﴿أَمّٰا مَنِ اسْتَغْنىٰ فَأَنْتَ لَهُ تَصَدّٰى﴾ فذكر الصفة و لم يذكر الشخص و الغناء صفة إلهية فما حادت عين رسول اللّٰه ﷺ إلا إلى صفة إلهية لتحققه ﷺ بالفقر فأراد الحق أن ينبهه على الإحاطة الإلهية فلا تقيده صفة عن صفة فليس شهوده ﷺ لغني الحق في قوله ﴿فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ﴾ [آل عمران:97] بأولى من شهوده ﷺ لطلب الحق في قوله ﴿وَ مٰا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّٰ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:56] و أين مقام الغناء من هذا الطلب و قوله ﴿وَ أَقْرِضُوا اللّٰهَ قَرْضاً حَسَناً﴾ [الحديد:18] فغار عليه سبحانه أن تقيده صفة عن صفة بل كان يظهر لأولئك من البشاشة على قدر ما يليق بهم و يظهر للأعمى من الفرح به على قدر ما تقع به المصلحة في حق أولئك الجبابرة فإن التواضع و البشاشة محبوبة بالذات من كل أحد فإنها من مكارم الأخلاق و ما زال اللّٰه يؤدب نبيه ص حتى تحقق بالأدب الإلهي «فقال إن اللّٰه أدبني فأحسن أدبي» فإن اللّٰه له نسبة إلى الأغنياء كما له نسبة إلى الفقراء فالعارف ينبغي له أن لا يفوته من الحق شيء في كل شيء فما أحسن تعليم اللّٰه عباده فنحن إذا فتح اللّٰه أعين بصائرنا و أفهامنا علمنا أن تعليم اللّٰه نبيه ﷺ الآداب مع المراتب إنا أيضا مرادون بذلك التعليم و ننظره في النبي ﷺ كالمثل السائر إياك أعني فاسمعي يا جارة و إن كان هو ﷺ المقصود لله بالأدب فنحن أيضا المقصودون لله بالتأسي به و الاقتداء ﴿لَقَدْ كٰانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّٰهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب:21]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية