الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
||||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)
و بين ما يظهر لأرباب العقول أصحاب النواميس الحكمية و المعلوم واحد و الطريق مختلف و صاحب الذوق يفرق بين الأمرين (وصل في فصل زمان الإمساك)اتفقوا على إن آخره غيبوبة الشمس و اختلفوا في أوله فمن قائل الفجر الثاني و هو المستطير و من قائل هو الفجر الأحمر الذي يكون بعد الأبيض و هو قول حذيفة و ابن مسعود و هو نظير الشفق الأحمر الذي يكون في أول الليل و الذي أقول به هو تبينه للناظر إليه حينئذ يحرم الأكل و هذا هو نص القرآن ﴿حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ﴾ [البقرة:187] يريد بياض الصبح و سواد الليل (وصل الاعتبار في هذا)غيبوبة الشمس هي انقضاء مدة حكم الاسم الإلهي رمضان في الصوم فإنه الذي شرع الصوم فانتهاء مدة حكمه في الصوم هو مغيب الشمس و إن كان اسم رمضان كما هو لم يزل عن ولايته فإن له حكما آخر فينا و هو القيام و تولي الحكم في المحل الذي كان موصوفا بالصيام الاسم الذي هو فاطر السموات و الأرض و لكن بتولية اسم رمضان إياه فهو النائب عنه كما أنه في الصوم رفيع الدرجات و ممسك السموات و الأرض ﴿أَنْ تَزُولاٰ﴾ [فاطر:41] أو ﴿أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلاّٰ بِإِذْنِهِ﴾ [الحج:65] [رمزية الفجر الأبيض و الفجر الأحمر]فأفطر الصائم و بقي حكمه مستمرا في القيام إلى الحد الذي يحرم فيه الأكل الاسم الإلهي رمضان فتولى الاسم الممسك و يبقى الاسم الفاطر واليا على المريض و المسافر و المرضع و الحامل و ذلك الحد هو الفجر الأبيض المستطير و هو الأولى من الفجر الأحمر إلا عند من يقول بفار التنور إنه الفجر كما إن الأخذ بالتواتر أولى من الأخذ بالخبر الواحد الصحيح و القرآن متواتر و هو القائل ﴿حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة:187] فإن أصل الألوان البياض و السواد و ما عداهما من الألوان فبرازخ بينهما تتولد من امتزاج البياض و السواد فتظهر الغبرة و الحمرة و الخضرة إلى غير ذلك من الألوان فما قرب للبياض كانت كمية البياض فيه أكثر من كمية السواد و كذلك في الطرف الآخر و جاءت السنة في حديث حذيفة بالحمرة دون البياض فقال هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع و هو محتمل و البياض المذكور في القرآن ليس بمحتمل فرجحنا الأبيض على الأحمر بوجهين قويين القرآن و عدم الاحتمال و اعتبارهما حكم الايمان و هو الأبيض فإنه مخلص لله غير ممتزج و الأحمر للنظر الاجتهادي و هو حكم العقل و نظر العقل ممتزج بالحس من طريق الخيال لأنه يأخذ عن الفكر عن الخيال عن الحس إما بما يعطيه و إما بما تعطيه القوة المصورة و هو قاطع مما يعطيه إلا أنه تدخل عليه الشبهة القادحة فلهذا أعطينا الشفق الأحمر لنظر المجتهد إذ الحمرة لون حدث من امتزاج البياض و السواد و هو امتزاج خاص [الحق الظاهر و الخلق المظاهر]و أما اعتبار التبين في قوله تعالى ﴿وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ﴾ [البقرة:187] و لا يتبين حتى يكون الطلوع و إليه أذهب في الحكم فلم يحرم الأكل مع حصول الطلوع في نفس الأمر لكن ما حصل البيان عند الناظر كذلك الحق و إن كان في نفس الأمر هو الظاهر في المظاهر الإمكانية لكن لم يتبين ذلك لكل أحد و كما عفا الشارع عن الآكل في أكله و أباح له الأكل مع تحقق طلوع الفجر في نفس الأمر لكن ما تبين له كذلك ما وقع من العبد الذي لا يعرف أن الحق هو الظاهر في المظاهر الإمكانية بأفعاله و أسمائه لا يؤاخذ بها من جهل ذلك حتى يتبين له الحق في ذلك فيكون على بصيرة في «قوله إذا أحببته كنت سمعه و بصره» فكان العبد مظهر الحق و «قد ثبت أن اللّٰه قال على لسان عبده في الصلاة سمع اللّٰه لمن حمده» فنسب القول إليه و اللسان للعبد الذي هو محل القول و اللسان مظهرا مكاني و كما يحرم على المكلف الأكل عند تبين الفجر كذلك يحرم على صاحب الشهود أن يعتقد أن ثم في الوجود غير اللّٰه فاعلا بل و لا مشهودا إذ كان قد عم في الحديث القوي و الجوارح و ما ثم إلا هذان (وصل في فصل ما يمسك عنه الصائم)أجمعوا على أنه يجب على الصائم الإمساك عن المطعوم و المشروب و الجماع و هذا القدر هو الذي ورد به نص الكتاب في قوله تعالى ﴿فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ﴾ [البقرة:187] ... ﴿وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة:187] (وصل |
|
||||||||||
![]() |
![]() |
||||||||||
| الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |
|||||||||||





