الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() رزق الفهم عنه تعالى و عرفه فذلك المحدث و هو من أهل الحديث و علم أن كل ما سمعه حديث بلا شك و إن اختلفت ألقابه كالسمر و المناجاة و المناغاة و الإشارات فالكلام كله حادث قديم حادث في السمع قديم في السمع فافهم (السؤال السادس و الخمسون)ما الوحيالجواب ما تقع به الإشارة القائمة مقام العبارة من غير عبارة فإن العبارة تجوز منها إلى المعنى المقصود بها و لهذا سميت عبارة بخلاف الإشارة التي هي الوحي فإنها ذات المشار إليه و الوحي هو المفهوم الأول و الإفهام الأول و لا أعجل من أن يكون عين الفهم عين الإفهام عين المفهوم منه فإن لم تحصل لك هذه النكتة فلست صاحب وحي أ لا ترى أن الوحي هو السرعة و لا سرعة أسرع مما ذكرناه [إن اللّٰه إذا تكلم بالوحي كأنه سلسة على صفوان]فهذا الضرب من الكلام يسمى وحيا و لما كان بهذه المثابة و أنه تجل ذاتي لهذا ورد في الخبر أن اللّٰه إذا تكلم بالوحي كأنه سلسلة على صفوان صعقت الملائكة و لما تجلى الرب للجبل تدكدك الجبل و هو حجاب موسى فإنه كان ناظرا إليه طاعة لأمر اللّٰه فلاح له عند تدكدك الجبل الأمر الذي جعل الجبل دكا ف ﴿خَرَّ مُوسىٰ صَعِقاً﴾ [الأعراف:143] ﴿حَتّٰى إِذٰا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قٰالُوا مٰا ذٰا قٰالَ﴾ [ سبإ:23] القائل ﴿رَبُّكُمْ﴾ [البقرة:21] قالت الملائكة الحق قالت الحقيقة ﴿وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [ سبإ:23] هذه النسبة من حيث هويته [الوحى ما يسرع أثره من كلام الحق في نفس السامع]فالوحي ما يسرع أثره من كلام الحق تعالى في نفس السامع و لا يعرف هذا إلا العارفون بالشئون الإلهية فإنها عين الوحي الإلهي في العالم و هم لا يشعرون فافهم و قد يكون الوحي إسراع الروح الإلهي الأمري بالإيمان بما يقع به الإخبار و المفطور عليه كل شيء مما لا كسب له فيه من الوحي أيضا كالمولود يتلقى ثدي أمه ذلك من أثر الوحي الإلهي إليه كما قال ﴿وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَ لٰكِنْ لاٰ تُبْصِرُونَ﴾ [الواقعة:85] و ﴿لاٰ تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ أَمْوٰاتٌ بَلْ أَحْيٰاءٌ وَ لٰكِنْ لاٰ تَشْعُرُونَ﴾ [البقرة:154] و قال تعالى ﴿وَ أَوْحىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبٰالِ بُيُوتاً وَ مِنَ الشَّجَرِ وَ مِمّٰا يَعْرِشُونَ﴾ [النحل:68] فلو لا ما فهمت من اللّٰه وحيه لما صدر منها ما صدر [الوحى أقوى سلطانا في نفس الموحى إليه من طبعه]و لهذا لا يتصور المخالف إذا كان الكلام وحيا فإن سلطانه أقوى من أن يقاوم ﴿وَ أَوْحَيْنٰا إِلىٰ أُمِّ مُوسىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذٰا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾ [القصص:7] و كذا فعلت و لم تخالف مع أن الحالة توذن أنها ألقته في الهلاك و لم تخالف و لا ترددت و لا حكمت عليها البشرية بأن إلقائه في اليم في تابوت من أخطر الأشياء فدل على أن الوحي أقوى سلطانا في نفس الموحى إليه من طبعه الذي هو عين نفسه قال تعالى ﴿وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ [ق:16] و حبل الوريد من ذاته فيا أيها الولي إذا زعمت أن اللّٰه أوحى إليك فانظر في نفسك في التردد أو المخالفة فإن وجدت لذلك أثرا بتدبير أو تفصيل أو تفكر فلست صاحب وحي فإن حكم عليك و أعماك و أصمك و حال بين فكرك و تدبيرك و أمضى حكمه فيك فذلك هو الوحي و أنت عند ذلك صاحب وحي و علمت عند ذلك أن رفعتك و علو منصبك أن تلحق بمن تقول إنه دونك من حيوان و نبات و جماد [الإنسان من حيث مجموعه جاهل بالله حتى يتعلم و من حيث تفضيله عالم به]فإن كل ما سوى مجموع الإنسان مفطور على العلم بالله إلا مجموع الإنسان و الجان فإنه من حيث تفصيله مفطور على العلم بالله كسائر ما سواهما من المخلوقات من ملك و نبات و حيوان و جماد فما من شيء فيه من شعر و جلد و لحم و عصب و دم و روح و نفس و ظفر و ناب إلا و هو عالم بالله تعالى بالفطرة بالوحي الذي تجلى له فيه و هو من حيث مجموعيته و ما لجمعيته من الحكم جاهل بالله حتى ينظر و يفكر و يرجع إلى نفسه فيعلم أن له صانعا صنعه و خالقا خلقه فلو أسمعه اللّٰه نطق جلده أو يده أو لسانه أو رجله لسمعه ناطقا بمعرفته بربه مسبحا لجلاله و مقدسا ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ بِمٰا كٰانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النور:24] و ﴿قٰالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنٰا﴾ [فصلت:21] فالإنسان من حيث تفصيله عالم بالله و من حيث جملته جاهل بالله حتى يتعلم أي يعلم بما في تفصيله فهو العالم الجاهل ﴿فَلاٰ تَعْلَمُ نَفْسٌ مٰا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ [ السجدة:17] فالإنسان من حيث تفصيله صاحب وحي و من حيث جملته لا يكون في كل وقت صاحب وحي (السؤال السابع و الخمسون)ما الفرق بين النبيين و المحدثينالجواب التكليف فإن النبوة لا بد فيها من علم التكليف و لا تكليف في حديث المحدثين جملة و رأسا هذا إن أراد أنبياء الشرائع فإن أراد أصحاب النبوة المطلقة فالمحدثون أصحاب جزء منها [النبي الذي لا شرع له فيما يوحى إليه به]فالنبي الذي لا شرع له فيما يوحى إليه به هو رأس الأولياء و جامع المقامات مقامات ما تقضيه الأسماء الإلهية مما لا شرع فيه من شرائع أنبياء التشريع الذين يأخذون بوساطة الروح الأمين من عين الملك و المحدث ما له سوى الحديث و ما ينتجه من الأحوال و الأعمال و المقامات فكل نبي محدث و ما كل محدث نبي |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |