الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)
علم كما أخبرنا عنهم فصبر على ذلك و لا شخص أصبر على أذى من اللّٰه لاقتداره على الأخذ فهو المؤمن الكامل في إيمانه بكمال صبره و شكره و من أعجب شكره أنه شكر عباده على ما هو منه ثم إنه تعالى من حيائه إنه يؤتى بشيخ يوم القيامة فيسأله و يقرره على هناته و زلاته فينكرها كلها فيصدقه و يأمر به إلى الجنة فإذا قيل له سبحانه في ذلك يقول إني استحييت أن أكذب شيبته فأما تصديقه من كون الحياء من الايمان و هو المؤمن فإنه صدق من قبوله لما خلق اللّٰه فيه من المعاصي و الذنوب و كل ما خلق اللّٰه فيه لو لا قبوله ما نفذ الاقتدار فيه و أما «قوله ﷺ و هو الحياء لا يأتي إلا بخير و اللّٰه حيي فأتاه من حيائه بخير» و أي خير أعظم من أن يستر عليه و لم يفضحه و غفر له و تجاوز عنه و إن العبد إذا قامت به هذه الصفات الإلهية فمن هذه الحضرة تأتيه و منها يقبلها فإنه لكونه على الصورة الإلهية يقبل من كل حضرة إلهية ما تعطيه لأن لها وجها إلى الحق و وجها إلى العبد و كذلك كل حضرة تضاف إلى العبد مما يقول العلماء فيها تضاف إلى العبد بطريق الاستحقاق و الأصالة و إن كنا لا نقول بذلك فإن لكل حضرة منها أيضا وجهين وجها إلى الحق و وجها إلى العبد فانتظم الأمر بين اللّٰه و بين خلقه و اشتبه فظهر في ذلك الحق بصفة الخلق و ظهر الخلق بصفة الحق و وافق شن طبقة فضمه و اعتنقه و اللّٰه ﴿غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ﴾ [آل عمران:97] فظهر في ذلك التعانق و التوافق لام الألف فكان ذلك العقد و الرباط و أخذ العهود و العقود بين اللّٰه و بين عباده فقال تعالى ﴿وَ أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾ [البقرة:40] ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] «السخي حضرة السخاء»إن السخي هو الذي يعطي على *** قدر الذي يحتاجه المخلوق لا زائد فيه و لا نقص لذا *** قد عينت فيه عليه حقوق ليس السخي الذي يعطي مجازفة *** إن السخي الذي يعطي على قدر و ليس نعت الذي كان الوجود به *** لكنه من نعوت الخلق و البشر و إنما سقته لله حين أتت *** به النصوص التي جاءتك في الخبر فكن به عالما فمن حقيقته *** أن لا يقوم به شيء من الغير فإن صورته في طي صورتنا *** و إن سورته تربى على السور [السخاء العطاء بقدر ما يحتاج إليه المعطي إياه]يدعى صاحبها عبد السخي و هي من حضرات العطاء و السخاء العطاء بقدر ما يحتاج إليه المعطي إياه فلا يكون إلا عن سؤال إما بلسان حال أو بلسان مقال و إذا كان بلسان المقال فلا بد من لسان الحال و إلا فليس بمحتاج و حضرات العطاء كثيرة منها الوهب و الجود و الكرم و السخاء و الإيثار و هو عطاء الفتوة و قد بيناه في هذا الكتاب في باب الفتوة و في كتاب مواقع النجوم في عضو اليد الذي ألفناه بالمرية من بلاد الأندلس سنة خمس و تسعين و خمسمائة عن أمر إلهي و هو كتاب شريف يعني عن الشيخ في تربية المريد ثم ترجع فنقول الوهب في العطاء هو لمجرد الإنعام و هو الذي لا يقترن به طلب معارضة ﴿إِنَّمٰا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّٰهِ لاٰ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزٰاءً وَ لاٰ شُكُوراً﴾ [الانسان:9] فهو موصل أمانة كانت بيده و الكرم عطاء بعد سؤال و الجود عطاء قبل السؤال و السخاء عطاء بقدر الحاجة و الإيثار عطاؤك ما أنت محتاج إليه في الحال و هو الأفضل و في الاستقبال و هو دون المعطي في الحال و لكل عطاء اسم إلهي إلا الإيثار فالله تعالى وهاب كريم جواد سخي و لا يقال فيه عزَّ وجلَّ مؤثر و قد قررنا أنه عالم بكل شيء فكيف يكون السخاء عطاء عن سؤال بلسان الحال و هو القائل عز و جل ﴿أَعْطىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ﴾ [ طه:50] فما ترك لمخلوق ما يحتاج إليه من حيث ما هو مخلوق تام [كل إنسان محتاج إلى كمال]فاعلم إن ثم تماما و كمالا فالتمام إعطاء كل شيء خلقه و هذا لا سؤال فيه و لا يلزم إعطاء الكمال و يتصور السؤال و الطلب في حصول الكمال فإنها مرتبة و المرتبة إذا أوجدها الحق في العبد أعطاها خلقها و ما هي من تمام المعطي إياه و لكنها من كماله و كل إنسان و طالب محتاج إلى كمال أي إلى مرتبة و لكن لا يتعين فإنه مؤهل بالذات لمراتب مختلفة و لا بد أن يكون على مرتبة ما من المراتب فيقوم في نفسه أن يسأل اللّٰه في أن يعطيه غير المرتبة لما هو عليه من الأهلية لها فيتصور السؤال |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
| الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |
||||||||||





