الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() بما علمه من الأسماء التي ما تولى بها ملائكته و منها الخلافة و هي قوله ﴿إِنِّي جٰاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة:30] فإن كان قوله ﴿خَلِيفَةً﴾ [البقرة:30] لقوله ﴿وَ فِي الْأَرْضِ إِلٰهٌ﴾ [الزخرف:84] فهو نائب الحق في أرضه و عليه يقع الكلام و إن أراد بالخلافة أنه يخلف من كان فيها لما فقد فما نحن بصدد ذلك و كان المقصود النيابة عن الحق بقوله ﴿خَلِيفَةً﴾ [البقرة:30] لقولهم ﴿مَنْ يُفْسِدُ فِيهٰا وَ يَسْفِكُ الدِّمٰاءَ﴾ [البقرة:30] و هذا لا يقع إلا ممن له حكم و لا حكم إلا لمن له مرتبة التقدم و إنفاذ الأوامر [الخلافة التي هي بمعنى النيابة عن اللّٰه في خلقه]فأما مقصود السائل فإنه يريد الخلافة التي هي بمعنى النيابة عن اللّٰه في خلقه فأقامه بالاسم الظاهر و أعطاه علم الأسماء من حيث ما هي عليه من الخواص التي يكون عنها الانفعالات فيتصرف بها في العالم تصرفها فإنه لكل اسم خاصة من الفعل في الكون يعلمها من يعلم علم الحروف و ترتيبها من حيث ما هي مرقومة و من حيث ما هي متلفظ بها و من حيث ما هي متوهمة في الخيال [خاصيات الحروف مرقومة و ملفوظة و متوهمة في الخيال]فمنها ما له أثر في العالم الأعلى و تنزيل الروحانيات بها إذا ذكرت أو كتبت في عالم الحس و منها ما له أثر في العالم الجبروتي من الجن الروحاني و منها ما يؤثر ذكره في خيال كل متخيل و في حس كل ذي حس و منها ما له أثر في الجانب إلا حي الأعلى الذي هو موضع النسب و لا يعرف هذا التأثير الواحد و أسماءه إلا الأنبياء و المرسلون سلام اللّٰه عليهم و هي أسماء التشريع و العمل بتلك الشرائع هو المؤثر في هذا الجناب النسبي و هو جناب عزيز لا يشعر به جعله الحق سبحانه موضع أسراره و مجلى تجلياته و هو الذي يعطي النزول و الاستواء و المعية و الفرح و الضحك و المقدار و ما يفهم منه من الآلات التي لا تكون إلا لذوات المقادير و الكميات و الكيفيات [آدم نائب عن الاسم إله و هذا الاسم هو باطنه]و قال تعالى ﴿وَ هُوَ الَّذِي فِي السَّمٰاءِ إِلٰهٌ﴾ [الزخرف:84] فجاء بالهوية بما ينبغي أن يظهر به في السموات من الألوهية بالاسم الذي يخصها ﴿وَ فِي الْأَرْضِ إِلٰهٌ﴾ [الزخرف:84] بالاسم الذي ينبغي أن يظهر به في الأرض من كونه إلها فكان آدم نائبا عن هذا الاسم و هذا الاسم هو باطنه و هو المعلم له علم التأثيرات التي تكون عن الأسماء الإلهية التي تختص بالأرض حيث كانت خلافته فيها و هكذا هو كل خليفة فيها و لهذا قال ﴿جَعَلَكُمْ خَلاٰئِفَ فِي الْأَرْضِ﴾ [فاطر:39] أي يخلف بعضنا بعضا فيها في تلك المرتبة مع وجود التفاضل بين الخلفاء فيها و ذلك لاختلاف الأزمان و اختلاف الأحوال فيعطي هذا الحال و الزمان من الأمر ما لا يعطيه الزمان و الحال الذي كان قبله و الذي يكون بعده و لهذا اختلفت آيات الأنبياء باختلاف الأعصار فآية كل خليفة و رسول من نسبة ما هو الظاهر و الغالب على ذلك الزمان و أحوال علمائه أي شيء كان من طب أو سحر أو فصاحة و ما شاكل هذا و هو قوله ﴿وَ رَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجٰاتٍ﴾ [الأنعام:165] يقول للخلفاء ﴿لِيَبْلُوَكُمْ فِي مٰا آتٰاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقٰابِ﴾ [الأنعام:165] و ﴿إِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأنعام:165] و هاتان الصفتان لا تكونان إلا لمن بيده الحكم و الأمر و النهي [خلافة السلطنة و الملك هي التولية الإلهية]فهذا النسق يقوي أنه أراد خلافة السلطنة و الملك و هي التولية الإلهية و أعظم تأثيراتها الفعل بالهمة من حيث إن النفس ناطقة لا من حيث الحرف و الصوت المعتاد في الكلام اللفظي فإن الهمة من غير نطق النفس بالنطق الذي يليق بها و إن لم يشبه نطق اللسان لا يكون عنها انفعال بوجه من الوجوه عند جماعة أصحابنا و أوقعهم في هذا الإشكال حكم النيابة عن اللّٰه الذي إذا أراد شيئا و هو المعبر فينا بالهمة ﴿أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس:82] و هو المعبر عنه فينا بالنطق أو الكلام بحسب ما يليق بالمنسوب إليه ذلك فما اكتفى سبحانه في حق نفسه بالإرادة حتى قرن معها القول و حينئذ وجد التكوين و لا يمكن أن يكون النائب عنه و هو الخليفة بأبلغ في التكوين ممن استخلفه فلهذا لم يقتصروا على الهمة دون نطق النفس [لا بد من أمور ثلاث لوجود التكوين و الإنتاج في المعلوم]و أما نحن فنقول بهذا في موطنه و هو صحيح غير أن الذات غاب عنهم ما تستحقه لكون المرتبة لا تعقل دونها فكان كون المرتبة إنما هو عن الذات بلا شك لأن الذات تطلبها طلبا ذاتيا لا طلبا يتوقف على همة و قول بل عين همتها و قولها هو عين ذاتها فكون الألوهة لها هو ما يكون عن ذات الخليفة من حيث إنها ذات خليفة فهي الذات الخلافية لا ذات الخلق التي هي نشأة جسمه و روحه و مع هذا فلا بد من النسب الثلاث لوجود التكوين عقلا في موازين العلوم و شرعا فأما في العقل فأصحاب الموازين يعرفون ذلك و أما في الشرع فإنه قوله ﴿إِنَّمٰا قَوْلُنٰا﴾ [النحل:40] فهذا الضمير الذي هو النون من قولنا عين وجود ذاته تعالى و كناية عنه فهذا أمر واحد و قوله ﴿إِذٰا أَرَدْنٰاهُ﴾ [النحل:40] أمر ثان و قوله ﴿أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ﴾ [النحل:40] أمر ثالث فذات مريده قائلة يكون عنها التكوين بلا شك فالاقتدار الإلهي على التكوين لم يقم إلا من اعتبار ثلاثة أمور شرعا و كذلك هو الإنتاج في العلوم بترتيب المقدمات |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |