الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() «حضرة الجبروت و هي للاسم الجبار»الجبر أصل يعم الكون أجمعه *** فما ترى غير مجبور لمجبور العلم يجبر من كنا نعظمه *** و هذه نفثة من صدر مصدور لولاه ما وجدت أعياننا و بدت *** أكواننا بين مطوي و منشور [الإجبار في الأعزاء]و المتخلق بهذا الاسم يسمى عبد الجبار هذه الحضرة لها الإجبار في الأعزاء و لا أثر لها إلا فيهم فحضرتها عظيمة في الفعل و لكن لا أثر لها في الأعزاء من جهة المعنى الذي وقعت للأشياء به العزة لا أثر لها في ذلك و لكن أثرها في الأعزاء لقبولهم لما لا عزة لهم فيه و من هنالك يقبلون التأثير فاعلم ذلك [حكم الجبروت في الملكوت]اعلم أن العزيز إذا نظر إلى ما هو به عزيز و إنه من المحال قبوله للتأثير فيه من ذلك الوجه و لا يعلم عند شهوده ذلك أن فيه ما يقبل التأثير من غير هذا الوجه فيدعي المنع و أنه في حمى لا ينتهك فهنا يظهر حكم الجبروت في الملكوت فإذا أحس العزيز بالجبر نظر عند ذلك من أين أتى عليه فما ظهر له إلا من جهله بذاته و إنه مركب من حقائق تقبل التأثير و حقائق لا تقبل التأثير فإن كان عاقلا بادر ليحصل له الثناء في تلك المبادرة و يبقى الامتناع في باب الاحتمال عند الأجنبي عن مشاهدة هذه الحقائق و إن تعاظم حكم الجبر عليه فيتصرف فيه في اختياره و هو أعظم الحجب و أكثفها فمن شاهد الجبر في الاختيار علم إن المختار مجبور في اختياره فليس للجبروت حكم أعظم من هذا الحكم و من دخل هذه الحضرة و كانت حاله عظم إحسانه في العالم حتى ينفعل له جميع العالم بل ينفعل له الوجود كله اختيارا من المنفعل و هو عن جبر لا يشعر به كل أحد فهو جبر الإحسان و التواضع فإنه يدعوه إلى الانقياد إليه أحد أمرين في المخلوقين بل في الموجودات و هو الطمع أو الحياء فالطامع إذا رأى الإحسان ابتداء من غير استحقاق أطمعه في الزيادة منه إذا جاء إليه بما يمكن أن يكون معه الإحسان و إنما تفعل النفس ذلك حتى يكون الإحسان ﴿جَزٰاءً وِفٰاقاً﴾ [النبإ:26] لأنها تكره المنة عليها لما خلقت و جبلت عليه النفوس من حب النفاسة و صاحب الحياء يمنعه الحياء بما غمره من الإحسان أن يعتاص على المحسن فيما يدعوه إليه فهو مجبور بالإحسان في إتيانه و قبوله لما يريده منه هذا المحسن حياء و وفاء و ليجعل ذلك أيضا جزاء لإحسانه الأول حتى يزول عن حكم المنة و هذا من دسائس النفوس فلا جبر أعظم من جبر الإحسان لمن سلك سبيله ﴿وَ قَلِيلٌ مٰا هُمْ﴾ [ص:24] و أما الجبر بطريق القهر و المغالبة فهو و إن قبل في الظاهر و لم يقدر على الامتناع و المقاومة المجبور لضعفه فإنه لا يقبل الجبر بباطنه فلا أثر له إلا في الظاهر بخلاف جبر المحسن فإن له الأثر الحاكم في الظاهر و الباطن بحكم الطمع أو الحياء أو الجزاء كما قررنا و أما الجبر الذاتي فهو عن التجلي في العظمة الحاكمة على كل نفس فتذهل عن ذاتها و عزتها و تعلم عند ذلك أنها مجبورة بالذات فلا تجهل نفسها فالعارف هنا ينظر من الحاكم عليه فلا يجد إلا قيام العظمة به فيعلم أنه ما حكم عليه إلا ما قام به و ما قام به إلا محدث فيعظم عنده الجبر فيعلم عند ذلك جبروت الحق و أما جبروت العبد بمثل هذه الصفة فممقوت عند اللّٰه لأنه ليس له ذلك و لا يستحقه و إنما جبر المخلوق في المخلوق بالإحسان خاصة و ذلك هو الجبر المحمود شرعا و عقلا و كل عبد أظهر القهر في العالم بغير صفة الحق و أمره فهو جاهل في غاية الجهل و لهذه الحضرة الجبروتية حكمان أو وجهان كيف شئت قل الوجه الواحد العظمة و هو قول أبي طالب المكي و غيره ممن يقول بقوله و الوجه الآخر البرزخية فلهذا المقام الجمع بين الطرفين بما هو برزخ فيعلم نفسه و يعلم بطرفيه ما هو به برزخ بين شيئين فيكون جامعا من هذا الوجه عالي المقام و بين فضله على الطرفين فإن كل طرف لا يعلم منه إلا الوجه الذي يليه فهو عالم أعني الجبروت إن شاء تجلى في صورة برزخية و إن شاء تجلى في صورة إحدى طرفيها كيف شاء تجلى فيكون شبهه بالحق أتم و نسبة هذا الجبروت إلى الحق نسبة لطيفة لا يشعر بها كثير من الناس و هو أن الحق بين الخلق و بين ذاته الموصوفة بالغنى عن العالمين فالألوهة في الجبروت البرزخى فتقابل الخلق بذاتها و تقابل الذات بذاتها و لهذا لها التجلي في الصور الكثيرة و التحول فيها و التبدل فلها إلى الخلق وجه به يتجلى في صور الخلق و لها إلى الذات وجه به تظهر للذات فلا يعلم المخلوق الذات إلا من وراء هذا البرزخ و هو الألوهة و لا تحكم الذات في المخلوق بالخلق إلا بهذا البرزخ و هو الألوهة و تحققناها فما |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |