الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
||||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() الأزلي عين الحياة الأبدية و إنما ميز الطرفين أعني الأزل و الأبد وجود العالم و حدوثه الحي و هذا العلم هو المتعلق بطول العالم أعني العالم الروحاني و هو عالم المعاني و الأمر و يتعلق بعرض العالم و هو عالم الخلق و الطبيعة و الأجسام و الكل لله ﴿أَلاٰ لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ﴾ [الأعراف:54] ﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ [الإسراء:85] ﴿تَبٰارَكَ اللّٰهُ رَبُّ الْعٰالَمِينَ﴾ [الأعراف:54] و هذا كان علم الحسين بن منصور رحمه اللّٰه فإذا سمعت أحدا من أهل طريقنا يتكلم في الحروف فيقول إن الحرف الفلاني طوله كذا ذراعا أو شبر أو عرضه كذا كالحلاج و غيره فإنه يريد بالطول فعله في عالم الأرواح و بالعرض فعله في عالم الأجسام ذلك المقدار المذكور الذي يميزه به و هذا الاصطلاح من وضع الحلاج [كن-علم عيسى-الرحمة الشاملة]فمن علم من المحققين حقيقة كن فقد علم العلم العلوي و من أوجد بهمته شيئا من الكائنات فما هو من هذا العلم و لما كانت التسعة ظهرت في حقيقة هذه الثلاثة الأحرف ظهر عنها من المعدودات التسعة الأفلاك و بحركات مجموع التسعة الأفلاك و تسيير كواكبها وجدت الدنيا و ما فيها كما أنها أيضا تخرب بحركاتها و بحركة الأعلى من هذه التسعة وجدت الجنة بما فيها و عند حركة ذلك الأعلى يتكون جميع ما في الجنة و بحركة الثاني الذي يلي الأعلى وجدت النار بما فيها و القيامة و البعث و الحشر و النشر و بما ذكرناه كانت الدنيا ممتزجة نعيم ممزوج بعذاب و بما ذكرناه أيضا كانت الجنة نعيما كلها و النار عذابا كلها و زال ذلك المزج في أهلها فنشأة الآخرة لا تقبل مزاج نشأة الدنيا و هذا هو الفرقان بين نشأة الدنيا و الآخرة ألا أن نشأة النار أعني أهلها إذا انتهى فيهم الغضب الإلهي و أمده و لحق بالرحمة التي سبقته في المدى يرجع الحكم لها فيهم و صورتها لا تتبدل و لو تبدلت تعذبوا فيحكم عليهم أولا بإذن اللّٰه و توليته حركة الفلك الثاني من الأعلى بما يظهر فيهم من العذاب في كل محل قابل للعذاب و إنما قلنا في كل محل قابل للعذاب لأجل من فيها ممن لا يقبل العذاب فإذا انقضت مدتها و هي خمس و أربعون ألف سنة تكون في هذه المدة عذابا على أهلها يتعذبون فيها عذابا متصلا لا يفتر ثلاثة و عشرين ألف سنة ثم يرسل الرحمن عليهم نومة يغيبون فيها عن الإحساس و هو قوله تعالى ﴿لاٰ يَمُوتُ فِيهٰا وَ لاٰ يَحْيىٰ﴾ [ طه:74] و «قوله عليه السّلام في أهل النار الذين هم أهلها لا يموتون فيها و لا يحيون» يريد حالهم في هذه الأوقات التي يغيبون فيها عن إحساسهم مثل الذي يغشى عليه من أهل العذاب في الدنيا من شدة الجزع و قوة الآلام المفرطة فيمكثون كذلك تسع عشرة ألف سنة ثم يفيقون من غشيتهم و قد بدل اللّٰه جلودهم جلودا غيرها فيعذبون فيها خمسة عشر ألف سنة ثم يغشى عليهم فيمكثون في غشيتهم إحدى عشرة ألف سنة ثم يفيقون و قد بدل اللّٰه جلودهم ﴿جُلُوداً غَيْرَهٰا لِيَذُوقُوا الْعَذٰابَ﴾ [النساء:56] فيجدون العذاب الأليم سبعة آلاف سنة ثم يغشى عليهم ثلاثة آلاف سنة ثم يفيقون فيرزقهم اللّٰه لذة و راحة مثل الذي ينام على تعب و يستيقظ و هذا من رحمته التي سبقت غضبه و ﴿وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف:156] فيكون لها حكم عند ذلك حكم التأبيد من الاسم الواسع الذي به وسع ﴿كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَ عِلْماً﴾ [غافر:7] فلا يجدون ألما و يدوم لهم ذلك و يستغنمونه و يقولون نسينا فلا نسأل حذرا أن نذكر بنفوسنا و قد قال اللّٰه لنا ﴿اِخْسَؤُا فِيهٰا وَ لاٰ تُكَلِّمُونِ﴾ [المؤمنون:108] فيسكتون ﴿وَ هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ﴾ [الزخرف:75] و لا يبقى عليهم من العذاب إلا الخوف من رجوع العذاب عليهم فهذا القدر من العذاب هو الذي يسرمد عليهم و هو الخوف و هو عذاب نفسي لا حسي و قد يذهلون عنه في أوقات فنعيمهم الراحة من العذاب الحسي بما يجعل اللّٰه في قلوبهم من أنه ذو رحمة واسعة يقول اللّٰه تعالى ﴿اَلْيَوْمَ نَنْسٰاكُمْ كَمٰا نَسِيتُمْ﴾ [الجاثية:34] و من هذه الحقيقة يقولون نسينا إذا لم يحسوا بالآلام و كذلك قوله ﴿نَسُوا اللّٰهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ [التوبة:67] و ﴿كَذٰلِكَ الْيَوْمَ تُنْسىٰ﴾ [ طه:126] أي تترك في جهنم إذ كان النسيان الترك و بالهمز التأخر [أهل النار]فأهل النار حظهم من النعيم عدم وقوع العذاب و حظهم من العذاب توقعه فإنه لا أمان لهم بطريق الأخبار عن اللّٰه و يحجبون عن خوف التوقع في أوقات فوقتا يحجبون عنه عشرة آلاف سنة و وقتا ألفي سنة و وقتا ستة آلاف سنة و لا يخرجون عن هذا المقدار المذكور متى ما كان لا بد أن يكون هذا القدر لهم من الزمان و إذا أراد اللّٰه أن ينعمهم من اسمه الرحمن ينظرون في حالهم التي هم عليها في الوقت و خروجهم مما كانوا فيه من العذاب فينعمون بذلك القدر من النظر فوقتا يدوم لهم هذا النظر ألف سنة و وقتا تسعة آلاف سنة و وقتا خمسة آلاف سنة فيزيد و ينقص فلا تزال حالهم هذه دائما في جهنم إذ هم أهلها و هذا الذي ذكرناه كله من العلم العيسوى الموروث من المقام المحمدي ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] |
|
||||||||||
![]() |
![]() |
||||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |