الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() وجدناها سوى ما ندعوه به من الأسماء الحسنى فليس للذات جبر في العالم إلا بهذه الأسماء الإلهية و لا يعرف العالم من الحق غير هذه الأسماء الإلهية الحسنى و هي أعيان هذه الحضرات التي في هذه الباب فهذا قد أنبأناك بالجبروت الإلهي ما هو على الاقتصار و الاختصار ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] «حضرة كسب الكبرياء و هو للاسم المتكبر»إن التكبر من يقوم بنفسه *** كبر فكن عبدا به متكبرا يزهو و يخطر في العداء بنفسه *** متجردا عن كبره متبصرا كأبي دجانة حين أشهر سيفه *** يمشي به بين العدا متبخترا [إن الكبرياء رداء اللّٰه]يدعى صاحب هذه الحضرة عبد المتكبر و هو اسم غريب غير متعارف و إنما يعرف الناس عبد الكبير و قال اللّٰه عز و جل ﴿كَذٰلِكَ يَطْبَعُ اللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبّٰارٍ﴾ [غافر:35] لم يقل كبير فإن التكبر لا يكتسبه الكبير و إنما يكتسبه الأدنى في الرتبة فيكسب العبد الكبرياء بما هو الحق صفته فالكبرياء لله لا للعبد فهو محمود مشكور في كبريائه و تكبره و يكسب الحق هذا الاسم فإنه تعالى ذكر عن نفسه أنه متكبر و ذلك لنزوله تعالى إلى عباده في خلقه آدم بيديه و غرسه شجرة طوبى بيده و كونه يمينه الحجر الأسود و في يد المبايع بالإمامة من الرسل في قوله ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبٰايِعُونَكَ إِنَّمٰا يُبٰايِعُونَ اللّٰهَ﴾ [الفتح:10] و نزوله «في قوله جعت فلم تطعمني و ظمئت فلم تسقني و مرضت فلم تعدني» و ما وصف الحق به نفسه مما هو عندنا من صفات المحدثات فلما تحقق بهذا النزول عندنا حتى ظن أكثر المؤمنين أن هذا له صفة استحقاق و تأولها آخرون من المؤمنين فمن اعتقد أن اتصاف الحق بهذا أن المفهوم منه ما هو المفهوم من اتصاف الخلق به [الكبرياء من ذات اللّٰه و له التكبر]أعلم الحق هذه الطائفة خاصة إنه يتكبر عن هذا أي عن المفهوم الذي فهمه القاصرون من كون نسبته إليه تعالى على حد نسبته إلى المخلوق و به يقول أهل الظاهر أهل الجمود منهم القاصرة أفهامهم عن استحقاق كل مستحق حقه فقال عن نفسه تعالى إنه الجبار المتكبر عن هذا المفهوم و إن اتصف بما اتصف به فله تعالى الكبرياء من ذاته و له التكبر عن هذا المفهوم لا عن الاتصاف لأنه لو تكبر عما وصف به نفسه مما ذكرنا لكان كذبا و الكذب في خبره محال فالاتصاف بما وصف به نفسه حق يعلمه أولو الألباب و من هذه الحضرة يكون لبعض العباد ما يجدونه في قلوبهم من كبرياء الحق مما يفقده بعضهم من ذلك من العصاة و من له اجتراء على اللّٰه و من الناس الذين يتوبون عن بعض المخالفات فيتميز عنهم من غلب على قلبه كبرياء الحق فإنه تكبر في نفس هذا العبد اكتسبه بعد أن لم يكن موصوفا بهذه الصفة فعبيد المتكبر قليل و أما الذين أجرأهم على المخالفة ما وصف الحق به نفسه من العفو و المغفرة و نهاهم عن القنوط من رحمة اللّٰه فما عندهم رائحة من نعت التكبر الإلهي الذي هو به متكبر في قلوب عباده إذ لو كبر عندهم ما اجترءوا على شيء من ذلك و لا حكمت عليهم هذه الأسماء التي أطمعتهم فإن كبرياء الحق إذ استقر في قلب العبد و هو التكبر من المحال أن تقع منه مخالفة لأمر الحق بوجه من الوجوه فإن الحكم لصاحب المحل في وقته فدل وقوع المخالفة على عدم هذا الحاكم فالحق المتكبر إنما هو في نفس هذا الموافق الطائع عبد اللّٰه على الحقيقة و هذا أعلى الوجوه لهذه الحضرة في تكسب الكبرياء حتى إن العبد المقدر عليه وقوع المحظور إذا اتفق أن يقع منه بحكم القدر المحتوم و سلب العقل عنه و ظهور سلطان الغفلة و انتزاح الايمان منه حتى يصير عليه كالظلة يأتي هذا الأمر و قلبه و جل مع هذا كله لإيمانه إنه إلى ربه راجع يعني هذا الفعل إذا نسبه من كونه فعلا إنه راجع إلى الحق و الحكم فيه إنه معصية أو مخالفة إنما هو للعبد فيبقى العبد المقدر عليه في و جل إن نسبه إلى الحق فيرى الحكم بالذم الإلهي يتبعه فيدركه الوجل كيف ينسب إلى اللّٰه ما يناط به الذم و إن نسبه إلى نفسه من كونه محكوما عليه بالذم فإن كونه عملا ينسب إلى اللّٰه حقيقة و أنه في التكوين لمن قال له كن فلا حكم للعبد في وجود هذا العمل فيدركه الوجل أن نسبه مع هذا العلم في التكوين إلى نفسه فيكون ممن أشرك بالله و قد نهي أن يشرك بالله شيئا و سبب هذا كله كبرياء الحق الذي اكتسبه بالنظر العقلي في نفسه فما كبر اللّٰه من عصاه |
|
||||||||
![]() |
![]() |
||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |