الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() و القلم الأرفع في لوحه *** سطر عنه وصفك الزاكي فأنت عين الكل لا عينه *** أدناك من وجه و أقصاك إياك أن ترضى بما ترتضي *** من أجل ما يرضيك إياك كوني على أصلك في كل ما *** يريد لا تنسى فينساك هذا هو العلم الذي جاءني *** من قائل ليس بأفاك أنزله عن أمر علامة *** ما بين زهاد و نساك و الحمد لله الذي خصني *** بعلم أضواء و أحلاك و خصني بصورة لم يكن *** كمالها إلا بإيواك [الصوم هو الإمساك و الرفعة]اعلم أيدك اللّٰه أن الصوم هو الإمساك و الرفعة يقال صام النهار إذا ارتفع قال إمرؤ القيس إذا صام النهار و هجرا أي ارتفع و لما ارتفع الصوم عن سائر العبادات كلها في الدرجة سمي صوما و رفعه سبحانه بنفي المثلية عنه في العبادات كما سنذكره و سلبه عن عباده مع تعبدهم به و أضافه إليه سبحانه و جعل جزاء من اتصف به بيده من أنايته و ألحقه بنفسه في نفي المثلية [الصوم في الحقيقة هو ترك لا عمل]و هو في الحقيقة ترك لا عمل و نفي المثلية نعت سلبي فتقوت المناسبة بينه و بين اللّٰه قال تعالى في حق نفسه ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:11] فنفى أن يكون له مثل فهو سبحانه لا مثل له بالدلالة العقلية و الشرعية و «خرج النسائي عن أبي أمامة قال أتيت رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم فقلت مرني بأمر آخذه عنك قال عليك بالصوم فإنه لا مثل له» فنفى أن يماثله عبادة من العبادات التي شرع لعباده [الصوم على الحقيقة لا عبادة و لا عمل]و من عرف أنه وصف سلبي إذ هو ترك المفطرات علم قطعا أنه لا مثل له إذ لا عين له تتصف بالوجود الذي يعقل و لهذا «قال اللّٰه تعالى الصوم لي» فهو على الحقيقة لا عبادة و لا عمل و اسم العمل إذا أطلق عليه فيه تجوز كإطلاق لفظة الموجود على الحق المعقول عندنا تجوزا إذ من كان وجوده عين ذاته لا تشبه نسبة الوجود إليه نسبة الوجود إلينا فإنه ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:11] (إيراد حديث نبوي إلهي)«خرج مسلم في الصحيح عن أبي هريرة قال قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم قال اللّٰه عزَّ وجلَّ كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي و أنا أجزي به و الصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ و لا يسخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم إني صائم و الذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند اللّٰه يوم القيامة من ريح المسك و للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره و إذا لقي ربه عزَّ وجلَّ فرح بصومه» [فرح الصائم هو لحوقه بدرجة نفى المماثلة]و اعلم أنه لما نفى المثلية عن الصوم كما ثبت فيما تقدم من حديث النسائي و الحق ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:11] لقي الصائم ربه عزَّ وجلَّ يوصف ليس كمثله شيء فرآه به فكان هو الرائي المرئي فلهذا قال صلى اللّٰه عليه و سلم فرح بصومه و لم يقل فرح بلقاء ربه فإن الفرح لا يفرح بنفسه بل يفرح به و من كان الحق بصره عند رؤيته و مشاهدته فما رأى نفسه إلا برؤيته ففرح الصائم لحوقه بدرجة نفي المماثلة و كان فرحه بالفطر في الدنيا من حيث إيصال حق النفس الحيوانية التي تطلب الغذاء لذاتها فلما رأى العارف افتقار نفسه الحيوانية النباتية إليه و رأى جوده بما أوصل إليها من الغذاء أداء لحقها الذي أوجبه اللّٰه عليه قام في هذا المقام بصفة حق فأعطى بيد اللّٰه كما يرى الحق عند لقائه بعين اللّٰه فلهذا فرح بفطره كما فرح بصومه عند لقاء ربه (بيان ما يتضمنه |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |