الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)
الخليل عليه السّلام في وسط النار يتنعم و يلتذ و لو لم يكن عليه السّلام إلا في حمايتها إياه من الوصول إليه فالأعداء يرونها في أعينهم نارا تأجج و هو يجدها بأمر اللّٰه إياها ﴿بَرْداً وَ سَلاٰماً﴾ [الأنبياء:69] عليه فأعداؤه ينظرون إليه و لا يقدرون على الهجوم عليه انظر إلى الجنة محفوفة بالمكاره و هل جعل اللّٰه ذلك إلا ليتضاعف النعيم على أهلها فإن نعيم النجاة و الفوز من أعظم النعم فما خلق الإنسان إلا لينعما *** و ما أشهد الإنسان إلا ليعلما بأن وجود الحق في الخلق مودع *** و هل كان هذا الوجود إلا تكرما فينعم بالتعذيب فيها جماعة *** و لو لا شهود الضد ما كان مسلما ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] (الغني حضرة الغني و الإغناء)ألا إنما المغني الغني لذاته *** و ما كان فيه من جميل صفاته فلو إن عين العبد كان بكونه *** لجلت معاليه لكثر هباته و لكن عين الحق أفنت وجودها *** فلله ما يبديه من كلماته أقول و قولي صادق غير كاذب *** لقد رمت أن أحظى لسر مناته فيعبدني من كان بالحق عارفا *** فأجزيه بالإحسان قبل وفاته [ليس الغني عن كثرة العرض لكن الغني غنى النفس]يدعى صاحبها عبد الغني و عبد المغني قال اللّٰه عز و جل ﴿فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ﴾ [آل عمران:97] و قال تعالى ﴿وَ أَنَّهُ هُوَ أَغْنىٰ وَ أَقْنىٰ﴾ [ النجم:48] و «قال رسول اللّٰه ﷺ من هذه الحضرة ليس الغني عن كثرة العرض لكن الغني غنى النفس» ترى التاجر عنده من المال ما يفي بعمره و عمر ألزامه لو عاش إلى انقضاء الدنيا و ما عنده في نفسه من الغني شيء بل هو من الفقر إلى غاية الحاجة بحيث أن يرد بماله موارد الهلاك في طلب سد الخلقة التي في نفسه عسى يستغني فما يستغي بل لا يزال في طلب الغني الذي هو غنى النفس و لا يشعر فاعلم إن أول درجة الغني القناعة و الاكتفاء بالموجود فلا غنى إلا غنى النفس و لا غنى إلا من أعطاه اللّٰه غنى النفس فليس الغني ما تراه من كثرة المال مع وجود طلب الزيادة من رب المال فالفقر حاكم عليه فالإنسان فقير بالذات لأنه ممكن و هو غني بالعرض لأنه غني بالصورة و ذلك أمر عرض له بالنسبة إليه و إن كان مقصودا للحق فللإنسان وجهان إذا كان كاملا وجه افتقار إلى اللّٰه و وجه غنى إلى العالم فيستقبل العالم بالغنى عنه و يستقبل ربه بالافتقار إليه و لهذين الوجهين قيل إنه لا يكون عند اللّٰه وجيها لأنه لا يكون عند اللّٰه أبدا إلا فقيرا ذليلا و يكون عند العالم وجيها أي غنيا عزيزا [الغيرة الإلهية قد أزالت الافتقار إلى العالم من العالم]و أما الإنسان الحيوان الذي لا معرفة له بربه فهو فقير إلى العالم أبدا و إن كانت الغيرة الإلهية قد أزالت الافتقار إلى العالم من العالم بقولها ﴿يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرٰاءُ إِلَى اللّٰهِ وَ اللّٰهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [فاطر:15] فمن ذاق طعم الغني عن العالم و هو يراه عالما لا بد من هذا الشرط فقد حصل على نصيب وافر من الغني الإلهي إلا أنه محجوب عن المقام الأرفع في حقه لأن العالم مشهود له و لهذا اتصف بالغنى عنه فلو كان الحق مشهوده و هو ناظر إلى العالم لاتصف بالفقر إلى اللّٰه و حاز المقام الأعلى في حقه و هو ملازمة الفقر إلى اللّٰه لأن في ذلك ملازمة ربه عزَّ وجلَّ و أما الاستغناء فإنه يؤذن بالقرب المفرط و هو حجاب كالبعد المفرط و من وقف على سر وجود العالم من حيث إيجاد اللّٰه إياه عرف ما أشرنا إليه فإذا كان العارف على قدر معلوم بين القرب و البعد حصل المطلوب و كان في ذلك الشرف التام للإنسان إذ كان الشرف لا يحصل إلا لأهل البرازخ الجامعين الطرفين قد علمنا إيمانا أن اللّٰه أقرب إلينا ﴿مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ [ق:16] و لكن لا نبصره لهذا القرب المفرط و قد علمنا إيمانا أنه ﴿عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوىٰ﴾ [ طه:5] فلا نبصره لهذا البعد المفرط عادة أيضا فمن شاهد الحق و رآه فإنما يشاهده في معينه من قوله ﴿وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مٰا كُنْتُمْ﴾ [الحديد:4] هذا حد رؤيته هنا و لا يشاهد متى شوهد إلا من هذا المقام و بهذه الصفة لا بد من ذلك فإذا أغناك فقد أبعدك في غاية القرب و إذا أفقرك فقد قربك في غاية البعد فيا من قربه بعد *** و يا من بعده قرب أقلني من هوى نفسي *** فإني الواله الصب و إني هائم فيه *** قد استعبدني الحب و لا مطلب لي إلا *** الذي يرضى به الحب |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
| الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |
||||||||||





