الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() مشاهدة القلم الأعلى فيحصل له من هذا المشهد علم الولاية و من هنالك هو ابتداء مرتبة الخلافة و النيابة و من هناك دونت الدواوين و ظهر سلطان الاسم المدبر و المفصل و هو قوله يدبر الأمر يفصل الآيات و هذا هو علم القلم و يشاهد تحريك اليمنى إياه التحريك المعنوي اللطيف و من أين يستمد و أنه من ذاته له علم الإجمال و التفصيل و التفصيل يظهر بالتسطير و هو عين ذواته فلا افتقار له إلى معلم يستمد منه سوى خالقه عزَّ وجلَّ و كتابته نقش و لهذا تثبت فلا تقبل المحو و بهذا سمي اللوح بالمحفوظ يعني عن المحو فلو كانت كتابته مثل الكتابة بالمداد قبلت المحو كما يقبله لوح المحو في عالم الكون بالقلم المختص به الذي هو بين أصبعي الرحمن فيفرق من هذا المشهد بين الأقلام و الألواح و أنواع الكتبة و يعلم علم الأحكام و الإحكام و من هنا يعلم أنه لم يبق في الإمكان ما ينبغي أن يكون دليلا على اللّٰه إلا و قد ظهر من كونه دليلا و إن كثرت الأدلة فيجمعها كمالية الدلالة خاصة ثم ينظر عن يمين هذا المشهد فينظر إلى عالم الهيمان و هو العالم المخلوق من العماء ثم ينتقل إلى العماء و هو مستوي الاسم الرب كما كان العرش مستوي الرحمن [العماء هو أول الأينيات]و العماء هو أول الأينيات و منه ظهرت الظروف المكانيات و المراتب فيمن لم يقبل المكان و قبل المكانة و منه ظهرت المحال القابلة للمعاني الجسمانية حسا و خيالا و هو موجود شريف الحق معناه و هو الحق المخلوق به كل موجود سوى اللّٰه و هو المعنى الذي ثبتت فيه و استقرت أعيان الممكنات و يقبل حقيقة الأين و ظرفية المكان و رتبة المكانة و اسم المحل و من عالم الأرض إلى هذا العماء ليس فيها من أسماء اللّٰه سوى أسماء الأفعال خاصة ليس لغيرها أثر في كون مما بينهما من العالم المعقول و المحسوس غير إن صاحب التابع الذي هو صاحب النظر لما تركه صاحبه بالسماء السابعة و رحل عنه امتدت منه رقيقة على غير معراج التابع ظهرت للتابع في الفلك المكوكب و فقدها في الجنة ثم ظهرت له في فلك البروج ثم فقدها أيضا في الكرسي و في العرش ثم ظهر له في مرتبة المقادير و في الجوهر المظلم ثم فقده في الطبيعة ثم ظهر له في النفس من جهة كونها نفسا لا من جهة كونها لوحا ثم ظهر له في العقل الإبداعي من كونه عقلا لا من كونه قلما ثم فارقه بعد ذلك فلم ير له عينا و من هذا العماء يبتدئ بالترقي و المعراج في أسماء التنزيه إلى أن يصل إلى الحضرة التي يشهد فيها إن التنزيه يحده و يشير إليه و يقيده و يستشرف على العالم بأسره المعنوي و الروحاني و الجسمي و الجسماني فلا يجد في مشهده ذلك ما ينبغي أن ينزه عنه من ظهر فيه و يرى ارتباطه به ارتباط المرتبة بصاحبها فلا يتمكن له التنزيه الذي كان يتخيله و لا يتمكن له التشبيه فإنه ليس ثم بمن فما ثم إلا اللّٰه لا شيء غير *** و ما ثم إلا وحدة الوحدات ثم فارق أسماء الأفعال و تسلمته أسماء التنزيه فرأى صاحبه صاحب النظر يوافقه إلى أن وصل إلى الحضرة التي لا تقبل التنزيه و لا التشبيه فيتنزه عن الحد بنفي التنزيه و عن المقدار بنفي التشبيه فيفقد رفيقه صاحب النظر هنالك ثم ينقلب يطلب ما منه خرج فسلك به الحق تعالى طريقا غير طريقه الأولى و هو طريق لا يتمكن أن ينقال و لا يعرفه إلا من شاهده ذوقا و رجع صاحبه على معراجه ذلك إذ لم يكن تابعا إلى أن وصل إلى جسده فاجتمع مع رفيقه فبادر من حينه صاحب النظر إلى الرسول إن كان حاضرا أو لوارثه فيبايعه بيعة الايمان و الرضوان ﴿عَلىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ [هود:17] و آية من نفسه و تلاه ﴿شٰاهِدٌ مِنْهُ﴾ [هود:17] و هو التابع فآمن بالله من حيث ما شرع له الايمان به لا من حيث دليله فوجد عنده و في قلبه نورا لم يكن يجده قبل ذلك فرأى في اللمحة الواحدة و هو في مكانه بذلك النور جميع ما رآه مع التابع في معراجه الأول و لم يقف بل ترقي مرقى التابع حتى بلغ العماء و الغاية القصوى و رأى الشيء في الأشياء و رأى وجوب وجود ما أحال وجوده فكرة و عقلا و هو في مكانه ذلك لم يبرح و أعطى إكسير التكوين و رأى حشر الأجساد من طور إلى طور باختلاف حكم و لاختلاف دور فتغيرت الأشكال و تقلبت الأحوال و رأى ما قلناه في مثل ذلك ﴿إِذَا السَّمٰاءُ انْفَطَرَتْ﴾ [الإنفطار:1] حقيقة تصورت فمن لها بها لها *** ﴿إِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ﴾ [التكوير:2] تطلب بانكدارها *** سعرها موقدها *** قلت لها ما تبتغي *** قالت وحوش حشرت : *** و إن ترى نفسي ما *** قد قدمت و أخرت : |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |