الفتوحات المكية

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الكهف: [الآية 65]

سورة الكهف
فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَآ ءَاتَيْنَٰهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَٰهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا ﴿65﴾

تفسير الجلالين:

(فوجدا عبدا من عبادنا) هو الخضر (آتيناه رحمة من عندنا) نبوة في قول وولاية في آخر وعليه أكثر العلماء (وعلمناه من لدنا) من قبلنا (علما) مفعول ثان أي معلوما من المغيبات، روى البخاري حديث "" إن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم؟ فقال: أنا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه: إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك قال موسى: يا رب فكيف لي به قال: تأخذ معك حوتا فتجعله في مكتل فحيثما فقد الحوت فهو ثم، فأخذ حوتا فجعله في مكتل ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون حتى أتيا الصخرة ووضعا رأسيهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر "" فاتخذ سبيله في البحر سربا "" وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كانا من الغداة قال موسى لفتاه آتنا غداءنا إلى قوله واتخذ سبيله في البحر عجبا قال وكان للحوت سربا ولموسى ولفتاه عجبا إلخ "".

تفسير الشيخ محي الدين:

قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110)

ما تميز العالم إلا بالمراتب ، وما شرف بعضه على بعضه إلا بها ، ومن علم أن الشرف للرتب لا لعينه لم يغالط نفسه في أنه أشرف من غيره ، وإن كان يقول إن هذه الرتبة أشرف من هذه الرتبة ، ولما كانت الخلافة ربوبية في الظاهر لأنه يظهر بحكم الملك ، فيتصرف في الملك بصفات سيده ظاهرا ، وإن كانت عبوديته له مشهودة في باطنه ، فلم تعم عبوديته عند رعيته الذين هم أتباعه ، وظهر ملكه بهم وباتباعهم والأخذ عنه ، فكان في مجاورتهم بالظاهر أقرب ، وبذلك المقدار يستتر من عبوديته ، لذلك كثيرا ما ينزل في الوحي على الأنبياء «قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» فكانت هذه الآية دواء لهذه العلة ، وبهذا المقدار كانت أحوال الأنبياء والرسل في الدنيا البكاء والنوح ، فإنه موضع تتقى فتنته ، فقال الكامل صلّى اللّه عليه وسلم: «إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» عن أمر اللّه ، قيل له : قل ، فقال ، وبهذا علمنا أنه عن أمر اللّه ، لأنه نقل الأمر إلينا كما نقل المأمور ، وكان هذا القول دواء للمرض الذي قام بمن عبد عيسى عليه السلام من أمته ، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول لنا كثيرا في هذا المقام في حق نفسه وتعليما لنا «إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» فلم ير لنفسه فضلا علينا ، أي حكم البشرية فيّ حكمها فيكم ،


[إشارة: لم أمر الحق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أن يقول " قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ " ]

فكان ذلك من التأديب الإلهي الذي أدب اللّه تعالى به نبيه عليه السلام فيما أوحى به إليه ،

فقال صلّى اللّه عليه وسلم : [ إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر ]

يعني لنفسه ولحق غيره ، [ وأرضى كما يرضى البشر ]

يعني لنفسه ولغيره ، ويعني أن أغضب عليهم وأرضى لنفسي [ اللهم من دعوت عليه فاجعل دعائي عليه رحمة له ورضوانا ]

ثم ذكر المرتبة وهو قوله «يُوحى إِلَيَّ» ولما كان صلّى اللّه عليه وسلم لم تؤثر فيه المراتب إذا نالها ، قال وهو في المرتبة العليا [ أنا سيد الناس ]

وفي رواية [ أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر ] فنفى أن يقصد بذلك الفخر ، لأنه ذكر الرتبة التي لها الفخر الذي هو صلّى اللّه عليه وسلم مترجم عنها وناطق بلسانها ، فذكر رتبة الشفاعة والمقام المحمود ، فالفخر للرتبة ولا فخر بالذات إلا للّه وحده ، فلم تحكم فيه المرتبة ، وقال في كل وقت وهو في مرتبة الرسالة والخلافة

" إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ "، فلم تحجبه المرتبة عن معرفة نشأته ، وسبب ذلك أنه رأى لطيفته ناظرة إلى مركبها العنصري وهو متبدد فيها ، فشاهد ذاته العنصرية ، فعلم أنها تحت قوة الأفلاك العلوية ، ورأى المشاركة بينها وبين سائر الخلق الإنساني والحيواني والنبات والمعادن ، فلم ير لنفسه من حيث نشأته العنصرية فضلا على كل من تولد منها ، وأنه مثل لهم وهم أمثال له ، فقال : «إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» ثم رأى افتقاره إلى ما تقوم به نشأته من الغذاء الطبيعي كسائر المخلوقات الطبيعية ،

فعرف نفسه فقال:

[ يا أبا بكر ما أخرجك ، قال : الجوع ، قال : وأنا أخرجني الجوع ] فكشف عن حجرين قد وضعهما على بطنه يشد بهما أمعاءه -إشارة- كان عليه السلام نائب الحق ، فهو وجهه في العالم ، فكان الحق يقول له : «قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» أي استتر بعبوديتك ،

ولا تظهر مكانتك عندي . واعلم أن جميع ما سوى اللّه يمكن حصرهم في الأجناس الآتية ،

وهم الملك والفلك والكوكب والطبيعة والعنصر والمعدن والنبات والحيوان والإنسان ،

وما من صنف ذكرناه من هؤلاء الأصناف إلا وقد عبد منهم أشخاص ،

فمنهم من عبد الملائكة ، ومنهم من عبد الكواكب ، ومنهم من عبد الأفلاك ،

ومنهم من عبد العناصر ، ومنهم من عبد الأحجار ،

ومنهم من عبد الأشجار ، ومنهم من عبد الحيوان ، ومنهم من عبد الجن والإنس ، فالمخلص في العبادة التي هي ذاتية له أن لا يقصد إلا من أوجده وخلقه ،

وهو اللّه تعالى ، فتخلص له هذه العبادة ولا يعامل بها أحدا ممن ذكرناه ، أي لا يراه في شيء فيذل له ، واعلم أنه ما من شيء في الكون إلا وفيه ضرر ونفع ، فاستجلب بهذه الصفة الإلهية


نفوس المحتاجين إليه لافتقارهم إلى المنفعة ودفع المضار ، فأداهم ذلك إلى عبادة الأشياء وإن لم يشعروا ، ولما علم اللّه ما أودعه في خلقه ، وما جعل في الثقلين من الحاجة إلى ما أودع اللّه في الموجودات وفي الناس بعضهم إلى بعض قال : «فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ»

فذكر لقاء اللّه ليدل على حالة الرضى من غير احتمال ، كما ذكره رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وذلك في الجنة ، فإنها دار الرضوان ،

فما كل من لقي اللّه سعيد «فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً» أي لا يشوبه فساد ، والصالح الذي لا يدخله خلل ، فإن ظهر فيه خلل فليس بصالح ، وليس الخلل في العمل وعدم الصلاح فيه إلا الشرك ، فقال : «وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً» أي لا يذل إلا اللّه لا لغيره ،

لأنه إذا لم ير شيئا سوى اللّه وأنه الواضع أسباب المضار والمنافع ، لجأ إلى اللّه في دفع ما يضره ونيل ما ينفعه من غير تعيين سبب ، ونكر «أَحَداً» فدخل تحته كل شيء له أحدية ، وعم كل ما ينطلق عليه اسم أحد ، وهو كل شيء في عالم الخلق والأمر ،

وعم الشرك الأصغر ، وهو الشرك الذي في العموم ، وهو الربوبية المستورة المنتهكة ، في مثل فعلت وصنعت وفعل فلان ولولا فلان ، فهذا هو الشرك المغفور ، فإنك إذا راجعت أصحاب هذا القول فيه رجعوا إلى اللّه تعالى ،

والشرك الذي في الخصوص ، فهم الذين يجعلون مع اللّه إلها آخر ، وهو الظلم العظيم ،

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم : [ إن اللّه إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم وكل أمة جاثية ، فأول من يدعى به رجل جمع القرآن ورجل قتل في سبيل اللّه ورجل كثير المال ، فيقول اللّه للقارئ : ألم أعلمك ما أنزلته على رسولي ؟

قال : بلى يا رب ، قال : فما ذا عملت فيما علمت ؟ قال : كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار ، فيقول اللّه له : كذبت ، وتقول الملائكة له : كذبت ،

ويقول اللّه : إنما قرأت ليقال فلان قارئ فقد قيل ذلك ، ويؤتى بصاحب المال فيقول اللّه له : ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد ؟ قال : بلى يا رب ، قال : فما ذا عملت فيما آتيتك ؟

قال : كنت أصل الرحم وأتصدق ، فيقول اللّه له : كذبت ، وتقول له الملائكة : كذبت ،

ويقول اللّه له : بل أردت أن يقال فلان جواد فقيل ذلك ، ويؤتى بالذي قتل في سبيل اللّه فيقول اللّه : فيما ذا قتلت ؟

فيقول : أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت ، فيقول اللّه له : كذبت ، وتقول له الملائكة : كذبت ، ويقول اللّه له : بل أردت أن يقال فلان جريء فقد قيل ذلك ، ثم ضرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم على ركبة أبي هريرة وقال يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول من يسعر


بهم النار يوم القيامة ]

فكان أبو هريرة إذا حدث بهذا الحديث يغشى عليه ،

يقول اللّه تعالى :" فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً "

وجاء في الحديث الغريب الصحيح [ من عمل عملا أشرك فيه غيري فأنا منه بريء وهو للذي أشرك ] فنكر تعالى العمل وما خص عملا من عمل ، والضمير في فيه يعود على العمل ، والضمير في منه يعود على الغير الذي هو الشريك ، وضمير هو يعود على المشرك - تحقيق إخلاص العمل للّه من الشرك

[ - الإخلاص في العمل ]

-الإخلاص في العمل -هو أن تقف كشفا على أن العامل ذلك العمل هو اللّه ، كما هو في نفس الأمر ، أي عمل كان ذلك العمل ، مذموما أو محمودا أو ما كان ، فذلك حكم اللّه تعالى فيه ما هو عين العمل ، لذلك فإن اللّه لا يتبرأ من العمل فإنه العامل بلا شك ، فإخلاص العمل للّه هو نصيب اللّه من العمل ، لأن الصورة الظاهرة في العمل إنما هي في الشخص الذي أظهر اللّه فيه عمله ، فيلتبس الأمر للصورة الظاهرة ، والصورة الظاهرة لا تشك أن العمل بالشهود ظاهر منها ، فهي إضافة صحيحة ، فإن البصر لا يقع إلا على آلة وهي مصرّفة لأمر آخر ، لا يقع الحس الظاهر عليه ، بدليل الموت ووجود الآلة وسلب العمل ، فإذن الآلة ما هي العامل ، والحس ما أدرك إلا الآلة ، فكما علم الحاكم أن وراء المحسوس أمرا هو العامل بهذه الآلة والمصرف لها ، المعبر عنه عند علماء النظر العقلي بالنفس العاملة الناطقة والحيوانية ، فقد انتقلوا إلى معنى ليس هو من مدركات الحس ،

فكذلك إدراك أهل الكشف والشهود - في الجمع والوجود - في النفس الناطقة ما أدرك أهل النظر في الآلة المحسوسة سواء ، فعرفوا أن ما وراء النفس الناطقة هو العامل ، وهو مسمى اللّه ، فالنفس في هذا العمل كالآلة المحسوسة سواء ، ومتى لم يدرك هذا الإدراك فلا يتصف عندنا بأنه أخلص في عمله جملة واحدة ، مع ثبوت الآلات وتصرفها لظهور صورة العمل من العامل ،

فالعالم كله آلات الحق فيما يصدر عنه من الأفعال ،

قال صلّى اللّه عليه وسلم فيما صح عنه : [ أتدرون ما حق اللّه على العباد ، قالو :اللّه ورسوله أعلم ، قال : إن حق اللّه على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، ثم قال : أتدرون ما حقهم عليه إذا فعلوا ذلك ، أن يدخلهم الجنة ]

فنكر صلّى اللّه عليه وسلم بقوله شيئا ليدخل فيه جميع الأشياء ، وهو قوله تعالى «فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً "

- وجه آخر -في تفسير قوله تعالى في هذه الآية ،


كأنه تعالى يقول : إن الحق لا يعبد من حيث أحديته ، لأن الأحدية تنافي وجود العابد ، فكأنه يقول : لا يعبد إلا الرب من حيث ربوبيته ، فإن الرب أوجدك ، فتعلق به وتذلل له ولا تشرك الأحدية مع الربوبية في العبادة ، فتتذلل لها كما تتذلل للربوبية ،

فإن الأحدية لا تعرفك ولا تقبلك ، فيكون تعبد في غير معبد ، وتطمع في غير مطمع ، وتعمل في غير معمل ، وهي عبادة الجاهل ، فنفى عبادة العابدين من التعلق بالأحدية ، فإن الأحدية لا تثبت إلا للّه مطلقا ، وإنما ما سوى اللّه فلا أحدية له مطلقا ،

فهذا هو المفهوم من هذه الآية عندنا من حيث طريقنا في تفسير القرآن ، ويأخذ أهل الرسوم في ذلك قسطهم أيضا تفسيرا للمعنى ، فيحملون الأحد المذكور على ما اتخذوه من الشركاء ، وهو تفسير صحيح أيضا ، فالقرآن هو البحر الذي لا ساحل له ، إذ كان المنسوب إليه يقصد به جميع ما يطلبه الكلام من المعاني بخلاف كلام المخلوقين .

(19) سورة مريم مكيّة

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

------------

(110) الفتوحات ج 3 / 225 ، 50 - ج 1 / 664 - ج 3 / 225 ، 191 ، 337 ، 23 ، 225 ، 23 - كتاب النجاة - كتاب المشاهد - الفتوحات ج 2 / 221">221 - ج 3 / 478 ، 355 - ج 1 / 221">221 - ج 3 / 478 ، 355 - ج 4 / 536 - ج 2 / 221">221 - ج 3 / 477 - ح2 / 581

تفسير ابن كثير:

( فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ) وهذا هو الخضر ، عليه السلام ، كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . بذلك قال البخاري :

حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا عمرو بن دينار ، أخبرني سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس : إن نوفا البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل . قال ابن عباس : كذب عدو الله ، حدثنا أبي بن كعب - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل : أي الناس أعلم ؟ قال : أنا . فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه ، فأوحى الله إليه : إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك . فقال موسى : يا رب ، وكيف لي به ؟ قال : تأخذ معك حوتا ، تجعله بمكتل ، فحيثما فقدت الحوت فهو ثم . فأخذ حوتا ، فجعله بمكتل ثم انطلق وانطلق معه بفتاه يوشع بن نون عليهما السلام ، حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رءوسهما فناما ، واضطرب الحوت في المكتل ، فخرج منه ، فسقط في البحر واتخذ سبيله في البحر سربا ، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء ، فصار عليه مثل الطاق . فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت ، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما ، حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه : ( آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ) ولم يجد موسى النصب حتى جاوزا المكان الذي أمره الله به . قال له فتاه : ( أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ) قال : " فكان للحوت سربا ولموسى وفتاه عجبا ، فقال : ( ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ) . قال : " فرجعا يقصان أثرهما حتى انتهيا إلى الصخرة ، فإذا رجل مسجى بثوب ، فسلم عليه موسى ، فقال الخضر : وأنى بأرضك السلام! . قال : أنا موسى . قال : موسى بني إسرائيل ؟ قال : نعم ، أتيتك لتعلمني مما علمت رشدا . ( قال إنك لن تستطيع معي صبرا ) ، يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه ، لا تعلمه أنت ، وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه . فقال موسى : ( ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ) قال له الخضر : ( فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ) .

فانطلقا يمشيان على ساحل البحر ، فمرت سفينة فكلموهم أن يحملوه ، فعرفوا الخضر ، فحملوهم بغير نول ، فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم ، فقال له موسى : قد حملونا بغير نول ، فعمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها ؟ لقد جئت شيئا إمرا . ( قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا ) قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كانت الأولى من موسى نسيانا " . قال : وجاء عصفور فنزل على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة ، [ أو نقرتين ] فقال له الخضر : ما علمي وعلمك في علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر .

ثم خرجا من السفينة ، فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان ، فأخذ الخضر رأسه [ بيده ] فاقتلعه بيده فقتله ، فقال له موسى : ( أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا ) ؟ ! قال : " وهذه أشد من الأولى " ، ( قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض ) قال : مائل . فقال الخضر بيده : ( فأقامه ) ، فقال موسى : قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا ، ( لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما " .

قال سعيد بن جبير : كان ابن عباس يقرأ : " وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا " وكان يقرأ : " وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين " .

ثم رواه البخاري عن قتيبة ، عن سفيان بن عيينة . . . فذكر نحوه ، وفيه : " فخرج موسى ومعه فتاه يوشع بن نون ، ومعهما الحوت حتى انتهيا إلى الصخرة ، فنزلا عندها - قال : فوضع موسى رأسه فنام - قال سفيان : وفي حديث غير عمرو قال : وفي أصل الصخرة عين يقال لها : الحياة ، لا يصيب من مائها شيء إلا حيي : فأصاب الحوت من ماء تلك العين ، قال ، فتحرك وانسل من المكتل ، فدخل البحر ، فلما استيقظ قال موسى لفتاه : ( آتنا غداءنا ) كذا قال : وساق الحديث . ووقع عصفور على حرف السفينة ، فغمس منقاره في البحر ، فقال الخضر لموسى : ما علمي وعلمك وعلم الخلائق في علم الله إلا مقدار ما غمس هذا العصفور منقاره وذكر تمامه بنحوه .

وقال البخاري أيضا : حدثنا إبراهيم بن موسى ، حدثنا هشام بن يوسف ، أن ابن جريج أخبرهم قال : أخبرني يعلى بن مسلم وعمرو بن دينار ، عن سعيد بن جبير - يزيد أحدهما على صاحبه - وغيرهما قد سمعته يحدث عن سعيد بن جبير قال : إنا لعند ابن عباس في بيته ، إذ قال : سلوني . فقلت : أي أبا عباس ، جعلني الله فداك ، بالكوفة رجل قاص ، يقال له : " نوف " يزعم أنه ليس بموسى بني إسرائيل - أما عمرو فقال لي : قال : كذب عدو الله! وأما يعلى فقال لي : قال ابن عباس : حدثني أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " موسى رسول الله ، ذكر الناس يوما ، حتى إذا فاضت العيون ، ورقت القلوب ، ولى فأدركه رجل فقال : أي رسول الله ، هل في الأرض أحد أعلم منك ؟ قال : لا . فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إلى الله ، قيل : بلى قال : أي رب ، وأين ؟ قال : بمجمع البحرين . قال : أي رب ، اجعل لي علما أعلم ذلك به " . قال لي عمرو : قال : حيث يفارقك الحوت ، وقال لي يعلى : خذ حوتا ميتا حيث ينفخ فيه الروح . فأخذ حوتا فجعله في مكتل ، فقال لفتاه : لا أكلفك إلا أن تخبرني حيث يفارقك الحوت ، قال ما كلفت كبيرا . فذلك قوله : ( وإذ قال موسى لفتاه ) يوشع بن نون ، ليست عند سعيد بن جبير ، قال : " فبينا هو في ظل صخرة في مكان ثريان إذ تضرب الحوت وموسى نائم فقال فتاه : لا أوقظه ، حتى إذا استيقظ نسي أن يخبره ، وتضرب الحوت حتى دخل البحر ، فأمسك الله عنه جرية الماء حتى كأن أثره في حجر " . [ قال : فقال لي عمرو : هكذا كأن أثره في حجر ] ، وحلق بين إبهاميه والتي تليهما : ( لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ) قال : " وقد قطع الله عنك النصب " ليست هذه عند سعيد - أخبره ، فرجعا فوجدا خضرا . قال : قال عثمان بن أبي سليمان : على طنفسة خضراء على كبد البحر . قال سعيد بن جبير : مسجى بثوب ، قد جعل طرفه تحت رجليه ، وطرفه تحت رأسه ، فسلم عليه موسى ، فكشف عن وجهه ، وقال : هل بأرض من سلام ؟ من أنت ؟ قال أنا موسى . قال : موسى بني إسرائيل ؟ قال : نعم . قال : فما شأنك ؟ قال : جئتك لتعلمني مما علمت رشدا . قال : يكفيك التوراة بيدك ، وأن الوحي يأتيك! . يا موسى ، إن لي علما لا ينبغي لك أن تعلمه ، وإن لك علما لا ينبغي لي أن أعلمه . فأخذ طائر بمنقاره من البحر [ فقال : والله ما علمي وعلمك في جنب علم الله إلا كما أخذ هذا الطائر بمنقاره من البحر ] ، حتى إذا ركبا في السفينة وجدا معابر صغارا تحمل أهل هذا الساحل إلى هذا الساحل الآخر عرفوه ، فقالوا : عبد الله الصالح ؟ . قال فقلنا لسعيد : خضر ؟ قال : نعم . لا نحمله بأجر . فخرقها ، ووتد فيها وتدا . قال موسى : ( أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ) . قال مجاهد : منكرا . قال : ( ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ) كانت الأولى نسيانا ، والوسطى شرطا ، والثالثة عمدا ( قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا فانطلقا ) . حتى لقيا غلاما فقتله . قال يعلى : قال سعيد ، وجد غلمانا يلعبون ، فأخذ غلاما كافرا ظريفا فأضجعه ، ثم ذبحه بالسكين ، فقال : ( أقتلت نفسا زكية ) لم تعمل بالحنث . وابن عباس قرأها ( زكية ) - " زاكية " مسلمة ، كقولك : غلاما زكيا فانطلقا ، فوجدا جدارا يريد أن ينقض فأقامه ، قال [ سعيد ] بيده هكذا ، ورفع يده فاستقام - قال يعلى : حسبت أن سعيدا قال : فمسحه بيده فاستقام - قال : ( لو شئت لاتخذت عليه أجرا ) قال سعيد : أجرا نأكله ( وكان وراءهم ملك ) وكان أمامهم ، قرأها ابن عباس : " أمامهم ملك " يزعمون عن غير سعيد أنه هدد بن بدد ، والغلام المقتول اسمه - يزعمون - جيسور ( ملك يأخذ كل سفينة غصبا ) فأردت إذا هي مرت به أن يدعها بعيبها ، فإذا جاوزه أصلحوها فانتفعوا بها . ومنهم من يقول : سدوها بقارورة . ومنهم من يقول : بالقار . ( فكان أبواه مؤمنين ) وكان كافرا ، ( فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا ) . أن يحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه ( فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة ) كقوله : ( أقتلت نفسا زكية ) ، ( وأقرب رحما ) : هما به أرحم منهما بالأول الذي قتل خضر . وزعم غير سعيد بن جبير أنهما أبدلا جارية . وأما داود بن أبي عاصم فقال عن غير واحد : إنها جارية .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : خطب موسى ، عليه السلام ، بني إسرائيل فقال : ما أحد أعلم بالله وبأمره مني . فأمر أن يلقى هذا الرجل . فذكر نحو ما تقدم بزيادة ونقصان ، والله أعلم .

وقال محمد بن إسحاق ، عن الحسن بن عمارة ، عن الحكم بن عتيبة ، عن سعيد بن جبير قال : جلست عند ابن عباس وعنده نفر من أهل الكتاب فقال بعضهم : يا أبا العباس ، إن نوفا ابن امرأة كعب ، يزعم عن كعب أن موسى النبي الذي طلب العالم إنما هو موسى بن ميشا ؟ قال سعيد : فقال ابن عباس : أنوف يقول هذا ؟ قال سعيد : فقلت له : نعم ، أنا سمعت نوفا يقول ذلك . قال : أنت سمعته يا سعيد ؟ قال : قلت : نعم . قال : كذب نوف . ثم قال ابن عباس : حدثني أبي بن كعب ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أن موسى بني إسرائيل سأل ربه فقال : أي رب ، إن كان في عبادك أحد هو أعلم مني ، فدلني عليه . فقال له : نعم ، في عبادي من هو أعلم منك . ثم نعت له مكانه وأذن له في لقيه . فخرج موسى ومعه فتاه ، ومعه حوت مليح ، قد قيل له : إذا حيي هذا الحوت في مكان ، فصاحبك هنالك ، وقد أدركت حاجتك . فخرج موسى ومعه فتاه ، ومعه ذلك الحوت يحملانه ، فسار حتى جهده السير ، وانتهى إلى الصخرة وإلى ذلك الماء ، وذلك الماء ماء الحياة ، من شرب منه خلد ، ولا يقاربه شيء ميت إلا حيي . فلما نزلا ومس الحوت الماء حيي ( فاتخذ سبيله في البحر سربا ) فانطلقا فلما جاوز منقلبه قال : موسى لفتاه : ( آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ) قال الفتى - وذكر - : ( أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ) . قال ابن عباس : فظهر موسى على الصخرة حتى إذا انتهيا إليها ، فإذا رجل متلفف في كساء له ، فسلم موسى ، فرد عليه العالم ثم قال له : ما جاء بك إن كان لك في قومك لشغل ؟ . قال له موسى : جئتك لتعلمني مما علمت رشدا ( قال إنك لن تستطيع معي صبرا ) وكان رجلا يعلم علم الغيب قد علم ذلك - فقال موسى : بلى . قال : ( وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ) ؟ أي : إنما تعرف ظاهر ما ترى من العدل ، ولم تحط من علم الغيب بما أعلم . ( قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ) وإن رأيت ما يخالفني ، قال : ( فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء ) [ وإن أنكرته ] ( حتى أحدث لك منه ذكرا ) : فانطلقا يمشيان على ساحل البحر يتعرضان الناس ، يلتمسان من يحملهما ، حتى مرت بهما سفينة جديدة وثيقة ، لم يمر بهما من السفن أحسن ولا أكمل ولا أوثق منها . فسألا أهلها أن يحملوهما ، فحملوهما ، فلما اطمأنا فيها ولججت بهما مع أهلها ، أخرج منقارا له ومطرقة ، ثم عمد إلى ناحية منها فضرب فيها بالمنقار حتى خرقها . ثم أخذ لوحا فطبقه عليها ، ثم جلس عليها يرقعها ، فقال : له موسى - ورأى أمرا أفظع به - : ( أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ) أي : بما تركت من عهدك ، ( ولا ترهقني من أمري عسرا ) . ثم خرجا من السفينة فانطلقا ، حتى أتيا أهل قرية ، فإذا غلمان يلعبون خلفها ، فيهم غلام ليس في الغلمان غلام أظرف منه ولا أثرى ولا أوضأ منه ، فأخذه بيده ، وأخذ حجرا فضرب به رأسه حتى دمغه فقتله ، قال : فرأى موسى أمرا فظيعا لا صبر عليه ، صبي صغير قتله لا ذنب له قال : ( أقتلت نفسا زكية ) أي صغيرة ( بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ) أي : قد أعذرت في شأني . ( فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض ) ، فهدمه ثم قعد يبنيه ، فضجر موسى مما يراه يصنع من التكليف ، وما ليس عليه صبر ، قال : ( لو شئت لاتخذت عليه أجرا ) أي : قد استطعمناهم فلم يطعمونا ، وضفناهم فلم يضيفونا ، ثم قعدت تعمل من غير صنيعة ، ولو شئت لأعطيت عليه أجرا في عمله ؟ . قال : ( هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ) - وفي قراءة أبي بن كعب : " كل سفينة صالحة " - وإنما عبتها لأرده عنها ، فسلمت حين رأى العيب الذي صنعت بها . ( وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ) أي : ما فعلته عن نفسي ، ( ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا ) وكان ابن عباس يقول : ما كان الكنز إلا علما .

وقال العوفي ، عن ابن عباس قال : لما ظهر موسى وقومه على مصر ، أنزل قومه ، فلما استقرت بهم الدار ، أنزل الله : أن ذكرهم بأيام الله فخطب قومه ، فذكر ما آتاهم الله من الخير والنعمة ، وذكرهم إذ نجاهم الله من آل فرعون ، وذكرهم هلاك عدوهم ، وما استخلفهم الله في الأرض ، وقال : كلم الله نبيكم تكليما ، واصطفاني لنفسه ، وأنزل علي محبة منه ، وآتاكم الله من كل ما سألتموه ؛ فنبيكم أفضل أهل الأرض ، وأنتم تقرءون التوراة ، فلم يترك نعمة أنعمها عليهم إلا وعرفهم إياها . فقال له رجل من بني إسرائيل : هم كذلك يا نبي الله ، قد عرفنا الذي تقول ، فهل على الأرض أحد أعلم منك يا نبي الله ؟ قال : لا . فبعث الله جبرائيل إلى موسى ، عليهما السلام ، فقال : إن الله [ عز وجل ] يقول : وما يدريك أين أضع علمي ؟ بلى . إن على شط البحر رجلا هو أعلم منك - قال ابن عباس : هو الخضر - فسأل موسى ربه أن يريه إياه ، فأوحى إليه : أن ائت البحر ، فإنك تجد على شط البحر حوتا ، فخذه فادفعه إلى فتاك ، ثم الزم شط البحر ، فإذا نسيت الحوت وهلك منك ، فثم تجد العبد الصالح الذي تطلب . فلما طال سفر موسى نبي الله ونصب فيه ، سأل فتاه عن الحوت ، فقال له فتاه وهو غلامه : ( أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره ) لك ، قال الفتى : لقد رأيت الحوت حين اتخذ سبيله في البحر سربا فأعجب ذلك موسى ، فرجع حتى أتى الصخرة ، فوجد الحوت ، فجعل الحوت يضرب في البحر ويتبعه موسى ، وجعل موسى يقدم عصاه يفرج بها عنه الماء يتبع الحوت ، وجعل الحوت لا يمس شيئا من البحر إلا يبس ، حتى يكون صخرة ، فجعل نبي الله يعجب من ذلك ، حتى انتهى به الحوت إلى جزيرة من جزائر البحر ، فلقي الخضر بها فسلم عليه ، فقال الخضر : وعليك السلام ، وأنى يكون السلام بهذه الأرض ؟ ومن أنت ؟ قال : أنا موسى . فقال الخضر : أصاحب بني إسرائيل ؟ [ قال : نعم ] فرحب به وقال : ما جاء بك ؟ قال جئتك ( على أن تعلمني مما علمت رشدا قال إنك لن تستطيع معي صبرا ) يقول : لا تطيق ذلك . قال موسى ( ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ) قال : فانطلق به ، وقال له : لا تسألني عن شيء أصنعه حتى أبين لك شأنه ، فذلك قوله : ( حتى أحدث لك منه ذكرا )

وقال الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس : أنه تمارى هو والحر بن قيس بن حصن الفزاري في صاحب موسى ، فقال ابن عباس : هو خضر . فمر بهما أبي بن كعب فدعاه ابن عباس فقال : إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل السبيل إلى لقيه ، فهل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه ؟ قال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " بينا موسى في ملأ من بني إسرائيل إذ جاءه رجل فقال : تعلم مكان رجل أعلم منك ؟ قال : لا ؛ فأوحى الله إلى موسى بلى عبدنا خضر . فسأل موسى السبيل إلى لقيه فجعل الله له الحوت آية وقيل له : إذا فقدت الحوت [ فهو ثمة ] فارجع ، فإنك ستلقاه . فكان موسى يتبع أثر الحوت في البحر . فقال فتى موسى لموسى : ( أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت ) قال موسى ( ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ) فوجدا عبدنا خضرا فكان من شأنهما ما قص الله في كتابه .


تفسير الطبري :

قوله تعالى{فوجدا عبدا من عبادنا} العبد هو الخضر عليه السلام في قول الجمهور، وبمقتضى الأحاديث الثابتة وخالف من لا يعتد بقوله، فقال : ليس صاحب موسى بالخضر بل هو عالم آخر وحكى أيضا هذا القول القشيري، قال : وقال قوم هو عبد صالح، والصحيح أنه كان الخضر؛ بذلك ورد الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال مجاهد : سمي الخضر لأنه كان إذا صلى اخضر ما حوله، وروى الترمذي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز تحته خضراء) هذا حديث صحيح غريب. الفروة هنا وجه الأرض؛ قاله الخطابي وغيره. والخضر نبي عند الجمهور. وقيل : هو عبد صالح غير نبي، والآية تشهد بنبوته لأن بواطن أفعاله لا تكون إلا بوحي. وأيضا فان الإنسان لا يتعلم ولا يتبع إلا من فوقه، وليس يجوز أن يكون فوق النبي من ليس نبي وقيل : كان ملكا أمر الله موسى أن يأخذ عنه مما حمله من علم الباطن. والأول الصحيح؛ والله أعلم. قوله تعالى {آتيناه رحمة من عندنا} الرحمة في هذه الآية النبوة وقيل : النعمة. {وعلمناه من لدنا علما} أي علم الغيب، ابن عطية : كان علم الخضر علم معرفة بواطن قد أوحيت إليه، لا تعطي ظواهر الأحكام أفعاله بحسبها؛ وكان علم موسى علم الأحكام والفتيا بظاهر أقوال الناس وأفعالهم.

التفسير الميسّر:

فوجدا هناك عبدًا صالحًا من عبادنا هو الخَضِر عليه السلام -وهو نبي من أنبياء الله توفاه الله-، آتيناه رحمة من عندنا، وعَلَّمْناه مِن لدنَّا علمًا عظيمًا.

تفسير السعدي

تفسير الآيتين 64 و 65 :ـ

{ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ْ} أي: نطلب { فَارْتَدَّا ْ} أي: رجعا { عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا ْ} أي رجعا يقصان أثرهما إلى المكان الذي نسيا فيه الحوت فلما وصلا إليه، وجدا عبدا من عبادنا، وهو الخضر، وكان عبدا صالحا، لا نبيا على الصحيح.

آتيناه [رحمة من عندنا أي: أعطاه الله رحمة خاصة بها زاد علمه وحسن عمله { وَعَلَّمْنَاهُ ْ}] { مِنْ لَدُنَّا ْ} [أي: من عندنا] عِلْمًا، وكان قد أعطي من العلم ما لم يعط موسى، وإن كان موسى عليه السلام أعلم منه بأكثر الأشياء، وخصوصا في العلوم الإيمانية، والأصولية، لأنه من أولي العزم من المرسلين، الذين فضلهم الله على سائر الخلق، بالعلم، والعمل، وغير ذلك، فلما اجتمع به موسى قال له على وجه الأدب والمشاورة، والإخبار عن مطلبه.


تفسير البغوي

( فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة ) أي نعمة ( من عندنا وعلمناه من لدنا علما ) أي : علم الباطن إلهاما ولم يكن الخضر نبيا عند أكثر أهل العلم .


الإعراب:

(فَوَجَدا) الفاء عاطفة وماض وفاعله (عَبْداً) مفعول به (مِنْ عِبادِنا) متعلقان بمحذوف صفة لعبد والجملة معطوفة (آتَيْناهُ رَحْمَةً) ماض وفاعله ومفعولاه (مِنْ عِنْدِنا) متعلقان برحمة ونا مضاف إليه والجملة صفة ثانية لرحمة (وَعَلَّمْناهُ) الواو عاطفة وماض وفاعله ومفعوله والجملة معطوفة (مِنْ لَدُنَّا) متعلقان بعلمناه ونا مضاف إليه (عِلْماً) مفعول مطلق

---

Traslation and Transliteration:

Fawajada AAabdan min AAibadina ataynahu rahmatan min AAindina waAAallamnahu min ladunna AAilman

بيانات السورة

اسم السورة سورة الكهف (Al-Kahf - The Cave)
ترتيبها 18
عدد آياتها 110
عدد كلماتها 1583
عدد حروفها 6425
معنى اسمها (الكَهْفُ): جَمْعُهُ (كُهُوفٌ)، وَهُوَ الْمَغَارَةُ الْوَاسِعَةُ فِي الْجَبَلِ
سبب تسميتها انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا
أسماؤها الأخرى لا يُعرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (الكَهْفِ)
مقاصدها الْعِصْمَةُ مِنْ أَنْوَاعِ الْفِتَنِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقَصَصِ الْأَرْبَعِ فِيهَا
أسباب نزولها سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِن صَحَّ لِبَعْضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ
فضلها تَعْصِمُ مِن فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، قال ﷺ: «مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ». (رَوَاهُ مُسلِم). هِيَ نُورٌ لِصَاحِبِهَا، قَالَ ﷺ: مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ البَيْهَقِي). مِنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلَ مِنَ القُرْآنِ، فَعَنِ ابْنِ مَسعُودٍ رضي الله عنه قَاَل: فِي (بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالكَهْفِ، وَمَرْيَمَ، وَطَهَ، وَالأنْبِيَاءِ) - «هُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي». (رَوَاهُ البُخَارِيّ)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الكَهْفِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ بِشَارَةِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْجَنَّةِ، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿وَيُبَشِّرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرًا حَسَنٗا ٢﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ كَانَتۡ لَهُمۡ جَنَّٰتُ ٱلۡفِرۡدَوۡسِ نُزُلًا ١٠٧﴾... الآيَاتِ. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الْكَهْفِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الإِسْرَاءِ): اخْتُتِمَتِ (الْإِسْرَاءُ) بِالْحَمْدِ فَقَالَ سُبحَانَهُ: ﴿وَقُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ...١١١﴾، وَافْتُتِحَتِ (الْكَهْفُ) بِالْحَمْدِ فَقَالَ: ﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ عَلَىٰ عَبۡدِهِ ٱلۡكِتَٰبَ ... ١﴾.
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!