(وصل في فصل صلاة المريض)
أجمع العلماء على إن المريض إذا بقي عليه عقل التكليف أنه مخاطب بأداء الصلاة و أنه يسقط عنه منها ما لا يستطيعه من قيام و ركوع و سجود و اختلفوا فيمن استطاع أن يصلي جالسا و في هيأة الجلوس و في هيأة الذي لا يقدر على الجلوس و لا على القيام فأما المصلي جالسا فقال قوم هو الذي لا يستطيع القيام أصلا و قال قوم هو الذي يشق عليه القيام من المرض و أما صفة الجلوس فقال قوم يجلس متربعا في الجلوس الذي هو بدل من القيام و كره ابن مسعود الجلوس متربعا و أما الذي لا يقدر على القيام و لا على الجلوس فقوم قالوا يصلي مضطجعا و قوم قالوا يصلي كيف تيسر له و قوم قالوا يصلي و رجلاه إلى القبلة و قوم قالوا يصلي على جنب من لا يستطيع الجلوس فإن لم يستطع على جنب صلى مستلقيا و رجلاه إلى القبلة
[يصلي المريض على قدر استطاعته و كما تيسر له]
و الذي أذهب إليه و أقول به إن اللّٰه قد رفع عن المسلم المكلف الحرج في دين اللّٰه و أمره أن يتقي اللّٰه ما استطاع : فليصل المريض على قدر استطاعته و كما تيسر له و رفع الحرج عنه الذي يضربه في الزيادة من مرضه و لا يترك الصلاة أصلا و لو سقط عن استطاعته الإتيان بجميع الأركان و جميع الشروط المصححة لصلاة الصحيح فإن خطاب الشارع إنما يكلفه على حاله الذي يقدر عليه فإن اللّٰه ما كلف ﴿نَفْساً إِلاّٰ وُسْعَهٰا﴾ [البقرة:286] و ﴿مٰا آتٰاهٰا﴾ [الطلاق:7] و خفف عنها أكثر من هذا بقوله تعالى ﴿سَيَجْعَلُ اللّٰهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً﴾ [الطلاق:7] متصلا بقوله تعالى ﴿لاٰ يُكَلِّفُ اللّٰهُ نَفْساً إِلاّٰ مٰا آتٰاهٰا﴾ [الطلاق:7] فكأنه يقول و إن أعطاها و فعلته بمشقة هي عسر في حق المكلف فكان اليسر قوله ﴿مٰا(جَعَلَ) عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ فما أشد رفقه بعباده
(وصل
الاعتبار في ذلك)
الأمراض ثلاثة أنواع بدنية و نفسية و عقلية لا رابع لها فالبدنية هي التي كنا بصددها و هي التي يعرفها علماء الرسوم و الأمراض النفسية الهموم المشتملة على أداء حق لله وجب عليها و الأمراض العقلية الشبه المضلة القادحة في الأدلة و في الايمان تحول بين العقل من العاقل و بين صحة الايمان فأما الأمراض النفسية مع وجود الايمان فإن الايمان في هذا المؤمن للنفس بمنزلة وجود العقل للمريض المرض البدني فيؤدي صلاته في مناجاة ربه و مشاهدته كما كان عمر بن الخطاب رضي اللّٰه عنه كان يجهز الجيش في الصلاة فإن المؤمن الصادق ما له حديث إلا مع ربه و لا يناجي أحدا من عباد اللّٰه دون أن يرى في ذلك مناجاة ربه بحسب ما يليق فصاحب مرض النفس المؤمن يناجي ربه من حيث إيمانه في عين همومه فيكون شغله منه فيه به فلا يبرح في همه و إيمانه بالله يقول له همك هو اللّٰه و نظرك فيه إنما هو بالله فإن اللّٰه هو الوجود و الموجود و هو المعبود في كل معبود و في كل شيء و هو وجود كل شيء و هو المقصود من كل شيء و هو المترجم عنه كل شيء و هو الظاهر عند ظهور كل شيء و هو الباطن عند فقد كل شيء شيئا و هو الأول من كل شيء و هو الآخر من كل شيء : فلا تفوت المؤمن عبادة اللّٰه في كل وجه و على كل حال فإن الأمراض النفسية لا تقدح في الايمان
[الأمراض العقلية تقدح في الإيمان]
و أما الأمراض العقلية فهي القادحة في الايمان و الايمان له تعلقان تعلق بوجود الحق و تعلق بتوحيد الحق و أما الايمان بأحدية الحق من حيث ذاته فذلك من مدارك النظر العقلي عند أهل النظر و عندنا من وجه أفكارنا و أما من جهة الذكر و الكشف فلا و كذلك توحيد الحق يدرك بالإيمان و يدرك بالنظر و لم تتعرض شريعة لاحدية الذات بطريق التنصيص عليها و إن كانت ترد مجملة فلهذا لا تدخل في سلك الايمان فإن كان المرض العقلي قد حال بينك و بين صحة الايمان بوجود الحق فقد حال بينك و بين العلم الضروري فإن العلم بوجود الصانع عند ظهور الصنعة للناظر ضروري و إن لم يعلم حقيقة الصانع و لا ماهيته و لا ما يجب أن يكون عليه و يجوز و يستحيل إلا بعد نظر فكري و إخبار إلهي نبوي فهذا مرض لا طب فيه
[فقدان العلم الضروري]
و من فقد العلم الضروري كان بمنزلة المريض الذي قد استفرغ المرض نفسه بحيث لا يعلم أنه مريض و لا ما هو فيه فيرتفع عنه خطاب الشرع لأنه لا عقل له و أما إذا كان معه الايمان أو العلم الضروري بوجود الحق الخالق نفى المرض المزيل لصحة التوحيد بأن يقلد فيكون مؤمنا أو ينظر و يستدل فيكون عالما فإن حصل عن نظر و استدلال فمرضه إن لا يقبل من الشارع ما جاء به من صفات الحق القادحة في أحدية الذات مع صحة توحيد الإله عقلا و شرعا صلى و أقام عبادته مع هذا المرض فإنه نافعه إذ عقله فيه من المرض بحيث أن لا يستطيع إلا هذا القدر الذي ذكرناه من توحيد اللّٰه تعالى فإن المؤمن الصحيح