عبيد و أن اللّٰه هو الكبير العلي العظيم الحفيظ بكونه بكل شيء محيط فاحتاط بالأشياء ليحفظ عليها وجودها فإنها قابلة للعلم كما هي قابلة للوجود فمن شاء سبحانه أن يوجده فأوجده حفظ عليه وجوده و من لم يشأ أن يوجد و شاء أن يبقيه في العدم حفظ عليه العدم فلا يوجد ما دام يحفظ عليه العدم فأما أن يحفظه دائما أو إلى أجل مسمى المقيت بما قدر في الأرض من الأقوات و بما أوحى في السماء من الأمور فهو سبحانه يعطي قوت كل متقوت على مقدار معلوم الحسيب إذا عدد عليك نعمه ليريك منته عليك لما كفرت بها فلم يؤاخذك لحلمه و كرمه و بما هو كافيك عن كل شيء لا إله إلا هو العليم الحكيم الجليل لكونه عز فلم تدركه الأبصار و لا البصائر فعلا و نزل بحيث إنه مع عباده أينما كانوا كما يليق بجلاله لي أن بلغ في نزوله أن «قال لعبده مرضت فلم تعدني و جعت فلم تطعمني و ظمئت فلم تسقني» فأنزل نفسه من عباده منزلة عباده من عباده فهذا من حكم هذا الاسم الإلهي الرقيب لما هو عليه من لزوم الحفظ لخلقه فإن ذلك لا يثقله و ليعلم عباده أنه إذا راقبهم يستحيون منه فلا يراهم حيث نهاهم و لا يفقدهم حيث أمرهم المجيب من دعاه لقربه و سماعه دعا عباده كما أخبر عن نفسه ﴿وَ إِذٰا سَأَلَكَ عِبٰادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّٰاعِ إِذٰا دَعٰانِ﴾ [البقرة:186] فوصف نفسه بأنه متكلم إذ المجيب من كان ذا إجابة و هي التلبية الواسع العطاء بما بسط من الرحمة التي ﴿وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف:156] و هي مخلوقة فرحم بها كل شيء و بها أزال غضبه عن عباده فانظر فهنا سر عجيب في قوله ﴿وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف:156] و قوله ﴿كُلُّ شَيْءٍ هٰالِكٌ إِلاّٰ وَجْهَهُ﴾ [القصص:88] الحكيم بإنزال كل شيء منزلته و جعله في مرتبته و من أوتي الحكمة ﴿فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً﴾ [البقرة:269] و قد قال عن نفسه أن بيده الخير : و «قال ﷺ له و الخير كله بيديك» فلم يبق منه شيئا «و الشر ليس إليك» ﴿اَلْوَدُودُ﴾ [البروج:14] الثابت حبه في عباده فلا يؤثر فيما سبق لهم من المحبة معاصيهم فإنها ما نزلت بهم إلا بحكم القضاء و القدر السابق لا للطرد و البعد ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللّٰهُ مٰا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ مٰا تَأَخَّرَ﴾ [الفتح:2] فسبقت المغفرة للمحبين اسم المفعول المجيد لما له من الشرف على كل موصوف بالشرف فإن شرف العالم بما هو منسوب إلى اللّٰه إنه خلقه و فعله فما هو شرفه بنفسه فالشريف على الحقيقة من شرفه بذاته و ليس إلا اللّٰه الباعث عموما و خصوصا فالعموم بما بعث من الممكنات إلى الوجود من العدم و هو بعث لم يشعر به كل أحد إلا من قال بأن للممكنات أعيانا ثبوتية و إن لم يعثر على ما أشرنا إليه القائل بهذا و لما كان الوجود عين الحق فما بعثهم إلا اللّٰه بهذا الاسم خاصة ثم خصوص البعث في الأحوال كبعث الرسل و البعث من الدنيا إلى البرزخ نوما و موتا و من البرزخ إلى القيامة و كل بعث في العالم في حال و عين فمن الاسم الباعث فهو من أعجب اسم تسمى الحق به تعريفا لعباده الشهيد لنفسه بأنه ﴿لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ﴾ [البقرة:163] و لعباده بما فيه الخير و السعادة لهم بما جاءوا به من طاعة اللّٰه و طاعة رسوله و بما كانوا عليه من مكارم الأخلاق و شهيد عليهم بما كانوا فيه من المخالفات و المعاصي و سفساف الأخلاق ليريه منة اللّٰه و كرمه بهم حيث غفر لهم و عفا عنهم و كان مالهم عنده إلى شمول الرحمة و دخولهم في سعتها إذ كانوا من جملة الأشياء و إن تلك الأشياء المسماة مخالفة لم يبرزها اللّٰه من العدم إلى الوجود إلا برحمته فهي مخلوقة من الرحمة و كان المحل الذي قامت به سببا لوجودها لأنها لا تقوم بنفسها و إنما تقوم بنفس المخالف و قد علمت أنها مخلوقة من الرحمة و مسبحة بحمد خالقها فهي تستغفر للمحل الذي قامت به حتى ظهر وجود عينها لعلمها بأنها لا تقوم بنفسها الحق الوجود الذي ﴿لاٰ يَأْتِيهِ الْبٰاطِلُ﴾ [فصلت:42] و هو العدم ﴿مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لاٰ مِنْ خَلْفِهِ﴾ [فصلت:42] فمن بين يديه من قوله ﴿لِمٰا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص:75] و من خلفه «لقول رسول اللّٰه ﷺ ليس وراء اللّٰه مرمى» فنسب إليه الوراء و هو الخلف فهو وجود حق لا عن عدم و لا يعقبه عدم بخلاف الخلق فإنه عن عدم و يعقبه العدم من حيث لا يشعر به فإن الوجود و الإيجاد لا ينقطع فما ثم في العالم من العالم إلا وجود و شهود دنيا و آخرة من غير إنهاء و لا انقطاع فأعيان تظهر فتبصر الوكيل الذي وكله عباده على النظر في مصالحهم فكان من النظر في مصالحهم أن أمرهم بالإنفاق على حد معين فاستخلفهم فيه بعد ما اتخذوه وكيلا فالأموال له بوجه فاستخلفهم فيها و الأموال لهم بوجه فوكلوه في النظر فيها فهي لهم بما لهم فيها من المنفعة و هي له بما هي عليه من تسبيحه بحمده فمن اعتبر التسبيح قال إن اللّٰه ما خلق العالم إلا لعبادته و من راعى المنفعة قال إن اللّٰه ما خلق العالم إلا لينفع بعضه بعضا أول المنفعة فيهم للإيجاد فأوجد المحال لينتفع بالوجود من لا يقوم من الموجودات إلا بمحل و أوجد من لا قيام له بنفسه