الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() في الكمال و هو مما يحتاج إليه السائل في نيل غرضه فإنه من تمام خلق الغرض أن يوجد له متعلقة الذي يكون به كماله فإن تمامه تعلقه بمتعلق ما و قد وجد فإن أعطاه اللّٰه ما سأله بالغرض فقد أعطاه ما يحتاج إليه الغرض و ذلك هو السخاء فإن السخاء عطاء على قدر الحاجة و قد يعطيه اللّٰه ابتداء من غير سؤال نطق لكن وجود الأهلية في المعطي إياه سؤال بالحال كما تقول إن كل إنسان مستعد لقبول استعداد ما يكون به نبيا و رسولا و خليفة و وليا و مؤمنا لكنه سوقة و عدو و كافر و هذه كلها مراتب يكون فيها كمال العبد و نقصه «قال ﷺ كمل من الرجال كثيرون و لم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران و آسية امرأة فرعون» و كل شخص ما عدا هؤلاء مستعد بإنسانيته لقبول ما يكون له به هذا الكمال فبالأهلية هو محتاج إليه و للحرمان وجد السؤال بالحال فحضرة السخاء فيها روائح من حضرة الحكمة فإن اللّٰه عزَّ وجلَّ ما منع إلا لحكمة و لا أعطى إلا لحكمة ﴿وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ﴾ [الزخرف:84] في المنع و العطاء ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] «الطيب حضرة الطيب»طابت بطيب الطيب الأشياء *** و لذا له الأوصاف و الأسماء أسماؤه الحسنى التي قد عينت *** ما عندها سوء و لا أسواء ما طيب الطيب إلا كون خالقنا *** سميته طيبا و فيه إجمال من ذاقه ذاق طعم الشهد فيه كما *** من لم يذق ما له علم و لا حال إن قال ما هو هذا العلم قلت له *** إن الشيوخ بهذا القول قد قالوا و لا ترد الذي قالوه إن له *** وجها صحيحا إليه القوم قد مالوا ما طيب الذكر إلا طيب نشأتنا *** في صورة الحق و الأعمال أموال [الطيب من يميز الخبيث من الطيب]يدعى صاحبها عبد الطيب فالطيب من يميز الخبيث من الطيب فيجعل الطيبين للطيبات و الطيبات للطيبين من كونه طيبا و يجعل الخبيثين للخبيثات و الخبيثات للخبيثين من كونه حكيما : فإنه هو الجاعل للأشياء و المميز بين الأشياء و الأحكام ف ﴿يَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ﴾ [الأنفال:37] فلا تزال أمه هاوية دائما و عليون للطيبين فلا يزال يعلو دائما و كل عال و كل هاو إنما يطلب ربه فالهاوي عارف بربه في جهة خاصة تلقا من الرسول لما سمعه «يقول لو دليتم بحبل لهبط على اللّٰه» و هنا سر لو بحثت عليه ظفرت به فاقتضى مزاج الخبيث و استعداده أنه لا يطلب ربه إلا من هذه الجهة و هو الخبيث و جهنم البعيدة القعر فهو يهوى فيها يطلب ما ذكرناه و الطيب الصاعد عارف بربه في جهة خاصة تلقاها من الرسول لما سمعه يقول عن اللّٰه ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ [الأعلى:1] فاقتضى مزاج الطيب و استعداده أنه لا يطلب ربه إلا من هذه الجهة و هو الطيب و العلو لا نهاية له إلا اللّٰه كما الهوى لا نهاية له إلا اللّٰه و الذي لا يتقيد بصفة كأبي يزيد يطلبه في الإحاطة بجميع الجهات الست لأنه بكل شيء محيط فيطلبه في العلو و الهوى و اليمين و الشمال و الخلف و الأمام و كل هذا الجهات فهي عين الإنسان ما ظهرت إلا به و فيه فهو الذي حد ربه بالإحاطة فأكمل الأناسي من لم يحكم عليه جهة دون جهة و دونه من حكمت عليه جهة خاصة فالكامل له الظهور في كل صورة و غير الكامل هو بما تقيد به بها فقوله لا صفة له يعني لا تقييد له بأمر خاص بل له العموم بالظهور فإنه ما يمكن أن يخلو معلوم عن حد في نفسه و أعلى الحدود الإطلاق و هو تقييد فإنه قد تميز بإطلاقه عن المقيد كما تميز مقيد عن مقيد فالخلق و إن كان له السريان في الحق فهو محدود بالسريان و الحق و إن كان له السريان في الخلق فهو محدود بالسريان و هذا كان مذهب أبي مدين رحمه اللّٰه و كان ينبه على هذا المقام بقوله الأمي العامي سر الحياة سرى في الموجودات كلها فتجمدت به الجمادات و نبتت به النباتات و حييت به الحيوانات فكل نطق في تسبيحه بحمده لسر سريان الحياة فيه فهو و إن كان رحمه اللّٰه ناقص العبارة لكونه لم يعط فتوح العبارة فإنه قارب الأمر ففهم عنه مقصوده و إن كان ما وفاه ما يستحقه المقام من الترجمة عنه فهذا معنى الطيب و إنه من أسماء التقييد ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] «المحسان حضرة الإحسان»id="p1302" class=" G" /> |
|
||||||||
![]() |
![]() |
||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |