الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)
اختلف الناس فيمن يريد الحج أو العمرة فيمر على ميقات و أمامه ميقات آخر فلم يحرم في الأول و تعدى إلى الآخر كالمار بذي الحليفة فلم يحرم و تعدى إلى الجحفة فإنها في طريقه فقال قوم عليه دم و قال قوم ليس عليه شيء فمن راعى المسارعة إلى التلبس بالعبادة أعني بهذه العبادة الخاصة و رأى أن المسارعة إلى الخيرات سنة مؤكدة قال إن عليه دما في تعديها و من رأى أن الأصل في الدين رفع الحرج و قول اللّٰه تعالى ﴿يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ﴾ [البقرة:185] فارادة موافقة الحق فيما أراده أولى و كل عبادة فأخر و قال لا دم عليه [لا حكم للأسماء الإلهية في الأشياء إلا باستعداداتها]فالعارف إذا كان مشهده الاسم الأول المقيد بالآخر الأول المطلق الذي لا يتقيد بالآخر رأى أن التلبس بالعبادة في الآخر الذي لا يجوز تعديه و لا فسحة فيه أولى فإنه فيه صاحب فرض من كل وجه لا يسعه تركه و من رأى أن التلبس بهذه العبادة بحكم الاسم الأول أولى لكونه لا علم له بإتمامها فلا يدري هل يموت قبل أن يتلقاه الاسم الآخر فإن لم يحرم فارق موطن التكليف و هو لم يتلبس بعبادة اللّٰه اقتضاها له الموطن فحرم تجليها الإلهي فهو بحسب ما أشهده الحق و ما خرج في هذا كله عن حكم اسم إلهي من الأسماء على شهود منه فإن قيل كيف يتعداه غير متلبس بهذه العبادة و الميقات يقضى عليه بسلطانه و هو الاسم الأول قلنا لا حكم للأسماء في الأشياء إلا باستعدادات الأشياء للقبول و قبولها بحسب الحال التي تكون عليها في نفسها من ذاتها فإن الأسباب الخارجة الموجبة لأمر ما تضعف عن مقاومة الأسباب الداخلة التي في المكلف فربما يكون حال هذا المتعدي حال الختم فيطلبه بالتأخير فيعرف ذلك الاسم الأول فيضعف موطن ميقاته عن التأثير فيه لأنه ليس عين مشهده فيتعدى إلى الميقات الثاني لأن له الاسم الآخر و لا شك أن الآخر في الطريق يتضمن حكمه ما تقدمه مضافا إلى خصوصيته بخلاف الأول فالأول يدرج في الثاني و ليس الثاني مدرجا في الأول [كل لحظة إلهية متأخرة تتضمن ما تقدمها و فيها خصوصيتها]و من أصول القوم أن العارف لو جلس مع اللّٰه كذا و كذا سنة و فاتته لحظة من اللّٰه في وقته كان الذي فإنه في تلك اللحظة أكثر مما ناله قبل ذلك و سببه أن كل لحظة إلهية متاخرة تتضمن ما تقدمها من اللحظات و فيها خصوصيتها التي بها تميزت و بتلك الخصوصية صحت لها الكثرة على ما تقدمها فلهذا لم ير بالتعدي بأسا محمد صلى اللّٰه عليه و سلم آخر المرسلين فحصل جميع مقامات الرسل و زاد بخصوصيته بلا شك لأنه آخر النبيين و في هذا إشارة لمن فهم فإن قيل إذا تلبس بالعبادة أولا و مر على الآخر و هو متلبس فقد حصل له ما في الآخر بمروره متلبسا بها قلنا هكذا هو إلا أنه لم يحصل له في الثاني الحكم الخاص بالثاني الذي هو الإنشاء منه و هو أوليته فيفوته أولية الإنشاء منه لهذه العبادة بالاسم الآخر فلهذا تعدى إليه قال السائل كذلك أيضا يفوته أولية الأول في الإنشاء قلنا إن كل أولية مضافة تحكم عليها حقيقة الأولية التي لا تضاف و هي المعتبرة فما فاته ما يتحسر عليه إذ حقيقتها موجودة في أولية الآخر و الآخر لا وجود له في الأول [المعاني توجب أحكامها لمن قامت به]و من نظر في الأسماء بهذه العين علم كيف يقبل تصريفها فيه و يعين لها من ذاته ما يليق بها على شهود منه و بينة و علم صحيح و بهذا يتميز لأنه في نفس الأمر كذا هو ما يتلقاه منه إلا ما يليق به و لكن لا علم لكل أحد بذلك و بهذا تتفاوت الناس و يرفع اللّٰه درجات بعضهم على بعض و يعلم أيضا كيف يصرفها في غيره إذا مكنته من نفسها أو مكنه منها حاله لأنه ليس في الحقيقة أن يقوم بك العلم و لا تكون عالما فهذا هو التمكن الحالي الذي تقتضيه ذاته و لا يصح غيره لأن المعاني توجب أحكامها لمن قامت به و لو لا ذلك ما صح وجود العالم عن الحق أ لا ترى أن المحال لما لم يكن في استعداده قبول ما يقبله الممكن من الوجود لم يكن له وجود و لا يصح كالشريك لله تعالى في ألوهيته و لما كان الممكن في استعداده الذاتي قبول الإيجاد وجد فلا تغب عن حقائق الأمور فإنها تتداخل في حكم الناظر فيها لا في نفسها و من غاب عن الحقائق هوى في مهاوي الجهالات و يفوته درجة العلم الذي أمر اللّٰه نبيه بطلب الزيادة منه فلا شيء أشرف من العلم و لم يأمر بطلب زيادة في غيره من الصفات لأنه الصفة العامة التي لها الإحاطة بكل صفة و موصوف (وصل في فصل الآفاقي يمر على الميقات يريد مكة و لا يريد الحج و لا العمرة)اختلف العلماء فيمن ليس من أهل مكة يريد مكة و لا يريد حجا و لا عمرة و مر على ميقات من المواقيت هل يلزمه الإحرام أم لا إذا لم يكن ممن يكثر التردد إلى مكة فقال قوم يلزمه الإحرام و قال قوم لا يلزمه الإحرام و به أقول [رجال اللّٰه المسيرون و رجال اللّٰه السائرون]رجال اللّٰه على نوعين رجال يرون أنهم مسيرون و رجال يرون أنهم يسيرون فمن رأى أنه مسير لزمه الإحرام |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
| الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |
||||||||||





