Mekkeli Fetihler: futuhat makkiyah

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة آل عمران: [الآية 97]

سورة آل عمران
فِيهِ ءَايَٰتٌۢ بَيِّنَٰتٌ مَّقَامُ إِبْرَٰهِيمَ ۖ وَمَن دَخَلَهُۥ كَانَ ءَامِنًا ۗ وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِىٌّ عَنِ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴿97﴾

تفسير الجلالين:

«فيه آيات بينات» منها «مقام إبراهيم» أي الحجر الذي قام عليه عند بناء البيت فأثر قدماه فيه وبقي إلى الآن مع تطاول الزمان وتداول الأيدي عليه ومنها تضعيف الحسنات فيه وأن الطير لا يعلوه «ومن دخله كان آمنا» لا يتعرض إليه بقتل أو ظلم أو غير ذلك «ولله على الناس حجُّ البيت» واجب بكسر الحاء وفتحها لغتان في مصدر حج بمعنى قصد ويبدل من الناس «من استطاع إليه سبيلا» طرقاً فسره بالزاد والراحلة رواه الحاكم وغيره «ومن كفر» بالله أو بما فرضه من الحج «فإن الله غني عن العالمين» الإنس والجن والملائكة وعن عبادتهم.

تفسير الشيخ محي الدين:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)

الرباط أن يلزم الانسان نفسه دائما من غير حد ينتهي إليه ، أو يجعله في نفسه ، فإذا ربط نفسه بهذا الأمر ، فهو مرابط ، والرباط ملازمة ، وهو من أفضل أحوال المؤمن ، فكل إنسان إذا مات يختم على عمله إلا المرابط ، فإنه ينمّى له إلى يوم القيامة ، ويأمن فتان القبر ، ثبت هذا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، والرباط في الخير كله ، ما يختص به خير من خير ، فالكل

489



سبيل اللّه ، فإن سبيل اللّه ما شرعه اللّه لعباده أن يعملوا به ، فما يختصّ بملازمة الثغور فقط ولا بالجهاد ، فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال في انتظار الصلاة بعد الصلاة : إنه رباط . «وَاتَّقُوا اللَّهَ) يعني في ذلك كله ، أي اجعلوه وقاية تتقوا به هذه العزائم ، وذلك معونته في قوله (اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) * (واستعينوا باللّه) فهذا معنى قوله «اتَّقُوا اللَّهَ» * «لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» أي تكون لكم النجاة من مشقة الصبر والرباط .

------------

(200) الفتوحات ج 4 / 482 ، 347 ، 482

تفسير ابن كثير:

( فيه آيات بينات ) أي : دلالات ظاهرة أنه من بناء إبراهيم ، وأن الله تعالى عظمه وشرفه .

ثم قال تعالى : ( مقام إبراهيم ) يعني : الذي لما ارتفع البناء استعان به على رفع القواعد منه والجدران ، حيث كان يقف عليه ويناوله ولده إسماعيل ، وقد كان ملتصقا بجدار البيت ، حتى أخره عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، في إمارته إلى ناحية الشرق بحيث يتمكن الطواف ، ولا يشوشون على المصلين عنده بعد الطواف ، لأن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة عنده حيث قال : ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) [ البقرة : 125 ] وقد قدمنا الأحاديث في ذلك ، فأغنى عن إعادته هاهنا ، ولله الحمد والمنة .

وقال العوفي عن ابن عباس في قوله : ( فيه آيات بينات مقام إبراهيم ) أي : فمنهن مقام إبراهيم والمشعر .

وقال مجاهد : أثر قدميه في المقام آية بينة . وكذا روي عن عمر بن عبد العزيز ، والحسن ، وقتادة ، والسدي ، ومقاتل بن حيان ، وغيرهم .

وقال أبو طالب في قصيدته :

وموطئ إبراهيم في الصخر رطبة على قدميه حافيا غير ناعل

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد وعمرو الأودي قالا حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس في قوله : ( مقام إبراهيم ) قال : الحرم كله مقام إبراهيم . ولفظ عمرو : الحجر كله مقام إبراهيم .

وروي عن سعيد بن جبير أنه قال : الحج مقام إبراهيم . هكذا رأيت في النسخة ، ولعله الحجر كله مقام إبراهيم ، وقد صرح بذلك مجاهد .

وقوله : ( ومن دخله كان آمنا ) يعني : حرم مكة إذا دخله الخائف يأمن من كل سوء ، وكذلك كان الأمر في حال الجاهلية ، كما قال الحسن البصري وغيره : كان الرجل يقتل فيضع في عنقه صوفة ويدخل الحرم فيلقاه ابن المقتول فلا يهيجه حتى يخرج .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو يحيى التيمي ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : ( ومن دخله كان آمنا ) قال : من عاذ بالبيت أعاذه البيت ، ولكن لا يؤوى ولا يطعم ولا يسقى ، فإذا خرج أخذ بذنبه .

وقال الله تعالى : ( أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم ) [ العنكبوت : 67 ] وقال تعالى : ( فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) [ قريش : 3 ، 4 ] وحتى إنه من جملة تحريمها حرمة اصطياد صيدها وتنفيره عن أوكاره ، وحرمة قطع أشجارها وقلع حشيشها ، كما ثبتت الأحاديث والآثار في ذلك عن جماعة من الصحابة مرفوعا وموقوفا .

ففي الصحيحين ، واللفظ لمسلم ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فتح مكة : " لا هجرة ولكن جهاد ونية ، وإذا استنفرتم فانفروا " ، وقال يوم الفتح فتح مكة : " إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ، ولم يحل لي إلا في ساعة من نهار ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، لا يعضد شوكه ، ولا ينفر صيده ، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ، ولا يختلى خلاها . فقال العباس : يا رسول الله ، إلا الإذخر ، فإنه لقينهم ولبيوتهم ، فقال : " إلا الإذخر " .

ولهما عن أبي هريرة ، مثله أو نحوه ولهما واللفظ لمسلم أيضا عن أبي شريح العدوي أنه قال لعمرو بن سعيد ، وهو يبعث البعوث إلى مكة : ائذن لي أيها الأمير أن أحدثك قولا قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به ، إنه حمد الله وأثنى عليه ثم قال : " إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس ، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ، ولا يعضد بها شجرة ، فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فقولوا له : إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم ، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار ، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس فليبلغ الشاهد الغائب " فقيل لأبي شريح : ما قال لك عمرو ؟ قال : أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح ، إن الحرم لا يعيذ عاصيا ولا فارا بدم ولا فارا بخزية .

وعن جابر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يحل لأحدكم أن يحمل بمكة السلاح " رواه مسلم .

وعن عبد الله بن عدي بن الحمراء الزهري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ، وهو واقف بالحزورة في سوق مكة : " والله إنك لخير أرض الله ، وأحب أرض الله إلى الله ، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت " .

رواه الإمام أحمد ، وهذا لفظه ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه . وقال الترمذي : حسن صحيح وكذا صحح من حديث ابن عباس نحوه ، وروى أحمد عن أبي هريرة ، نحوه .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا بشر بن آدم ابن بنت أزهر السمان حدثنا أبو عاصم ، عن زريق بن مسلم الأعمى مولى بني مخزوم ، حدثني زياد بن أبي عياش ، عن يحيى بن جعدة بن هبيرة ، في قوله تعالى : ( ومن دخله كان آمنا ) قال : آمنا من النار .

وفي معنى هذا القول الحديث الذي رواه البيهقي : أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان ، أخبرنا أحمد بن عبيد ، حدثنا محمد بن سليمان الواسطي ، حدثنا سعيد بن سليمان ، حدثنا ابن المؤمل ، عن ابن محيصن ، عن عطاء ، عن عبد الله بن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من دخل البيت دخل في حسنة وخرج من سيئة ، وخرج مغفورا له " : ثم قال : تفرد به عبد الله بن المؤمل ، وليس بقوي .

وقوله : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) هذه آية وجوب الحج عند الجمهور . وقيل : بل هي قوله : ( وأتموا الحج والعمرة لله ) [ البقرة : 196 ] والأول أظهر .

وقد وردت الأحاديث المتعددة بأنه أحد أركان الإسلام ودعائمه وقواعده ، وأجمع المسلمون على ذلك إجماعا ضروريا ، وإنما يجب على المكلف في العمر مرة واحدة بالنص والإجماع .

قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا الربيع بن مسلم القرشي ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أيها الناس ، قد فرض عليكم الحج فحجوا " . فقال رجل : أكل عام يا رسول الله ؟ فسكت ، حتى قالها ثلاثا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو قلت : نعم ، لوجبت ، ولما استطعتم " . ثم قال : " ذروني ما تركتكم ، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه " . ورواه مسلم ، عن زهير بن حرب ، عن يزيد بن هارون ، به نحوه .

وقد روى سفيان بن حسين ، وسليمان بن كثير ، وعبد الجليل بن حميد ، ومحمد بن أبي حفصة ، عن الزهري ، عن أبي سنان الدؤلي - واسمه يزيد بن أمية - عن ابن عباس قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا أيها الناس ، إن الله كتب عليكم الحج " . فقام الأقرع بن حابس فقال : يا رسول الله ، أفي كل عام ؟ قال : " لو قلتها ، لوجبت ، ولو وجبت لم تعملوا بها ، ولم تستطيعوا أن تعملوا بها ، الحج مرة ، فمن زاد فهو تطوع " .

رواه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، والحاكم من حديث الزهري ، به . ورواه شريك ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، بنحوه . وروي من حديث أسامة يزيد .

[ و ] قال الإمام أحمد : حدثنا منصور بن وردان ، عن علي بن عبد الأعلى ، عن أبيه ، عن أبي البختري ، عن علي قال : لما نزلت : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) قالوا : يا رسول الله ، في كل عام ؟ فسكت ، قالوا : يا رسول الله ، في كل عام ؟ قال : " لا ، ولو قلت : نعم ، لوجبت " . فأنزل الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) [ المائدة : 101 ] .

وكذا رواه الترمذي ، وابن ماجه ، والحاكم ، من حديث منصور بن وردان ، به : ثم قال الترمذي : حسن غريب . وفيما قال نظر ، لأن البخاري قال : لم يسمع أبو البختري من علي .

وقال ابن ماجه : حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، حدثنا محمد بن أبي عبيدة ، عن أبيه ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن أنس بن مالك قال : قالوا : يا رسول الله ، الحج في كل عام ؟ قال : " لو قلت نعم ، لوجبت ، ولو وجبت لم تقوموا بها ، ولو لم تقوموا بها لعذبتم " .

وفي الصحيحين من حديث ابن جريج ، عن عطاء ، عن جابر ، عن سراقة بن مالك قال : يا رسول الله ، متعتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد ؟ قال : " لا ، بل للأبد " . وفي رواية : " بل لأبد أبد " .

وفي مسند الإمام أحمد ، وسنن أبي داود ، من حديث واقد بن أبي واقد الليثي ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنسائه في حجته : " هذه ثم ظهور الحصر " يعني : ثم الزمن ظهور الحصر ، ولا تخرجن من البيوت .

وأما الاستطاعة فأقسام : تارة يكون الشخص مستطيعا بنفسه ، وتارة بغيره ، كما هو مقرر في كتب الأحكام .

قال أبو عيسى الترمذي : حدثنا عبد بن حميد ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا إبراهيم بن يزيد قال : سمعت محمد بن عباد بن جعفر يحدث عن ابن عمر قال : قام رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : من الحاج يا رسول الله ؟ قال : " الشعث التفل " فقام آخر فقال : أي الحج أفضل يا رسول الله ؟ قال : " العج والثج " ، فقام آخر فقال : ما السبيل يا رسول الله ؟ قال : " الزاد والراحلة " .

وهكذا رواه ابن ماجه من حديث إبراهيم بن يزيد وهو الخوزي . قال الترمذي : ولا نعرفه إلا من حديثه ، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه . كذا قال هاهنا . وقال في كتاب الحج : هذا حديث حسن .

[ و ] لا يشك أن هذا الإسناد رجاله كلهم ثقات سوى الخوزي هذا ، وقد تكلموا فيه من أجل هذا الحديث .

لكن قد تابعه غيره ، فقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد العزيز بن عبد الله العامري ، حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي ، عن محمد بن عباد بن جعفر قال : جلست إلى عبد الله بن عمر قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : ما السبيل ؟ قال : " الزاد والراحلة " . وكذا رواه ابن مردويه من رواية محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير ، به .

ثم قال ابن أبي حاتم : وقد روي عن ابن عباس ، وأنس ، والحسن ، ومجاهد ، وعطاء ، وسعيد بن جبير ، والربيع بن أنس ، وقتادة - نحو ذلك .

وقد روي هذا الحديث من طرق أخر من حديث أنس ، وعبد الله بن عباس ، وابن مسعود ، وعائشة كلها مرفوعة ، ولكن في أسانيدها مقال كما هو مقرر في كتاب الأحكام ، والله أعلم .

وقد اعتنى الحافظ أبو بكر بن مردويه بجمع طرق هذا الحديث . ورواه الحاكم من حديث قتادة عن حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن قول الله : ( من استطاع إليه سبيلا ) فقيل ما السبيل ؟ قال : " الزاد والراحلة " . ثم قال : صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه .

وقال ابن جرير : حدثني يعقوب ، حدثنا ابن علية ، عن يونس ، عن الحسن قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) قالوا : يا رسول الله ، ما السبيل ؟ قال : " الزاد والراحلة " .

ورواه وكيع في تفسيره ، عن سفيان ، عن يونس ، به .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا الثوري ، عن إسماعيل - وهو أبو إسرائيل الملائي - عن فضيل - يعني ابن عمرو - عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تعجلوا إلى الحج - يعني الفريضة - فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له " .

وقال أحمد أيضا : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الحسن بن عمرو الفقيمي ، عن مهران بن أبي صفوان عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أراد الحج فليتعجل " .

ورواه أبو داود ، عن مسدد ، عن أبي معاوية الضرير ، به .

وقد روى ابن جبير ، عن ابن عباس في قوله : ( من استطاع إليه سبيلا ) قال : من ملك ثلاثمائة درهم فقد استطاع إليه سبيلا .

وعن عكرمة مولاه أنه قال : السبيل الصحة .

وروى وكيع بن الجراح ، عن أبي جناب - يعني الكلبي - عن الضحاك بن مزاحم ، عن ابن عباس قال : ( من استطاع إليه سبيلا ) قال : الزاد والبعير .

وقوله : ( ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ) قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد : أي ومن جحد فريضة الحج فقد كفر ، والله غني عنه .

وقال سعيد بن منصور ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن عكرمة قال : لما نزلت : ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ) قالت اليهود : فنحن مسلمون . قال الله ، عز وجل فاخصمهم فحجهم - يعني فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله فرض على المسلمين حج البيت من استطاع إليه سبيلا " فقالوا : لم يكتب علينا ، وأبوا أن يحجوا . قال الله : ( ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ) .

وروى ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، نحوه .

وقال أبو بكر بن مردويه : حدثنا عبد الله بن جعفر ، أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن مسعود ، أخبرنا مسلم بن إبراهيم وشاذ بن فياض قالا أخبرنا هلال أبو هاشم الخراساني ، أخبرنا أبو إسحاق الهمداني ، عن الحارث ، عن علي ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من ملك زادا وراحلة ولم يحج بيت الله ، فلا يضره مات يهوديا أو نصرانيا ، ذلك بأن الله قال : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ) .

ورواه ابن جرير من حديث مسلم بن إبراهيم ، به .

وهكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبي زرعة الرازي : حدثنا هلال بن فياض ، حدثنا هلال أبو هاشم الخراساني ، فذكره بإسناده مثله . ورواه الترمذي عن محمد بن يحيى القطعي ، عن مسلم بن إبراهيم ، عن هلال بن عبد الله مولى ربيعة بن عمرو بن مسلم الباهلي ، به ، وقال : [ هذا ] حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وفي إسناده مقال ، وهلال مجهول ، والحارث يضعف في الحديث .

وقال البخاري : هلال هذا منكر الحديث . وقال ابن عدي : هذا الحديث ليس بمحفوظ .

وقد روى أبو بكر الإسماعيلي الحافظ من حديث [ أبي ] عمرو الأوزاعي ، حدثني إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر ، حدثني عبد الرحمن بن غنم أنه سمع عمر بن الخطاب يقول : من أطاق الحج فلم يحج ، فسواء عليه يهوديا مات أو نصرانيا .

وهذا إسناد صحيح إلى عمر رضي الله عنه ، وروى سعيد بن منصور في سننه عن الحسن البصري قال : قال عمر بن الخطاب : لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار فينظروا كل من كان له جدة فلم يحج ، فيضربوا عليهم الجزية ، ما هم بمسلمين . ما هم بمسلمين .


تفسير الطبري :

فيه خمس مسائل: الأولى: ثبت في صحيح مسلم عن أبي ذر قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول مسجد وضع في الأرض قال : (المسجد الحرام). قلت : ثم أي؟ قال : (المسجد الأقصى). قلت : كم بينهما؟ قال : (أربعون عاما ثم الأرض لك مسجد فحيثما أدركتك الصلاة فصل). قال مجاهد وقتادة : لم يوضع قبله بيت. قال علي رضي الله عنه : كان قبل البيت بيوت كثيرة، والمعنى أنه أول بيت وضع للعبادة. وعن مجاهد قال : تفاخر المسلمون واليهود فقالت اليهود : بيت المقدس أفضل وأعظم من الكعبة؛ لأنه مهاجر الأنبياء وفي الأرض المقدسة. وقال المسلمون : بل الكعبة أفضل؛ فأنزل الله هذه الآية. وقد مضى في البقرة بنيان البيت وأول من بناه. قال مجاهد : خلق الله موضع هذا البيت قبل أن يخلق شيئا من الأرض بألفي سنة، وأن قواعده لفي الأرض السابعة السفلى. وأما المسجد الأقصى فبناه سليمان عليه السلام؛ كما خرجه النسائي بإسناد صحيح من حديث عبدالله بن عمرو. وعن النبي صلى الله عليه وسلم : (أن سليمان بن داود عليه السلام لما بنى بيت المقدس سأل الله خلالا ثلاثة سأل الله عز وجل حكما يصادف حكمه فأوتيه، وسأل الله عز وجل ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه، وسأل الله عز وجل حين فرغ من بناء المسجد ألا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه فأوتيه). فجاء إشكال بين الحديثين؛ لأن بين إبراهيم وسليمان آمادا طويلة. قال أهل التواريخ : أكثر من ألف سنة. فقيل : إن إبراهيم وسليمان عليهما السلام إنما جددا ما كان أسسه غيرهما. وقد روي أن أول من بنى البيت آدم عليه السلام كما تقدم. فيجوز أن يكون غيره من ولده وضع بيت المقدس من بعده بأربعين عاما، ويجوز أن تكون الملائكة أيضا بنته بعد بنائها البيت بإذن الله؛ وكل محتمل. والله أعلم. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أمر الله تعالى الملائكة ببناء بيت في الأرض وأن يطوفوا به؛ وكان هذا قبل خلق آدم، ثم إن آدم بنى منه ما بنى وطاف به، ثم الأنبياء بعده، ثم استتم بناءه إبراهيم عليه السلام. الثانية: قوله تعالى {للذي ببكة} خبر {إن} واللام توكيد. و{بكة} موضع البيت، ومكة سائر البلد؛ عن مالك بن أنس. وقال محمد بن شهاب : بكة المسجد، ومكة الحرم كله، تدخل فيه البيوت. قال مجاهد : بكة هي مكة. فالميم على هذا مبدلة من الباء؛ كما قالوا : طين لازب ولازم. وقاله الضحاك والمؤرج. ثم قيل : بكة مشتقة من البك وهو الازدحام. تباك القوم ازدحموا. وسميت بكة لازدحام الناس في موضع طوافهم. والبك : دق العنق. وقيل : سميت بذلك لأنها كانت تدق رقاب الجبابرة إذا ألحدوا فيها بظلم. قال عبدالله بن الزبير : لم يقصدها جبار قط بسوء إلا وَقَصَه الله عز وجل. وأما مكة فقيل : إنها سميت بذلك لقلة مائها وقيل : سميت بذلك لأنها تمك المخ من العظم مما ينال قاصدها من المشقة؛ من قولهم : مككت العظم إذا أخرجت ما فيه. ومك الفصيل ضرع أمه وامتكَّه إذا امتص كل ما فيه من اللبن وشربه؛ قال الشاعر : مكت فلم تُبْقِ في أجوافها دِرَرا ** وقيل : سميت بذلك لأنها تمك من ظَلَم فيها، أي تهلكه وتنقصه. وقيل : سميت بذلك لأن الناس كانوا يمكون ويضحكون فيها؛ من قوله {وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية} [الأنفال : 35] أي تصفيقا وتصفيرا. وهذا لا يوجبه التصريف؛ لأن "مكة" ثنائي مضاعف و"مُكاء" ثلاثي معتل. الثالثة: قوله تعالى {مباركا} جعله مباركا لتضاعف العمل فيه؛ فالبركة كثرة الخير، ونصب على الحال من المضمر في "وضع" أو بالظرف من "بكة"، المعنى الذي استقر {ببكة مباركا} ويجوز في غير القرآن "مبارك"؛ على أن يكون خبرا ثانيا، أو على البدل من الذي، أو على إضمار مبتدأ. {وهدى للعالمين} عطف عليه، ويكون بمعنى وهو هدى للعالمين. ويجوز في غير القرآن "مبارك" بالخفض يكون نعتا للبيت. الرابعة: قوله تعالى {فيه آيات بينات} رفع بالابتداء أو بالصفة. وقرأ أهل مكة وابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير {آية بينة} على التوحيد، يعني مقام إبراهيم وحده. قالوا : أثر قدميه في المقام آية بينة. وفسر مجاهد مقام إبراهيم بالحرم كله؛ فذهب إلى أن من آياته الصفا والمروة والركن والمقام. والباقون بالجمع. أرادوا مقام إبراهيم والحجر الأسود والحطيم وزمزم والمشاعر كلها. قال : أبو جعفر النحاس : من قرأ {آيات بينات} فقراءته أبين؛ لأن الصفا والمروة من الآيات، ومنها أن الطائر لا يعلو البيت صحيحا، ومنها أن الجارح يطلب الصيد فإذا دخل الحرم تركه، ومنها أن الغيث إذا كان ناحية الركن اليماني كان الخِصب باليمن، وإذا كان بناحية الشامي كان الخصب بالشام، وإذ عم البيت كان الخصب في جميع البلدان، ومنها أن الجمار على ما يزاد عليها ترى على قدر واحد. والمقام من قولهم : قمت مقاما، وهو الموضع الذي يقام فيه. والمقام من قولك : أقمت مُقاما. وقد مضى هذا في البقرة، ومضى الخلاف أيضا في المقام والصحيح منه. وارتفع المقام على الابتداء والخبر محذوف؛ والتقدير منها مقام إبراهيم؛ قاله الأخفش. وحكى عن محمد بن يزيد أنه قال {مقام} بدل من {آيات}. وفيه قول ثالث بمعنى هي مقام إبراهيم. وقول الأخفش معروف في كلام العرب. كما قال زهير : لها متاع وأعوان غدون به ** قتب وغرب إذا ما أفرغ انسحقا أي مضى وبَعُد سيلانه. وقول أبي العباس : إن مقاما بمعنى مقامات؛ لأنه مصدر. قال الله تعالى {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم} [البقرة : 7]. وقال الشاعر : إن العيون التي في طرفها مرض ** أي في أطرافها. ويقوّي هذا الحديث المرويّ (الحج كله مقام إبراهيم). الخامسة: قوله تعالى {ومن دخله كان آمنا} قال قتادة : ذلك أيضا من آيات الحرم. قال النحاس : وهو قول حسن؛ لأن الناس كانوا يتخطفون من حواليه، ولا يصل إليه جبار، وقد وصل إلى بيت المقدس وخرب، ولم يوصل إلى الحرم. قال الله تعالى {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل} [الفيل : 1]. وقال بعض أهل المعاني : صورة الآية خبر ومعناها أمر، تقديرها ومن دخله فأمنوه؛ كقوله {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج}[البقرة : 197] أي لا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا. ولهذا المعنى قال الإمام السابق النعمان بن ثابت : من اقترف ذنبا واستوجب به حدا ثم لجأ إلى الحرم عصمه، لقوله تعالى {ومن دخله كان آمنا}؛ فأوجب الله سبحانه الأمن لمن دخله. وروي ذلك عن جماعة من السلف منهم ابن عباس وغيره من الناس قال ابن العربي: وكل من قال هذا فقد وهم من جهتين : إحداهما أنه لم يفهم من الآية أنها خبر عما مضى، ولم يقصد بها إثبات حكم مستقبل، الثاني أنه لم يعلم أن ذلك الأمن قد ذهب وأن القتل والقتال قد وقع بعد ذلك فيها، وخبر الله لا يقع بخلاف مخبره؛ فدل ذلك على أنه كان في الماضي هذا. وقد ناقض أبو حنيفة فقال، إذا لجأ إلى الحرم لا يُطعم ولا يُسقى ولا يعامل ولا يُكلَّم حتى يخرج، فاضطراره إلى الخروج ليس يصح معه أمن. وروي عنه أنه قال : يقع القصاص في الأطراف في الحرم ولا أمن أيضا مع هذا. والجمهور من العلماء على أن الحدود تقام في الحرم، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة. قلت : وروى الثوري عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس : من أصاب حدا في الحرم أقيم عليه فيه، وإن أصابه في الحِلّ ولجأ إلى الحرم لم يكلم ولم يبايع حتى يخرج من الحرم فيقام عليه الحد؛ وهو قول الشعبي. فهذه حجة الكوفيين، وقد فهم ابن عباس ذلك من معنى الآية، وهو حبر الأمة وعالمها. والصحيح أنه قصد بذلك تعديد النعم على كل من كان بها جاهلا ولها منكرا من العرب؛ كما قال تعالى {أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم} [العنكبوت : 67] فكانوا في الجاهلية من دخله ولجأ إليه أمن من الغارة والقتل؛ على ما يأتي بيانه في "المائدة" إن شاء الله تعالى. قال قتادة ومن دخله في الجاهلية كان آمنا. وهذا حسن. وروي أن بعض الملحدة قال لبعض العلماء : أليس في القرآن {ومن دخله كان آمنا} فقد دخلناه وفعلنا كذا وكذا فلم يأمن من كان فيه قال له : ألست من العرب ما الذي يريد القائل من دخل داري كان آمنا؟ أليس أن يقول لمن أطاعه : كف عنه فقد أمنته وكففت عنه؟ قال : بلى. قال : فكذلك قوله {ومن دخله كان آمنا}. وقال يحيى بن جعدة : معنى {ومن دخله كان آمنا} يعني من النار. قلت : وهذا ليس على عمومه؛ لأن في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري حديث الشفاعة الطويل: (فوالذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشد مناشدة لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار يقولون ربنا كانوا يصومون معنا ويحجون فيقال لهم أخرجوا من عرفتم) الحديث. وإنما يكون آمنا من النار من دخله لقضاء النسك معظما له عارفا بحقه متقربا إلى الله تعالى. قال جعفر الصادق : من دخله على الصفاء كما دخله الأنبياء والأولياء كان آمنا من عذابه. وهذا معنى قوله عليه السلام : (من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة). قال الحسن : الحج المبرور هو أن يرجع زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة. وأنشد : يا كعبة الله دعوة اللاجي ** دعوة مستشعر ومحتاج ودع أحبابه ومسكنه ** فجاء ما بين خائف راجي إن يقبل الله سعيه كرما ** نجا، وإلا فليس بالناجي وأنت ممن تُرجى شفاعته ** فاعطف على وافد بن حجاج وقيل : المعنى ومن دخله عام عمرة القضاء مع محمد صلى الله عليه وسلم كان آمنا. دليله قوله تعالى {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين} [الفتح : 27]. وقد قيل : إن "من" ها هنا لمن لا يعقل؛ والآية في أمان الصيد؛ وهو شاذ؛ وفي التنزيل {فمنهم من يمشي على بطنه} الآية [النور : 45] . قوله تعالى {ولله على الناس حج البيت لمن استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} فيه تسع مسائل: القوله تعالى {ولله} اللام في قوله {ولله} لام الإيجاب والإلزام، ثم أكده بقوله تعالى{على} التي هي من أوكد ألفاظ الوجوب عند العرب؛ فإذا قال العربي : لفلان على كذا؛ فقد وكده وأوجبه. فذكر الله تعالى الحج بأبلغ ألفاظ الوجوب تأكيدا لحقه وتعظيما لحرمته. ولا خلاف في فريضته، وهو أحد قواعد الإسلام، وليس يجب إلا مرة في العمر. وقال بعض الناس : يجب في كل خمسة أعوام مرة؛ ورووا في ذلك حديثا أسندوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث باطل لا يصح، والإجماع صادّ في وجوههم. قلت : وذكر عبدالرزاق قال : حدثنا سفيان الثوري عن العلاء بن المسيب عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الرب جل وعز إن عبدا أوسعت عليه في الرزق فلم يعد إلي في كل أربعة أعوام لمحروم) مشهور من حديث العلاء بن المسيب بن رافع الكاهلي الكوفي من أولاد المحدثين، روى عنه غير واحد، منهم من قال : في كل خمسة أعوام، ومنهم من قال : عن العلاء عن يونس بن خباب عن أبي سعيد، في غير ذلك من الاختلاف. وأنكرت الملحدة الحج، فقالت : إن فيه تجريد الثياب وذلك يخالف الحياء، والسعي وهو يناقض الوقار، ورمي الجمار لغير مرمى وذلك يضاد العقل؛ فصاروا إلى أن هذه الأفعال كلها باطلة؛ إذ لم يعرفوا لها حكمة ولا علة، وجهلوا أنه ليس من شرط المولى مع العبد، أن يفهم المقصود بجميع ما يأمره به، ولا أن يطلع على فائدة تكليفه، وإنما يتعين عليه الامتثال، ويلزمه الانقياد من غير طلب فائدة ولا سؤال عن مقصود. ولهذا المعنى كان عليه السلام يقول في تلبيته : (لبيك حقا حقا تعبدا ورقا لبيك إله الحق). وروى الأئمة عن أبي هريرة قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا). فقال رجل : كل عام يا رسول الله؟ فسكت، حتى قالها ثلاثا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم) ثم قال : ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه) لفظ مسلم. فبين هذا الحديث أن الخطاب إذا توجه على المكلفين بفرض أنه يكفي منه فعل مرة ولا يقتضي التكرار؛ خلافا للأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني وغيره. وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له أصحابه : يا رسول الله، أحجنا لعامنا هذا أم للأبد؟ فقال : (لا بل للأبد). وهذا نص في الرد على من قال : يجب في كل خمس سنين مرة. وقد كان الحج معلوما عند العرب مشهورا لديهم، وكان مما يرغب فيه لأسواقها وتبررها وتحنفها؛ فلما جاء الإسلام خوطبوا بما علموا وألزموا بما عرفوا. وقد حج النبي صلى الله عليه وسلم قبل حج الفرض، وقد وقف بعرفة ولم يغير من شرع إبراهيم ما غيروا؛ حين كانت قريش تقف بالمشعر الحرام ويقولون : نحن أهل الحرم فلا نخرج منه؛ ونحن الحمْسُ. حسب ما تقدم بيانه في "البقرة". قلت : من أغرب ما رأيته أن النبي صلى الله عليه وسلم حج قبل الهجرة مرتين وأن الفرض سقط عنه بذلك؛ لأنه قد أجاب نداء إبراهيم حين قيل له {وأذن في الناس بالحج}[الحج : 27]. قال الكيا الطبري : وهذا بعيد؛ فإنه إذا ورد في شرعه {ولله على الناس حج البيت} فلا بد من وجوبه عليه بحكم الخطاب في شرعه. ولئن قيل : إنما خاطب من لم يحج، كان تحكما وتخصيصا لا دليل عليه، ويلزم عليه ألا يجب بهذا الخطاب على من حج على دين إبراهيم، وهذا في غاية البعد. الثانية: ودل الكتاب والسنة على أن الحج على التراخي لا على الفور؛ وهو تحصيل مذهب مالك فيما ذكر ابن خويز منداد، وهو قول الشافعي ومحمد بن الحسن وأبي يوسف في رواية عنه. وذهب بعض البغداديين من المتأخرين من المالكيين إلى أنه على الفور، ولا يجوز تأخيره مع القدرة عليه؛ وهو قول داود. والصحيح الأول؛ لأن الله تعالى قال في سورة الحج {وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا} [الحج : 27] وسورة الحج مكية. وقال تعالى {ولله على الناس حج البيت} الآية. وهذه السورة نزلت عام أحد بالمدينة سنة ثلاث من الهجرة ولم يحج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سنة عشر. أما السنة فحديث ضمام بن ثعلبة السعدي من بني سعد بن بكر قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الإسلام فذكر الشهادة والصلاة والزكاة والصيام والحج. رواه ابن عباس وأبو هريرة وأنس، وفيها كلها ذكر الحج، وأنه كان مفروضا، وحديث أنس أحسنها سياقا وأتمها. واختلف في وقت قدومه؛ فقيل : سنة خمس. وقيل : سنة سبع. وقيل : سنة تسع؛ ذكره ابن هشام عن أبي عبيدة الواقدي عام الخندق بعد انصراف الأحزاب. قال ابن عبدالبر : ومن الدليل على أن الحج على التراخي إجماع العلماء على ترك تفسيق القادر على الحج إذا أخره العام والعامين ونحوهما، وأنه إذا حج من بعد أعوام من حين استطاعته فقد أدى الحج الواجب عليه في وقته، وليس هو عند الجميع كمن فاتته الصلاة حتى خرج وقتها فقضاها بعد خروج وقتها، ولا كمن فاته صيام رمضان لمرض أو سفر فقضاه. ولا كمن أفسد حجه فقضاه، فلما أجمعوا على أنه لا يقال لمن حج بعد أعوام من وقت استطاعته : أنت قاض لما وجب عليك؛ علمنا أن وقت الحج موسع فيه وأنه على التراخي لا على الفور. قال أبو عمر : كل من قال بالتراخي لا يحد في ذلك حدا؛ إلا ما روي عن سحنون وقد سئل عن الرجل يجد ما يحج به فيؤخر ذلك إلى سنين كثيرة مع قدرته على ذلك هل يفسق بتأخيره الحج وترد شهادته؟ قال : لا وإن مضى من عمره ستون سنة، فإذا زاد على الستين فُسّق وردّت شهادته. وهذا توقيف وحد، والحدود في الشرع لا تؤخذ إلا عمن له أن يشرع. قلت : وحكاه ابن خويز منداد عن ابن القاسم. قال ابن القاسم وغيره : إن أخره ستين سنة لم يُحَرَّج، وإن أخره بعد الستين حُرِّج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وقل من يتجاوزها) فكأنه في هذا العشر قد يتضايق عليه الخطاب. قال أبو عمر : وقد احتج بعض الناس كسحنون بقوله صلى الله عليه وسلم : (معترك أمتي بين الستين إلى السبعين وقل من يجاوز ذلك). ولا حجة فيه؛ لأنه كلام خرج على الأغلب من أعمار أمته لو صح الحديث. وفيه دليل على التوسعة إلى السبعين لأنه من الأغلب أيضا، ولا ينبغي أن يقطع بتفسيق من صحت عدالته وأمانته بمثل هذا من التأويل الضعيف. وبالله التوفيق. الثالثة: أجمع العلماء على أن الخطاب بقوله تعالى {ولله على الناس حج البيت} عام في جميعهم مسترسل على جملتهم. قال ابن العربي: وإن كان الناس قد اختلفوا في مطلق العمومات بيد أنهم اتفقوا على حمل هذه الآية على جميع الناس ذكرهم وأنثاهم، خلا الصغير فإنه خارج بالإجماع عن أصول التكليف، وكذلك العبد لم يدخل فيه؛ لأنه أخرجه عن مطلق العموم قوله تعالى في التمام {من استطاع إليه سبيلا} والعبد غير مستطيع؛ لأن السيد يمنعه لحقوقه عن هذه العبادة. وقد قدم الله سبحانه حق السيد على حقه رفقا بالعباد ومصلحة لهم. ولا خلاف فيه بين الأمة ولا بين الأئمة، فلا نَهْرِف بما لا نعرف، ولا دليل عليه إلا الإجماع. قال ابن المنذر : أجمع عامة أهل العلم إلا من شذ منهم ممن لا يعد خلافا، على أن الصبي إذا حج في حال صغره، والعبد إذا حج في حال رقه، ثم بلغ الصبي وعتق العبد إن عليهما حجة الإسلام إذا وجدا إليها سبيلا. وقال أبو عمر : خالف داود جماعة فقهاء الأمصار وأئمة الأثر في المملوك وأنه عنده مخاطب بالحج، وهو عند جمهور العلماء خارج من الخطاب العام في قوله تعالى {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} بدليل عدم التصرف، وأنه ليس له أن يحج بغير إذن سيده؛ كما خرج من خطاب الجمعة وهو قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة} الآية [الجمعة : 9] - عند عامة العلماء إلا من شذ. وكما خرج من خطاب إيجاب الشهادة، قال الله تعالى {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا} [البقرة : 282] فلم يدخل في ذلك العبد. وكما جاز خروج الصبي من قوله {ولله على الناس حج البيت} وهو من الناس بدليل رفع القلم عنه. وخرجت المرأة من قوله {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة} وهي ممن شمله اسم الإيمان، وكذلك خروج العبد من الخطاب المذكور. وهو قول فقهاء الحجاز والعراق والشام والمغرب، ومثلهم لا يجوز عليهم تحريف تأويل الكتاب. فإن قيل : إذا كان حاضر المسجد الحرام وأذن له سيده فلم لا يلزمه الحج؟ قيل له : هذا سؤال على الإجماع وربما لا يعلل ذلك، ولكن إذا ثبت هذا الحكم على الإجماع استدللنا به على أنه لا يعتد بحجه في حال الرق عن حجة الإسلام؛ وقد روي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (أيما صبي حج ثم أدرك فعليه أن يحج حجة أخرى وأيما أعرابي حج ثم هاجر فعليه أن يحج حجة أخرى وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه أن يحج حجة أخرى). قال ابن العربي. {وقد تساهل بعض علمائنا فقال : إنما لم يثبت الحج على العبد وإن أذن له السيد لأنه كان كافرا في الأصل ولم يكن حج الكافر معتدا به، فلما ضرب عليه الرق ضربا مؤبدا لم يخاطب بالحج؛ وهذا فاسد من ثلاثة أوجه فاعلموه : أحدها : أن الكفار عندنا مخاطبون بفروع الشريعة، ولا خلاف فيه في قول مالك. الثاني : أن سائر العبادات تلزمه من صلاة وصوم مع كونه رقيقا، ولو فعلها في حال كفره لم يعتد بها، فوجب أن يكون الحج مثلها. الثالث : أن الكفر قد ارتفع بالإسلام فوجب ارتفاع حكمه. فتبين أن المعتمد ما ذكرناه من تقدم حقوق السيد). والله الموفق. الرابعة: قوله تعالى {من استطاع إليه سبيلا} {من} في موضع خفض على بدل البعض من الكل؛ هذا قول أكثر النحويين. وأجاز الكسائي أن يكون "من" في موضع رفع بحج، التقدير أن يحج البيت من. وقيل هي شرط. و{استطاع} في موضع جزم، والجواب محذوف، أي من استطاع إليه سبيلا فعليه الحج. روى الدارقطني عن ابن عباس قال : قيل يا رسول الله الحج كل عام؟ قال : (لا بل حجة)؟ قيل : فما السبيل، قال : (الزاد والراحلة). ورواه عن أنس وابن مسعود وابن عمر وجابر وعائشة وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) قال فسئل عن ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (أن تجد ظهر بعير). وأخرج حديث ابن عمر أيضا ابن ماجة في سننه، وأبو عيسى الترمذي في جامعه وقال حديث حسن، والعمل عليه عند أهل العلم أن الرجل إذا ملك زادا وراحلة وجب عليه الحج. وإبراهيم بن يزيد هو الخوزي المكي، وقد تكلم فيه بعض أهل الحديث من قل حفظه . وأخرجاه عن وكيع والدارقطني عن سفيان بن سعيد قالوا : حدثنا إبراهيم بن يزيد عن محمد بن عباد عن ابن عمر قال : قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله، ما يوجب الحج؟. قال : (الزاد والراحلة) قال : يا رسول الله، فما الحاج؟ قال : (الشعث التفل). وقام آخر فقال يا رسول الله وما الحج؟ قال : (العج والثج). قال وكيع : يعني بالعج العجيج بالتلبية والثج نحر البُدن؛ لفظ ابن ماجة. وممن قال إن الزاد والراحلة شرط في وجوب الحج : عمر ابن الخطاب وابنه عبدالله وعبدالله بن عباس والحسن البصري وسعيد بن جبير وعطاء ومجاهد. وإليه ذهب الشافعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق وعبدالعزيز بن أبي سلمة وابن حبيب، وذكر عبدوس مثله عن سحنون. قال الشافعي : الاستطاعة وجهان : أحدهما : أن يكون مستطيعا ببدنه واجدا من ماله ما يبلغه الحج. والثاني : أن يكون معضوبا في بدنه لا يثبت على مركبه وهو قادر على من يطيعه إذا أمره أن يحج عنه بأجرة وبغير أجرة، على ما يأتي بيانه. أما المستطيع ببدنه فإنه يلزمه فرض الحج بالكتاب بقوله عز وجل {من استطاع إليه سبيلا}. وأما المستطيع بالمال فقد لزمه فرض الحج بالسنة بحديث الخثعمية على ما يأتي. وأما المستطيع بنفسه وهو القوي الذي لا تلحقه مشقة غير محتملة في الركوب على الراحلة؛ فإن هذا إذا ملك الزاد والراحلة لزمه فرض الحج بنفسه، وإن عدم الزاد والراحلة أو أحدهما سقط عنه فرض الحج؛ فإن كان قادرا على المشي مطيقا له ووجد الزاد أو قدر على كسب الزاد في طريقه بصنعة مثل الخرز والحجامة أو نحوهما فالمستحب له أن يحج ماشيا رجلا كان أو امرأة. قال الشافعي : والرجل أقل عذرا من المرأة لأنه أقوى. وهذا عندهم على طريق الاستحباب لا على طريق الإيجاب، فأما إن قدر على الزاد بمسألة الناس في الطريق كرهت له أن يحج لأنه يصير كلا على الناس. وقال مالك بن أنس رحمه الله : إذا قدر على المشي ووجد الزاد فعليه فرض الحج، وإن لم يجد الراحلة وقدر على المشي نُظر؛ فإن كان مالكا للزاد وجب عليه فرض الحج، وإن لم يكن مالكا للزاد ولكنه يقدر على كسب حاجته منه في الطريق نظر أيضا؛ فإن كان من أهل المروءات ممن لا يكتسب بنفسه لا يجب عليه، وإن كان ممن يكتسب كفايته بتجارة أو صناعة لزمه فرض الحج، وهكذا إن كانت عادته مسألة الناس لزمه فرض الحج. وكذلك أوجب مالك على المطيق المشي الحج، وإن لم يكن معه زاد وراحلة. وهو قول عبدالله بن الزبير والشعبي وعكرمة. وقال الضحاك : إن كان شابا قويا صحيحا ليس له مال فعليه أن يؤجر نفسه بأكله أو عقبه حتى يقضي حجه. فقال له مقاتل : كلف الله الناس أن يمشوا إلى البيت؟ فقال : لو أن لأحدهم ميراثا بمكة أكان تاركه؟ بل ينطلق إليه ولو حبوا، كذلك يجب عليه الحج. واحتج هؤلاء بقوله عز وجل {وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا} أي مشاة. قالوا : ولأن الحج من عبادات الأبدان من فرائض الأعيان، فوجب ألا يكون الزاد من شروط وجوبها ولا الراحلة كالصلاة والصيام. قالوا : ولو صح حديث الخوزي الزاد والراحلة لحملناه على عموم الناس والغالب منهم في الأقطار البعيدة. وخروج مطلق الكلام على غالب الأحوال كثير في الشريعة وفي كلام العرب وأشعارها. وقد روى ابن وهب وابن القاسم وأشهب عن مالك أنه سئل عن هذه الآية فقال : الناس في ذلك على قدر طاقتهم ويسرهم وجلدهم. قال أشهب لمالك : أهو الزاد والراحلة؟. قال : لا والله، ما ذاك إلا على قدر طاقة الناس، وقد يجد الزاد والراحلة ولا يقدر على السير، وآخر يقدر أن يمشي على رجليه. الخامسة: إذا وُجدت الاستطاعة وتوجه فرض الحج يعرض ما يمنع منه كالغريم يمنعه عن الخروج حتى يؤدي الدين؛ ولا خلاف في ذلك. أو يكون له عيال يجب عليه نفقتهم فلا يلزمه الحج حتى يكون لهم نفقتهم مدة غيبته لذهابه ورجوعه، لأن هذا الإنفاق فرض على الفور، والحج فرض على التراخي، فكان تقديم العيال أولى. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت). وكذلك الأبوان يخاف الضيعة عليهما وعدم العوض في التلطف بهما، فلا سبيل له إلى الحج؛ فإن منعاه لأجل الشوق والوحشة فلا يلتفت إليه. والمرأة يمنعها زوجها، وقيل لا يمنعها. والصحيح المنع؛ لا سيما إذا قلنا إن الحج لا يلزمه على الفور. والبحر لا يمنع الوجوب إذا كان غالبه السلامة - كما تقدم بيانه في البقرة - ويعلم من نفسه أنه لا يميد. فإن كان الغالب عليه العطب أو الميد حتى يعطل الصلاة فلا. وإن كان لا يجد موضعا لسجوده لكثرة الراكب وضيق المكان فقد قال مالك : إذا لم يستطع الركوع والسجود إلا على ظهر أخيه فلا يركبه. ثم قال : أيركب حيث لا يصلي ويل لمن ترك الصلاة ويسقط الحج إذا كان في الطريق عدو يطلب الأنفس أو يطلب من الأموال ما لم يتحدد بحد مخصوص أو يتحدد بقدر مجحف. وفي سقوطه بغير المجحف خلاف. وقال الشافعي : لا يعطى حبة ويسقط فرض الحج. ويجب على المتسول إذا كانت تلك عادته وغلب على ظنه أنه يجد من يعطيه. وقيل لا يجب، على ما تقدم من مراعاة الاستطاعة. السادسة: إذا زالت الموانع ولم يكن عنده من النّاضّ ما يحج به وعنده عروض فيلزمه أن يبيع من عروضه للحج ما يباع عليه في الدَّيْن. وسئل ابن القاسم عن الرجل تكون له القِرْبة ليس له غيرها، أيبيعها في حجة الإسلام ويترك ولده ولا شيء لهم يعيشون به؟. قال : نعم، ذلك عليه ويترك ولده في الصدقة. والصحيح القول الأول؛ لقوله عليه السلام : (كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت) وهو قول الشافعي. والظاهر من مذهبه أنه لا يلزم الحج إلا من له ما يكفيه من النفقة ذاهبا وراجعا - قاله في الإملاء - وإن لم يكن له أهل وعيال. وقال بعضهم : لا يعتبر الرجوع لأنه ليس عليه كبير مشقة في تركه القيام ببلده؛ لأنه لا أهل له فيه ولا عيال وكل البلاد له وطن. والأول أصوب؛ لأن الإنسان يستوحش لفراق وطنه كما يستوحش لفراق سكنه. ألا ترى أن البكر إذا زنا جلد وغرب عن بلده سواء كان له أهل أو لم يكن. قال الشافعي في الأم : إذا كان له مسكن وخادم وله نفقة أهله بقدر غيبته يلزمه الحج. وظاهر هذا أنه اعتبر أن يكون مال الحج فاضلا عن الخادم والمسكن؛ لأنه قدمه على نفقة أهله، فكأنه قال بعد هذا كله. وقال أصحابه : يلزمه أن يبيع المسكن والخادم ويكتري مسكنا وخادما لأهله، فإن كان له بضاعة يتجر بها وربحها قدر كفايته وكفاية عياله على الدوام، ومتى أنفق من أصل البضاعة اختل عليه ربحها ولم يكن فيه قدر كفايته، فهل يلزمه الحج من أصل البضاعة أم لا؟ قولان : الأول للجمهور وهو الصحيح المشهور؛ لأنه لا خلاف في أنه لو كان له عقار تكفيه غلته لزمه أن يبيع أصل العقار في الحج، فكذلك البضاعة. وقال ابن شريح : لا يلزمه ذلك ويبقي البضاعة ولا يحج من أصلها؛ لأن الحج إنما يجب عليه في الفاضل من كفايته. فهذا الكلام في الاستطاعة بالبدن والمال. السابعة: المريض والمعضوب، والعضب القطع، ومنه سمي السيف عضبا، وكأن من انتهى إلى ألا يقدر أن يستمسك على الراحلة ولا يثبت عليها بمنزلة من قطعت أعضاؤه؛ إذ لا يقدر على شيء. وقد اختلف العلماء في حكمهما بعد إجماعهم أنه لا يلزمهما المسير إلى الحج؛ لأن الحج إنما فرضه على المستطيع إجماعا، والمريض والمعضوب لا استطاعة لهما. فقال مالك : إذا كان معضوبا سقط عنه فرض الحج أصلا، سواء كان قادرا على من يحج عنه بالمال أو بغير المال لا يلزمه فرض الحج. ولو وجب عليه الحج ثم عضب وزَمِن سقط عنه فرض الحج؛ ولا يجوز أن يحج عنه في حال حياته بحال، بل إن أوصى أن يحج عنه بعد موته حج عنه من الثلث، وكان تطوعا؛ واحتج بقوله تعالى {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} [النجم : 39] فأخبر أنه ليس له إلا ما سعى. فمن قال : إنه له سعي غيره فقد خالف ظاهر الآية. وبقوله تعالى {ولله على الناس حج البيت} وهذا غير مستطيع؛ لأن الحج هو قصد المكلف البيت بنفسه ولأنها عبادة لا تدخلها النيابة مع العجز عنها كالصلاة. وروى محمد بن المنكدر عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الله عز وجل ليدخل بالحجة الواحدة ثلاثة الجنة الميت والحاج عنه والمنفذ ذلك). خرجه الطبراني أبو القاسم سليمان بن أحمد قال حدثنا عمرو بن حصين السدوسي قال حدثنا أبو معشر عن محمد بن المنكدر؛ فذكره. قلت : أبو معشر اسمه نجيح وهو ضعيف عندهم. وقال الشافعي : في المريض الزَّمِن والمعضوب والشيخ الكبير يكون قادرا على من يطيعه إذا أمره بالحج عنه فهو مستطيع استطاعة ما. وهو على وجهين : أحدهما أن يكون قادرا على مال يستأجر به من يحج عنه فإنه يلزمه فرض الحج؛ وهذا قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه، روي عنه أنه قال لشيخ كبير لم يحج : جهز رجلا يحج عنك. وإلى هذا ذهب الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وابن المبارك وأحمد وإسحاق. والثاني أن يكون قادرا على من يبذل له الطاعة والنيابة فيحج عنه؛ فهذا أيضا يلزمه الحج عنه عند الشافعي وأحمد وابن راهويه، وقال أبو حنيفة : لا يلزم الحج ببذل الطاعة بحال. استدل الشافعي بما رواه ابن عباس أن امرأة من خثعم سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال : (نعم). وذلك في حجة الوداع. في رواية : لا يستطيع أن يستوي على ظهر بعيره. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فحجي عنه أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيته)؟ قالت : نعم. قال : (فدين الله أحق أن يقضى). فأوجب النبي صلى الله عليه وسلم الحج بطاعة ابنته إياه وبذلها من نفسها له بأن تحج عنه؛ فإذا وجب ذلك بطاعة البنت له كان بأن يجب عليه بقدرته عل المال الذي يستأجر به أولى. فأما أن بذل له المال دون الطاعة فالصحيح أنه لا يلزمه قبوله والحج به عن نفسه ولا يصير ببذل المال له مستطيعا. وقال علماؤنا : حديث الخثعمية ليس مقصوده الإيجاب وإنما مقصوده الحث على بر الوالدين والنظر في مصالحهما دنيا ودينا وجلب المنفعة إليهما جبلة وشرعا؛ فلما رأى من المرأة انفعالا وطواعية ظاهرة ورغبة صادقة في برها بأبيها وحرصا على إيصال الخير والثواب إليه، وتأسفت أن تفوته بركة الحج أجابها إلى ذلك. كما قال للأخرى التي قالت : إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال : (حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته)؟ قالت : نعم. ففي هذا ما يدل على أنه من باب التطوعات وإيصال البر والخيرات للأموات؛ ألا ترى أنه قد شبه فعل الحج بالدين. وبالإجماع لو مات ميت وعليه دين لم يجب على وليه قضاؤه من ماله، فإن تطوع بذلك تأدى الدين عنه. ومن الدليل على أن الحج في هذا الحديث ليس بفرض على أبيها ما صرحت به هذه المرأة بقولها "لا يستطيع" ومن لا يستطيع لا يجب عليه. وهذا تصريح بنفي الوجوب ومنع الفريضة، فلا يجوز ما انتفى في أول الحديث قطعا أن يثبت في آخره ظنا؛ يحققه قوله : (فدين الله أحق أن يقضى) فإنه ليس على ظاهره إجماعا؛ فإن دين العبد أولى بالقضاء، وبه يبدأ إجماعا لفقر الآدمي واستغناء الله تعالى؛ قاله ابن العربي. وذكر أبو عمر بن عبدالبر أن حديث الخثعمية عند مالك وأصحابه مخصوص بها. وقال آخرون : فيه اضطراب. وقال ابن وهب وأبو مصعب : هو في حق الولد خاصة. وقال ابن حبيب : جاءت الرخصة في الحج عن الكبير الذي لا منهض له ولم يحج وعمن مات ولم يحج، أن يحج عنه ولده وإن لم يوص به ويجزئه إن شاء الله تعالى. فهذا الكلام على المعضوب وشبهه. وحديث الخثعمية أخرجه الأئمة، وهو يرد على الحسن قوله : إنه لا يجوز حج المرأة عن الرجل. الثامنة: وأجمع العلماء على أنه إذا لم يكن للمكلف قوت يتزوده في الطريق لم يلزمه الحج. وإن وهب له أجنبي مالا يحج به لم يلزمه قبوله إجماعا؛ لما يلحقه من المنة في ذلك. فلو كان رجل وهب لأبيه مالا فقد قال الشافعي : يلزمه قبوله؛ لأن ابن الرجل من كسبه ولا منة عليه في ذلك. وقال مالك وأبو حنيفة : لا يلزمه قبوله؛ لأن فيه سقوط حرمة الأبوة؛ إذ يقال : قد جزاه وقد وفاه. والله أعلم. التاسعة: قوله تعالى {ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} قال ابن عباس وغيره : المعنى ومن كفر بفرض الحج ولم يره واجبا. وقال الحسن البصري وغيره : إن من ترك الحج وهو قادر عليه فهو كافر. وروى الترمذي عن الحارث عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا وذلك أن الله يقول في كتابه ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا). قال أبو عيسى : (هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وفي إسناده مقال، وهلال بن عبدالله مجهول، والحارث يضعف). وروي نحوه عن أبي أمامة وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما. وعن عبد خير بن يزيد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته : (يا أيها الناس إن الله فرض عليكم الحج على من استطاع إليه سبيلا ومن لم يفعل فليمت على أي حال شاء إن شاء يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا إلا أن يكون به عذر من مرض أو سلطان جائر ألا نصيب له في شفاعتي ولا ورود حوضي). وقال ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من كان عنده مال يبلغه الحج فلم يحج أو عنده مال تحل فيه الزكاة فلم يزكه سأل عند الموت الرجعة). فقيل يا ابن عباس إنا كنا نرى هذا للكافرين. فقال : أنا أقرأ عليكم به قرآنا {يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون. وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين}[المنافقون : 9 - 10]. قال الحسن بن صالح في تفسيره : فأزكى وأحج. وعن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا سأله عن الآية فقال : (من حج لا يرجو ثوابا أو جلس لا يخاف عقابا فقد كفر به). وروى قتادة عن الحسن قال : قال عمر رضي الله عنه : لقد هممت أن أبعث رجالا إلى الأمصار فينظرون إلى من كان له مال ولم يحج فيضربون عليه الجزية؛ فذلك قوله تعالى {ومن كفر فإن الله غني عن العالمين}. قلت : هذا خرج مخرج التغليظ؛ ولهذا قال علماؤنا : تضمنت الآية أن من مات ولم يحج وهو قادر فالوعيد يتوجه عليه، ولا يجزئ أن يحج عنه غيره؛ لأن حج الغير لو أسقط عنه الفرض لسقط عنه الوعيد. والله أعلم. وقال سعيد بن جبير : لو مات جار لي وله ميسرة ولم يحج لم أصلّ عليه.

التفسير الميسّر:

في هذا البيت دلالات ظاهرات أنه من بناء إبراهيم، وأن الله عظَّمه وشرَّفه، منها: مقام إبراهيم عليه السلام، وهو الحَجَر الذي كان يقف عليه حين كان يرفع القواعد من البيت هو وابنه إسماعيل، ومن دخل هذا البيت أَمِنَ على نفسه فلا يناله أحد بسوء. وقد أوجب الله على المستطيع من الناس في أي مكان قَصْدَ هذا البيت لأداء مناسك الحج. ومن جحد فريضة الحج فقد كفر، والله غني عنه وعن حجِّه وعمله، وعن سائر خَلْقه.

تفسير السعدي

أي: أدلة واضحات، وبراهين قاطعات على أنواع من العلوم الإلهية والمطالب العالية، كالأدلة على توحيده ورحمته وحكمته وعظمته وجلاله وكمال علمه وسعة جوده، وما مَنَّ به على أوليائه وأنبيائه، فمن الآيات { مقام إبراهيم } يحتمل أن المراد به المقام المعروف وهو الحجر الذي كان يقوم عليه الخليل لبنيان الكعبة لما ارتفع البنيان، وكان ملصقا في جدار الكعبة، فلما كان عمر رضي الله عنه وضعه في مكانه الموجود فيه الآن، والآية فيه قيل أثر قدمي إبراهيم، قد أثرت في الصخرة وبقي ذلك الأثر إلى أوائل هذه الأمة، وهذا من خوارق العادات، وقيل إن الآية فيه ما أودعه الله في القلوب من تعظيمه وتكريمه وتشريفه واحترامه، ويحتمل أن المراد بمقام إبراهيم أنه مفرد مضاف يراد به مقاماته في مواضع المناسك كلها، فيكون على هذا جميع أجزاء الحج ومفرداته آيات بينات، كالطواف والسعي ومواضعها، والوقوف بعرفة ومزدلفة، والرمي، وسائر الشعائر، والآية في ذلك ما جعله الله في القلوب من تعظيمها واحترامها وبذل نفائس النفوس والأموال في الوصول إليها وتحمل كل مشقة لأجلها، وما في ضمنها من الأسرار البديعة والمعاني الرفيعة، وما في أفعالها من الحكم والمصالح التي يعجز الخلق عن إحصاء بعضها، ومن الآيات البينات فيها أن من دخله كان آمنا شرعا وقدرا، فالشرع قد أمر الله رسوله إبراهيم ثم رسوله محمد باحترامه وتأمين من دخله، وأن لا يهاج، حتى إن التحريم في ذلك شمل صيودها وأشجارها ونباتها، وقد استدل بهذه الآية من ذهب من العلماء أن من جنى جناية خارج الحرم ثم لجأ إليه أنه يأمن ولا يقام عليه الحد حتى يخرج منه، وأما تأمينها قدرا فلأن الله تعالى بقضائه وقدره وضع في النفوس حتى نفوس المشركين به الكافرين بربهم احترامه، حتى إن الواحد منهم مع شدة حميتهم ونعرتهم وعدم احتمالهم للضيم يجد أحدهم قاتل أبيه في الحرم فلا يهيجه، ومن جعله حرما أن كل من أراده بسوء فلا بد أن يعاقبه عقوبة عاجلة، كما فعل بأصحاب الفيل وغيرهم، وقد رأيت لابن القيم هاهنا كلاما حسنا أحببت إيراده لشدة الحاجة إليه قال فائدة: { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } "حج البيت" مبتدأ وخبره في أحد المجرورين قبله، والذي يقتضيه المعنى أن يكون في قوله: "على الناس" لأنه وجوب، والوجوب يقتضي "على" ويجوز أن يكون في قوله: "ولله" لأنه متضمن الوجوب والاستحقاق، ويرجح هذا التقدير أن الخبر محط الفائدة وموضعها، وتقديمه في هذا الباب في نية التأخير، فكان الأحسن أن يكون "ولله على الناس" . ويرجح الوجه الأول بأن يقال قوله: "حج البيت على الناس" أكثر استعمالا في باب الوجوب من أن يقال: "حج البيت لله" أي: حق واجب لله، فتأمله. وعلى هذا ففي تقديم المجرور الأول وليس بخبر فائدتان: إحداهما: أنه اسم للموجب للحج، فكان أحق بالتقديم من ذكر الوجوب، فتضمنت الآية ثلاثة أمور مرتبة بحسب الوقائع: أحدها: الموجب لهذا الفرض فبدأ بذكره، والثاني: مؤدي الواجب وهو المفترض عليه وهم الناس، والثالث: النسبة، والحق المتعلق به إيجابا وبهم وجوبا وأداء، وهو الحج. والفائدة الثانية: أن الاسم المجرور من حيث كان اسما لله سبحانه، وجب الاهتمام بتقديمه تعظيما لحرمة هذا الواجب الذي أوجبه، وتخويفا من تضييعه، إذ ليس ما أوجبه الله سبحانه بمثابة ما يوجبه غيره. وأما قوله: "مَنْ" فهي بدل، وقد استهوى طائفة من الناس القول بأنها فاعل بالمصدر، كأنه قال: أن يحج البيت من استطاع إليه سبيلا، وهذا القول يضعف من وجوه، منها: أن الحج فرض عين، ولو كان معنى الآية ما ذكره لأفهم فرض الكفاية، لأنه إذا حج المستطيعون برئت ذمم غيرهم، لأن المعنى يؤل إلى: ولله على الناس حج البيت مستطيعهم، فإذا أدى المستطيعون الواجب لم يبق واجبا على غير المستطيعين، وليس الأمر كذلك، بل الحج فرض عين على كل أحد، حج المستطيعون أو قعدوا، ولكن الله سبحانه عذر غير المستطيع بعجزه عن أداء الواجب، فلا يؤاخذه به ولا يطالبه بأدائه، فإذا حج سقط الفرض عن نفسه، وليس حج المستطيعين بمسقط الفرض عن العاجزين، وإذا أردت زيادة إيضاح، فإذا قلت: واجب على أهل هذه الناحية أن يجاهد منهم الطائفة المستطيعون للجهاد، فإذا جاهدت تلك الطائفة انقطع تعلق الوجوب في غيرهم، وإذا قلت واجب على الناس كلهم أن يجاهد منهم المستطيع، كان الوجوب متعلقا بالجميع وعذر العاجز بعجزه، ففي نظم الآية على هذا الوجه دون أن يقال: ولله حج البيت على المستطيعين، هذه النكتة البديعة فتأملها. الوجه الثاني: أن إضافة المصدر إلى الفاعل إذا وجد أولى من إضافته إلى المفعول ولا يعدل عن هذا الأصل إلا بدليل منقول، فلو كان من هو الفاعل لأضيف المصدر إليه فكان يقال: "ولله على الناس حج مَنْ استطاع" وحمله على باب "يعجبني ضرب زيد عمرا" وفيما يفصل فيه بين المصدر وفاعله المضاف إليه بالمفعول والظرف حمل على المكتوب المرجوح، وهي قراءة ابن عامر ( قتل أولادهم شركائهم )، فلا يصار إليه.وإذا ثبت أن "من" بدل بعض من كل وجب أن يكون في الكلام ضمير يعود إلى "الناس" كأنه قيل: من استطاع منهم، وحذف هذا الضمير في أكثر الكلام لا يحسن، وحسنه هاهنا أمور منها: أن "من" واقعة على من لا يعقل، كالاسم المبدل منه فارتبطت به، ومنها: أنها موصولة بما هو أخص من الاسم الأول، ولو كانت الصلة أعم لقبح حذف الضمير العائد، ومثال ذلك إذا قلت: رأيت إخوتك من ذهب إلى السوق منهم، كان قبيحا، لأن الذاهب إلى السوق أعم من الإخوة، وكذلك لو قلت: البس الثياب ما حسن وجمل، يريد منها، ولم يذكر الضمير كان أبعد في الجواز، لأن لفظ ما حسن أعم من الثياب. وباب البعض من الكل أن يكون أخص من المبدل منه، فإذا كان أعم وأضفته إلى ضمير أو قيدته بضمير يعود إلى الأول ارتفع العموم وبقي الخصوص، ومما حسن حذف المضاف في هذه أيضا مع ما تقدم طول الكلام بالصلة والموصول. وأما المجرور من قوله "لله" فيحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون في موضع من سبيل، كأنه نعت نكرة قدم عليها، لأنه لو تأخر لكان في موضع النعت لسبيل، والثاني: أن يكون متعلقا بسبيل، فإن قلت: كيف يتعلق به وليس فيه معنى الفعل؟ قيل: السبيل لما كان عبارة هاهنا عن الموصل إلى البيت من قوت وزاد ونحوهما، كان فيه رائحة الفعل، ولم يقصد به السبيل الذي هو الطريق، فصلح تعلق المجرور به، واقتضى حسن النظم وإعجاز اللفظ تقديم المجرور وإن كان موضعه التأخير، لأنه ضمير يعود على البيت، والبيت هو المقصود به الاعتناء، وهم يقدمون في كلامهم ما هم به أهم وببيانه أعني هذا تقرير السهيلي، وهذا بعيد جدا بل الصواب في متعلق الجار والمجرور وجه آخر أحسن من هذين، ولا يليق بالآية سواه، وهو الوجوب المفهوم من قوله "على الناس" أي: يجب لله على الناس الحج، فهو حق واجب لله، وأما تعليقه بالسبيل وجعله حالا منها، ففي غاية البعد فتأمله، ولا يكاد يخطر بالبال من الآية، وهذا كما تقول: لله عليك الصلاة والزكاة والصيام. ومن فوائد الآية وأسرارها أنه سبحانه إذا ذكر ما يوجبه ويحرمه يذكره بلفظ الأمر والنهي، وهو الأكثر، وبلفظ الإيجاب والكتابة والتحريم نحو { كتب عليكم الصيام } { حرمت عليكم الميتة } { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم } وفي الحج أتى بهذا اللفظ الدال على تأكد الوجوب من عشرة أوجه، أحدها أنه قدم اسمه تعالى وأدخل عليه لام الاستحقاق والاختصاص ثم ذكر من أوجبه عليهم بصيغة العموم الداخلة عليها حرف على أبدل منه أهل الاستطاعة، ثم نكر السبيل في سياق الشرط إيذانا بأنه يجب الحج على أي: سبيل تيسرت، من قوت أو مال، فعلق الوجوب بحصول ما يسمى سبيلا، ثم أتبع ذلك بأعظم التهديد بالكفر فقال { ومن كفر } أي: لعدم التزامه هذا الواجب وتركه ثم عظم الشأن وأكد الوعيد بإخباره ما يستغنى به عنه، والله تعالى هو الغني الحميد، ولا حاجة به إلى حج أحد، وإنما في ذكر استغنائه عنه هنا من الإعلام بمقته له وسخطه عليه وإعراضه بوجهه عنه ما هو أعظم التهديد وأبلغه، ثم أكد ذلك بذكر اسم "العالمين" عموما، ولم يقل: فإن الله غني عنه، لأنه إذا كان غنيا عن العالمين كلهم فله الغنى الكامل التام من كل وجه بكل اعتبار، فكان أدل لعظم مقته لتارك حقه الذي أوجبه عليه، ثم أكد هذا المعنى بأداة "إن" الدالة على التأكيد، فهذه عشرة أوجه تقتضي تأكد هذا الفرض العظيم. وتأمل سر البدل في الآية المقتضي لذكر الإسناد مرتين، مرة بإسناده إلى عموم الناس، ومرة بإسناده إلى خصوص المستطيعين، وهذا من فوائد البدل تقوية المعنى وتأكيده بتكرر الإسناد ولهذا كان في نية تكرار العامل وإعادته. ثم تأمل ما في الآية من الإيضاح بعد الإبهام والتفصيل بعد الإجمال، وكيف تضمن ذلك إيراد الكلام في صورتين وخلتين، اعتناء به وتأكيد لشأنه، ثم تأمل كيف افتتح هذا الإيجاب بذكر محاسن البيت وعظم شأنه بما تدعوا النفوس إلى قصده وحجه وان لم يطلب ذلك منها، فقال: { إن أول بيت } إلخ، فوصفه بخمس صفات: أحدها كونه أسبق بيوت العالم وضع في الأرض، الثاني: أنه مبارك، والبركة كثرة الخير ودوامه، وليس في بيوت العالم أبرك منه ولا أكثر خيرا ولا أدوم ولا أنفع للخلائق، الثالث: أنه هدى، ووصفه بالمصدر نفسه مبالغة، حتى كأنه نفس الهدى، الرابع ما تضمن من الآيات البينات التي تزيد على أربعين آية، الخامس: الأمن الحاصل لداخله، وفي وصفه بهذه الصفات دون إيجاب قصده ما يبعث النفوس على حجه وإن شطت بالزائرين الديار وتناءت بهم الأقطار، ثم أتبع ذلك بصريح الوجوب المؤكد بتلك التأكيدات، وهذا يدل على الاعتناء منه سبحانه لهذا البيت العظيم، والتنويه بذكره، والتعظيم لشأنه، والرفعة من قدره، ولو لم يكن له شرف إلا إضافته إياه إلى نفسه بقوله { وطهر بيتي } لكفى بهذه الإضافة فضلا وشرفا، وهذه الإضافة هي التي أقبلت بقلوب العالمين إليه، وسلبت نفوسهم حباله وشوقا إلى رؤيته، فهذه المثابة للمحبين يثوبون إليه ولا يقضون منه وطرا أبدا، كلما ازدادوا له زيارة ازدادوا له حبا وإليه اشتياقا، فلا الوصال يشفيهم ولا البعاد يسليهم، كما قيل: أطوف به والنفس بعد مشوقة إليه وهل بعـد الطـواف تداني وألثم منه الركـن أطلـب برد ما بقلبي من شـوق ومن هيمان فـوالله مـا ازداد إلا صبــابة ولا القــلب إلا كثرة الخفقان فيـا جنة المأوى ويا غاية المنى ويا منيتي من دون كل أمـان أبت غلبـات الشـوق إلا تقـربا إليـك فمـا لي بالبـعاد يدان ومـا كان صدى عنك صد ملالة ولي شـاهد من مقلتي ولسان دعوت اصطباري عنك بعدك والبكا فلبى البكا والصبر عنك عصاني وقـد زعموا أن المـحب إذا نأى سيبلى هـواه بعد طـول زمان ولـو كان هذا الزعم حقا لكان ذا دواء الهوى في الناس كل زمان بلى إنـه يبلـى والهـوى عـلى حاله لم يبله الملـوان وهذا محـب قاده الشوق والهوى بغـير زمـام قائد وعنــان أتاك عـلى بعد المـزار ولو ونت مطيته جــاءت به القـدمان انتهى كلامه رحمه الله تعالى.


تفسير البغوي

( فيه آيات بينات ) قرأ ابن عباس ( آية بينة ) على الواحدان ، وأراد مقام إبراهيم وحده ، وقرأ الآخرون ( آيات بينات ) بالجمع فذكر منها مقام إبراهيم [ وهو الحجر ] الذي قام عليه إبراهيم ، وكان أثر قدميه فيه فاندرس من كثرة المسح بالأيدي ، ومن تلك الآيات : الحجر الأسود والحطيم وزمزم والمشاعر كلها ، وقيل : مقام إبراهيم جميع الحرم ، ومن الآيات في البيت أن الطير تطير فلا تعلو فوقه ، وأن الجارحة إذا قصدت صيدا فإذا دخل الصيد الحرم كفت عنه ، وإنه بلد صدر إليه الأنبياء والمرسلون والأولياء والأبرار ، وإن الطاعة والصدقة فيها تضاعف بمائة ألف .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أبو محمد الحسن بن أحمد المخلدي ، أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج ، أخبرنا أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري ، أنا مالك بن أنس عن زيد بن رباح وعبيد الله بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله الأغر عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام " .

قوله عز وجل : ( ومن دخله كان آمنا ) من أن يحاج فيه ، وذلك بدعاء إبراهيم عليه السلام حيث قال : رب اجعل هذا بلدا آمنا وكانت العرب في الجاهلية يقتل بعضهم بعضا ويغير بعضهم على بعض ومن دخل الحرم أمن من القتل والغارة ، وهو المراد من الآية على قول الحسن وقتادة وأكثر المفسرين قال الله تعالى : " أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم " ( سورة العنكبوت الآية 67 ) وقيل : المراد به أن من دخله عام عمرة القضاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كان آمنا ، كما قال تعالى : " لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين " ( سورة الفتح الآية 27 ) وقيل : هو خبر بمعنى الأمر تقديره : ومن دخله فأمنوه ، كقوله تعالى : " فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج " ( البقرة - 197 ) أي : لا ترفثوا ولا تفسقوا ، حتى ذهب بعض أهل العلم إلى أن من وجب عليه القتل قصاصا أو حدا فالتجأ إلى الحرم فلا يستوفى منه فيه ، ولكنه [ لا يطعم ] ولا يبايع ولا يشارى حتى يخرج منه فيقتل ، قاله ابن عباس ، وبه قال أبو حنيفة ، وذهب قوم إلى أن القتل الواجب بالشرع يستوفى فيه أما إذا ارتكب الجريمة في الحرم يستوفى فيه عقوبته بالاتفاق .

وقيل : معناه ومن دخله معظما له متقربا إلى الله عز وجل كان آمنا يوم القيامة من العذاب .

قوله عز وجل : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) أي : ولله فرض واجب على الناس حج البيت ، قرأ أبو جعفر وحمزة والكسائي وحفص ( حج البيت ) بكسر الحاء في هذا الحرف خاصة ، وقرأ الآخرون بفتح الحاء ، وهي لغة أهل الحجاز ، وهما لغتان فصيحتان ومعناهما واحد .

والحج أحد أركان الإسلام ، أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أنا عبد الله بن موسى ، أنا حنظلة بن أبي سفيان ، عن عكرمة بن خالد ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان .

قال أهل العلم : ولوجوب الحج خمس شرائط : الإسلام والعقل والبلوغ والحرية والاستطاعة ، فلا يجب على الكافر ولا على المجنون ، ولو حجا بأنفسهما لا يصح لأن الكافر ليس من أهل القربة ولا حكم [ لفعل ] المجنون ، ولا يجب على الصبي ولا على العبد ، ولو حج صبي يعقل ، أو عبد يصح حجهما تطوعا لا يسقط به فرض الإسلام عنهما فلو بلغ الصبي ، أو عتق العبد بعدما حج واجتمع في حقه شرائط [ وجوب ] الحج وجب عليه أن يحج ثانيا ، ولا يجب على غير المستطيع ، لقوله تعالى : ( من استطاع إليه سبيلا ) غير أنه لو تكلف فحج يسقط عنه فرض الإسلام .

والاستطاعة نوعان ، أحدهما : أن يكون مستطيعا [ بنفسه ] والآخر : أن يكون مستطيعا بغيره ، أما الاستطاعة بنفسه أن يكون قادرا بنفسه على الذهاب ووجد الزاد والراحلة ، أخبرنا عبد الواحد بن محمد الكسائي الخطيب ، ثنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، ثنا أبو العباس الأصم ، أخبرنا الربيع بن سليمان ، أخبرنا الشافعي ، أخبرنا سعيد بن سالم ، عن إبراهيم بن يزيد ، عن محمد بن عباد بن جعفر ، قال : قعدنا إلى عبد الله ابن عمر فسمعته يقول : سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما الحاج؟ قال : " الشعث التفل " فقام رجل آخر فقال : يا رسول الله : أي الحج أفضل؟ قال : " العج والثج " فقام رجل آخر فقال : يا رسول الله ما السبيل؟ قال : " زاد وراحلة " .

وتفصيله : أن يجد راحلة تصلح لمثله ، ووجد الزاد للذهاب والرجوع ، فاضلا عن نفقة عياله ومن تلزمه نفقتهم وكسوتهم لذهابه ورجوعه ، وعن دين يكون عليه ، ووجد رفقة يخرجون في وقت جرت عادة أهل بلده بالخروج في ذلك الوقت ، فإن خرجوا قبله أو أخروا الخروج إلى وقت لا يصلون إلا أن يقطعوا كل يوم أكثر من مرحلة لا يلزمهم الخروج [ في ذلك الوقت ] ويشترط أن يكون الطريق آمنا فإن كان فيه خوف من عدو مسلم أو كافر أو رصدي يطلب شيئا لا يلزمه ، ويشترط أن تكون المنازل المأهولة معمورة يجد فيها الزاد والماء ، فإن كان زمان جدوبة تفرق أهلها أو غارت مياهها فلا يلزمه ، ولو لم يجد الراحلة لكنه قادر على المشي ، أو لم يجد الزاد ولكن يمكنه أن يكتسب في الطريق لا يلزمه الحج ، ويستحب لو فعل ، وعند مالك يلزمه .

أما الاستطاعة بالغير هو : أن يكون الرجل عاجزا بنفسه ، بأن كان زمنا أو به مرض غير مرجو الزوال ، لكن له مال يمكنه أن يستأجر من يحج عنه ، يجب عليه أن يستأجر ، أو لم يكن له مال لكن بذل له ولده أو أجنبي الطاعة في أن يحج عنه ، يلزمه أن يأمره إذا كان يعتمد صدقه ، لأن وجوب الحج [ يتعلق ] بالاستطاعة ، ويقال في العرف : فلان مستطيع لبناء دار وإن كان لا يفعله بنفسه ، وإنما يفعله بماله أو بأعوانه .

وعند أبي حنيفة لا يجب الحج ببذل الطاعة ، وعند مالك لا يجب على المعضوب في المال .

وحجة من أوجبه ما أخبرنا أبو الحسن السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي ، أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عباس أنه قال : كان الفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه ، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر ، فقالت : يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال : " نعم " .

قوله تعالى : ( ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ) قال ابن عباس والحسن وعطاء : جحد فرض الحج ، وقال مجاهد : من كفر بالله واليوم الآخر .

وقال سعيد بن المسيب : نزلت في اليهود حيث قالوا : الحج إلى مكة غير واجب .

وقال السدي : هو من وجد ما يحج به ثم لم يحج حتى مات فهو كفر به أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرنا أبو الحسن الكلماتي ، أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر ، أخبرنا سهل بن عمار ، أخبرنا يزيد بن هارون ، أخبرنا شريك ، عن الليث عن عبد الرحمن بن سابط ، عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من لم تحبسه حاجة ظاهرة أو مرض حابس أو سلطان جائر ، ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا " .


الإعراب:

(فِيهِ) متعلقان بالخبر المحذوف (آياتٌ) مبتدأ (بَيِّناتٌ) صفة (مَقامُ) خبر لمبتدأ محذوف تقديره هي أو مبتدأ والتقدير منها مقام إبراهيم وقيل بدل من آيات (إِبْراهِيمَ) مضاف إليه مجرور بالفتحة للعلمية والعجمة والجملة استئنافية.

(وَمَنْ دَخَلَهُ) الواو للاستئناف من اسم شرط جازم دخله فعل ماض ومفعول به والفاعل مستتر، وجملة من مستأنفة (كانَ آمِنًا) كان وخبرها واسمها ضمير مستتر وهي في محل جزم فعل الشرط وفعل الشرط وجوابه خبر المبتدأ من (وَلِلَّهِ) لفظ الجلالة مجرور باللام ومتعلقان بمحذوف خبر وكذلك (عَلَى النَّاسِ) (حِجُّ) مبتدأ (الْبَيْتِ) مضاف إليه (مَنِ اسْتَطاعَ) من اسم موصول في محل جر بدل من الناس وجملة استطاع صلة الموصول (إِلَيْهِ) متعلقان باستطاع.

(سَبِيلًا) مفعول به.

(وَمَنْ كَفَرَ) الواو للاستئناف من اسم شرط مبتدأ وكفر فعل الشرط (فَإِنَّ الله غَنِيٌّ) إن ولفظ الجلالة اسمها وغني خبرها والجملة في محل جزم جواب الشرط (عَنِ الْعالَمِينَ) متعلقان بغني.

---

Traslation and Transliteration:

Feehi ayatun bayyinatun maqamu ibraheema waman dakhalahu kana aminan walillahi AAala alnnasi hijju albayti mani istataAAa ilayhi sabeelan waman kafara fainna Allaha ghaniyyun AAani alAAalameena

بيانات السورة

اسم السورة سورة آل عمران (Al-i'Imran - Family of Imran)
ترتيبها 3
عدد آياتها 200
عدد كلماتها 3503
عدد حروفها 14605
معنى اسمها عِمرَانُ: رَجُلٌ صَالِحٌ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالمُرَادُ بِـ(آلِ عِمْرَانَ): عِيسَى وَأُمُّهُ مَريَمُ وَيَحْيَى عليه السلام
سبب تسميتها ذِكْرُ قِصَّةِ آلِ عِمْرَانَ، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى المَقصِدِ العَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا
أسماؤها الأخرى اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (آلِ عِمرَانَ)، وَتُسَمَّى سُورَةَ (الكَنـْزِ)، وَسُورَةَ (الأَمَانِ)، وَتُلقَّبُ بِـ(الزَّهْرَاءِ)
مقاصدها بَيانُ الأَدِلَّةِ وَالبَرَاهِينَ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللهِ وَأَحْكَامِ الجِهَادِ وغَيرِهِ، وَردِّ شُبُهَاتِ النَّصَارَى
أسباب نزولها سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنْقَل سَبَبٌ ِلنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِهَا سَبَبُ نُزُولٍ
فضلها تُحَاجُّ عَنْ صَاحِبِهَا يَومَ القِيَامَةِ، قَالَ ﷺ: «اقرَؤوا الزَّهْرَاوَيْنِ: البَقرةَ، وآلَ عِمرانَ؛ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ -أي سَحَابتانِ- أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِما». (رَوَاهُ مُسْلِم). هِيَ مِنَ السَّبعِ، قَالَ ﷺ: «مَنْ أخَذَ السَّبعَ الْأُوَلَ مِنَ القُرآنِ فَهُوَ حَبْرٌ» أَيْ: عَالِم. (حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحمَد)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (آلِ عِمْرَانَ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنِ الكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ وَالإِشَارَةُ إِلَيهَا. فَقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿نَزَّلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ﴾ ...الآيَاتِ،وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ﴾ ...الآيَاتِ. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (آلِ عِمْرانَ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (البَقَرَةِ): ذِكْرُ دُعَاءِ الْمُؤْمِنِينَ فِي خَوَاتِيم سُورَةِ (البَقَرَةِ) وفي أوَّلِ سُورَةِ (آلِ عِمْرَانَ).
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


Bazı içeriklerin Arapçadan Yarı Otomatik olarak çevrildiğini lütfen unutmayın!