الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)أفوز بعلم الأدب الذي هو جماع الخير فيدخل تحت عموم قوله ﴿فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ [الطور:11] أي يقولون ﴿يٰا وَيْلَتىٰ﴾ [هود:72] و ﴿يٰا حَسْرَتىٰ﴾ [الزمر:56] و إن كانوا سعداء فإنه ﴿يَوْمُ التَّغٰابُنِ﴾ [التغابن:9] [الأولياء الفجار]و منهم الفجار فإنهم في سجين : من السجن و هم الذين حبسوا نفوسهم و سجنوها عن التصرف فيما منعوا من التصرف فيه و لا يقع التفجير إلا في محبوس ﴿عَيْناً يَشْرَبُ بِهٰا عِبٰادُ اللّٰهِ يُفَجِّرُونَهٰا تَفْجِيراً﴾ [الانسان:6] فهم الفجار جاءوا عيون المعارف التي سدها اللّٰه في العموم لكون الفطر أكثرها لا تسعد بتفجيرها لما يؤدي إليه بالنظر الفاسد من الإباحة و القول بالحلول و غير ذلك مما يشقيهم فجاءت هذه الطائفة إلى المعنى ففجرت هذه العيون لأنفسها فشربت من مائها فزادت هدى إلى هداها و بيانا إلى بيانها فسعدت و طالت و عظمت سعادتها فهذا حظ الأولياء من الفجور الذي سموا به فجار أو على هذا الأسلوب نأخذ كل صفة مذمومة بالإطلاق فتقيدها فتكون محمودة و نضع عليك اسما منها كما يسمى صاحب إطلاقها فلتتبع الكتاب العزيز و السنة في ذلك و اعمل بحسبها فإنه يعطيك النظر فيها من حيث ما وصف بها الأشقياء ما لا يعطيك من حيث ما وصف بنقيضها الأتقياء فاجعل بالك و هذا كله من بركة أم الكتاب فإنه مثل هذا النظر ما فتح لأمة من الأمم و عصمت فيه إلا لهذه الأمة و أعظم صفة في الذم الشرك [الأولياء المشركون]و منهم المشركون بالله قال تعالى ﴿إِنَّ اللّٰهَ لاٰ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾ [النساء:48] و كذا هو لأنه لو ستر لم يشرك به و هذا الاسم اللّٰه هو الذي وقع عليه الشرك فيما يتضمنه فشاركه الاسم الرحمن قال تعالى ﴿قُلِ ادْعُوا اللّٰهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمٰنَ أَيًّا مٰا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمٰاءُ الْحُسْنىٰ﴾ [الإسراء:110] فجعل للاسم اللّٰه شريكا في المعنى و هو الاسم الرحمن فالمشركون هم الذين وقعوا على الشركة في الأسماء الإلهية لأنها اشتركت في الدلالة على الذات و تميزت بأعيانها بما تدل عليه من رحمة و مغفرة و انتقام و حياة و علم و غير ذلك و إذ كان للشرك مثل هذا الوجه فقد قرب عليك مأخذ كل صفة يمكن أن تغفر فلا تجزع من أجل الشريك الذي شقي صاحبه فإن ذلك ليس بمشرك حقيقة و أنت هو المشرك على الحقيقة لأنه من شأن الشركة اتحاد العين المشترك فيه فيكون لكل واحد الحكم فيه على السواء و إلا فليس بشريك مطلق و هذا الشريك الذي أثبته الشقي لم يتوارد مع اللّٰه على أمر يقع فيه الاشتراك فليس بمشرك على الحقيقة بخلاف السعيد فإنه أشرك الاسم الرحمن بالاسم اللّٰه و بالأسماء كلها في الدلالة على الذات فهو أقوى في الشرك من هذا فإن الأول شريك دعوى كاذبة و هذا أثبت شريكا بدعوى صادقة فغفر لهذا المشرك بصدقه فيه و لم يغفر لذلك المشرك لكذبه في دعواه فهذا أولى باسم المشرك من الآخر (السؤال الخامس و الخمسون و مائة)ما معنى المغفرة التي لنبينا و قد بشر النبيين بالمغفرةالجواب الغفر الستر فستر عن الأنبياء عليهم السلام في الدنيا كونهم نوابا عن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم و كشف لهم عن ذلك في الآخرة «إذ قال أنا سيد الناس يوم القيامة» فيشفع فيهم صلى اللّٰه عليه و سلم أن يشفعوا فإن شفاعته صلى اللّٰه عليه و سلم في كل مشفوع فيه بحسب ما يقتضيه حاله من وجوه الشفاعة [المغفرة الخاصة و المغفرة العامة]فبشر النبيين بالمغفرة الخاصة و بشر محمدا صلى اللّٰه عليه و سلم بالمغفرة العامة و قد ثبتت عصمته فليس له ذنب يغفر فلم يبق إضافة الذنب إليه إلا أن يكون هو المخاطب و القصد أمته كما قيل إياك أعني فاسمعي يا جارة و كما قيل له ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمّٰا أَنْزَلْنٰا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتٰابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ و معلوم أنه ليس في شك فالمقصود من هو في شك من الأمة و كذلك ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر:65] و قد علم أنه لا يشرك فالمقصود من أشرك فهذه صفته فكذلك قيل له ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللّٰهُ مٰا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ مٰا تَأَخَّرَ﴾ [الفتح:2] و هو معصوم من الذنوب فهو المخاطب بالمغفرة و المقصود من تقدم من آدم إلى زمانه و ما تأخر من الأمة من زمانه إلى يوم القيامة فإن الكل أمته [الناس جميعا أمة محمد ﷺ من آدم إلى المهدى القائم]فإنه ما من أمة إلا و هي تحت شرع من اللّٰه و قد قررنا إن ذلك هو شرع محمد صلى اللّٰه عليه و سلم من اسمه الباطن حيث كان نبيا و آدم بين الماء و الطين و هو سيد النبيين و المرسلين فإنه سيد الناس و هم من الناس و قد تقدم تقرير هذا كله فبشر اللّٰه محمدا صلى اللّٰه عليه و سلم بقوله ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللّٰهُ مٰا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ مٰا تَأَخَّرَ﴾ [الفتح:2] بعموم رسالته إلى الناس كافة و كذلك قال إنا أرسلناك إلى الناس كافة : و ما يلزم الناس رؤية شخصه فكما وجه في زمان ظهور جسمه رسوله عليا و معاذا إلى اليمن لتبليغ الدعوة كذلك وجه الرسل و الأنبياء إلى أممهم من حين كان نبيا و آدم بين الماء و الطين فدعا الكل إلى اللّٰه |
|
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |