الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() الجزاء الذي هذه صفته فتكون تلك جزاء هؤلاء و هذا من باب ما طلبه اللّٰه من عباده فقال ﴿فَاذْكُرُونِي﴾ [البقرة:152] و ﴿اُعْبُدُونِي﴾ [يس:61] و ﴿أَطِيعُونِ﴾ [آل عمران:50] و ﴿اُشْكُرُوا لِي وَ لاٰ تَكْفُرُونِ﴾ [البقرة:152] و هذا كله جزاء من العبد في مقابلة ما أنعم اللّٰه عليه به من الوجود خاصة فكيف إذا انضاف إلى ذلك ما خلق من أجله من النعم المعنوية و الحسية قال تعالى ﴿وَ مٰا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّٰ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:56] فعلل فيعبدوه لكونه أنعم عليهم بالإيجاد لكمال مرتبة العلم و الوجود من حيث من ذكر من الأجناس فاعلم ذلك لا لكمال مرتبة الوجود و المعرفة من غير هذا التقييد فإن ذلك يكفي فيه خلق محدث واحد و إيجاد العلم المحدث فيه المتعلق بالله و الكون و لكن لما كانت الأجناس منحصرة عند اللّٰه و أوجدها كلها و بقي هذان الجنسان أوقع الإخبار عنهما بما ذكر فشرحناه بما يعطيه الحال المقصودة لخالقهما تعالى بهما انتهى الجزء الثامن و الثمانون (بسم اللّٰه الرحمن الرحيم) (السؤال الثاني عشر و مائة)ما صفات ملك الضياءالجواب قال تعالى في القرآن إنه ﴿ضِيٰاءً وَ ذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الأنبياء:48] فكلما أضاء بالقرآن فهو ملك الضياء و كذلك جعل الشمس ضياء فكلما أضاء بالشمس في الدنيا و يوجد به عينه فهو من ملك الضياء و كل نور أعطى ضياء فهو من ملك الضياء مما لا يقابله معطي الضياء بنفسه أي نوع كان من الأنوار فضياؤه هو الضوء الذي لا يكون معه الحجاب عما يكشفه و النور حجاب «قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم في حق الحق تعالى حجابه النور» و «قال نوراني أراه» و الضياء ليس بحجاب فالضياء أثر النور و هو الظل فإن النور صيره الحجاب ضياء فهو بالنسبة إلى الحجاب ظل و إلى النور ضياء فله الكشف من كونه ضياء و له الراحة من كونه ظلا فملك الضياء ملك الكشف فهو ملك العلم و ملك الراحة فهو ملك الرحمة فجمع الضياء بين الرحمة و العلم قال تعالى في منته على عبده خضر ﴿آتَيْنٰاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنٰا﴾ [الكهف:65] و هو الظل ﴿وَ عَلَّمْنٰاهُ مِنْ لَدُنّٰا عِلْماً﴾ [الكهف:65] و هو الضياء أي الكشف الضيائي و هو أتم الكشوف [الضياء روح النور]و إنما قلنا النور حجاب لقوله عليه الصلاة و السلام نوراني أراه أي النور لا يتمكن أن تدركه الأبصار لأنها تضعف عنه فهو حجاب على نفسه بنفسه و الضياء ليس كذلك فالضياء روح النور و الضياء للنور ذاتي فملك الضياء ملك ذاتي و ضوء الذات الأسماء الإلهية فملك الضياء ملك الأسماء و القرآن ضياء فملكه ما أظهره القرآن فعلم الخضر في زمان موسى عليه السلام جزء من أجزاء ما يحويه صاحب القرآن المحمدي من العلوم فبالقرآن يكشف جميع ما في الكتب المنزلة من العلوم و فيه ما ليس فيها فمن أوتي القرآن فقد أوتي الضياء الكامل الذي يتضمن كل علم قال تعالى ﴿مٰا فَرَّطْنٰا فِي الْكِتٰابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام:38] و هو القرآن العزيز الذي ﴿لاٰ يَأْتِيهِ الْبٰاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لاٰ مِنْ خَلْفِهِ﴾ [فصلت:42] و به صح لمحمد صلى اللّٰه عليه و سلم جوامع الكلم فعلوم الأنبياء و الملائكة و كل لسان علم فإن القرآن يتضمنه و يوضحه لأهل القرآن بما هو ضياء فهو نور من حيث ذاته لأنه لا يدرك لعزته و هو ضياء لما يدرك به و لما يدرك منه فمن أعطى القرآن فقد أعطى العلم الكامل فما ثم في الخلق أتم من المحمديين و هم خير أمة ﴿أُخْرِجَتْ لِلنّٰاسِ﴾ [آل عمران:110] [الحياة ضياء النور الذاتي و ظل الحجاب النسبي]ثم جعل الشمس ضياء لوجود روح الحياة في العالم كله و بالحياة رحم العالم فالحياة فلك الرحمة التي ﴿وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف:156] و كذلك نسبة الحياة إلى الذات الإلهية شرط في صحة كل نسبة نسبت إلى اللّٰه من علم و إرادة و قدرة و كلام و سمع و بصر و إدراك فلو رفعت نسبة الحياة إليه ارتفعت هذه النسب كلها فهي الرحمة الذاتية التي وسعت جميع الأسماء فهي ضياء النور الذاتي و ظل الحجاب النسبي لأنه لا يعقل الإله إلا بهذه النسب و تعقل الذات نورا لا من حيث هذه النسب فكونه إلها حجاب على الذات فكانت الألوهية عين الضياء فهي عين الكشف و العلم و كانت عين الظل النسبية فكانت عين الرحمة فجمعت الألوهية بين العلم و الرحمة في حق الكون و هو المألوه و في حق الأسماء الإلهية [ملك الضياء أرفع من ملك السماوات و الأرض]فما أعطاه هذا المقام الإلهي فهو ملك الضياء و هو أرفع من ملك السموات و الأرض و ما بينهما ﴿وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَ النّٰاسِ لاٰ يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف:187] بل لا يؤمنون و قد نبهتك على ما فيه غنية و شفاء في ملك الضياء فالكل في ملك الضيا *** أ و ليس عندهم خبر و الكل في عين الظلال *** و هو المسمى بالمقر |
|
|||||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |