و علم إن نفسه شيء فخلق آدم على صورته فكان آدم زوجين ثم خلق منه حواء لا من غيره ليعلمه بأصل خلقه و من زوجه و من زوجه فما زاد بخلقه حواء منه على زوجيته بالصورة التي خلق عليها و تلك الصورة الزوجية أظهرت حواء فكانت أول مولد عن هذه الزوجية كما خلق آدم بيديه فكان عن زوجية يد الاقتدار و يد القبول و بهما ظهر آدم
و كان فردا فصار زوجا *** ماج به في المخاض موجا
كان حضيضا بقاع طبع *** فصار بالنفخ فيه أوجأ
أقامني سيدا فجاءت *** وفوده لي فوجا ففوجا
فيا أيها الموحد أين تذهب و أنت توحد توحيدك يشهد بأنك أشركت إذ لا يثبت توحيد إلا من موحد و موحد فالجمع لا بد منه فالاشتراك لا بد منه فما استند المشرك إلا لركن قوي و لهذا كان ما له إلى الرحمة في دار تقتضي بذاتها الغضب حتى يظهر سلطان الرحمة الأقوى لأن دار النعيم معين قال الشاعر
أحلى من الأمن عند الخائف الوجل
فلا يعرف طعم الأمان ذوقا من هو فيه مصاحب له و إنما يعرف قدره من ورد عليه و هو في حال خوف فيجد طعمه لوروده و لهذا نعيم الجنة يتجدد مع الأنفاس كما هو نعيم الدنيا إلا أنه في الآخرة يحس به من يتجدد عليه و يشاهد خلق الأمثال فيه و في الدنيا لا يشاهد خلق الأمثال فيه و لا يحس به بل هو ﴿فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [ق:15] فلذة أصحاب الجحيم عظيمة لمشاهدة الدار و حكم الأمان من حكمها فيه ليس العجب من ورد في بستان و إنما العجب من ورد في قعر النيران إبراهيم الخليل عليه السّلام في وسط النار يتنعم و يلتذ و لو لم يكن عليه السّلام إلا في حمايتها إياه من الوصول إليه فالأعداء يرونها في أعينهم نارا تأجج و هو يجدها بأمر اللّٰه إياها ﴿بَرْداً وَ سَلاٰماً﴾ [الأنبياء:69] عليه فأعداؤه ينظرون إليه و لا يقدرون على الهجوم عليه انظر إلى الجنة محفوفة بالمكاره و هل جعل اللّٰه ذلك إلا ليتضاعف النعيم على أهلها فإن نعيم النجاة و الفوز من أعظم النعم
فما خلق الإنسان إلا لينعما *** و ما أشهد الإنسان إلا ليعلما
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية