبى لذا أخروك و ما أمروك فإن صحت الرواية ففي هذا كفاية مازح العجوز و ذا التغير و لا نقل إلا الخير «ما فعل بعيرك الشارد من أحسن مزاج العوائد فأجابه ذلك الإنسان فقال قيده يا رسول اللّٰه الايمان» و «قال يا أبا عمير ما فعل النغير بعطف و تبسم» و ما حجبه المنصب عن التلطف بالصغير و التهمم و «قال إن العجز لا يدخلن الجنة يعرفها بما لله عليها من المنة لرده عليها شبابها و خلعه سبحانه عليها جلبابها» فإن لم يكن المزاح هكذا و إلا فهو أذى و الأذى من الكريم محال و لا سبيل إلى هذا القول بحال لو لا صلابة الدين ما كان من المازحين لأنه يذهب بالهيبة و الوقار عند المطموسين الأبصار ألا ننظر إلى رب العباد في قصة هناد حين أخرجه و استدرجه إلى أن قال له أ تهزأ بي و أنت رب العالمين فأضحكه و هذا القول كان المقصود من اللّٰه به و لهذا ما أهلكه بل أعطاه و خوله و ملكه فسرت هذه الحقيقة في كل طريقه و ظهرت في كل شيمة و خليقة فعمت الوجود و حكمت على الشاهد و المشهود فلو لم تكن من جملة النعم ما صح بها النعيم و لا تصف بها النبي الكريم و لا ظهر حكمها في المحدث و لقديم و لكن يا أيها الإنسان لا تقل بالتطفيف في الميزان |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |