الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)
و ما فارق الأرض مما ينطلق عليه اسم الأرض إذا كان في الأرض فإنه مختلف فيه ما عدا التراب كما ذكرنا و هذه الطهارة قد تكون عبادة مستقلة كما قال صلى اللّٰه عليه و سلم فيها ﴿نُورٌ عَلىٰ نُورٍ﴾ [النور:35] و قد تكون شرطا في صحة عبادة مشروعة مخصوصة لا تصح تلك العبادة شرعا إلا بوجودها أو الأفضلية فالأول كالوضوء على الوضوء نور على نور و الثاني لرفع المانع عن فعل العبادة التي لا تصح لا بهذه الطهارة و استباحة فعلها و هو الأصل في تشريعها و مما تقع به هذه الطهارة ما يكون رافعا للمانع مبيحا للفعل معا و هو الماء بلا خلاف و نبيذ التمر في الوضوء بخلاف و منه ما تقع به الإباحة للفعل المعين في الوقت المفروض وقوعه و لا يرفع المانع بخلاف و هو التراب و عندي إنه يرفع المانع في الوقت و لا بد و كون الشارع حكم بالطهارة إذا وجد الماء حكم آخر منه كما عاد حكم المانع بعد ما كان ارتفع و ما عدا التراب مما فارق الأرض بخلاف قال اللّٰه تعالى ﴿يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاٰةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ﴾ [المائدة:6] بنصف اللام و خفضه إلى الكعبين ﴿وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغٰائِطِ(أَوْ لاٰمَسْتُمُ النِّسٰاءَ)فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ﴾ [الرجز و الرجس و إبدال السين بالزاي]و قال تعالى ﴿وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَ يُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطٰانِ﴾ [الأنفال:11] و زاى الرجز هنا بدل من السين على قراءة من قرأ الزراط بالزاي و هي لغة قرأ ابن كثير بها أعني بالسين و حمزة بالزاي و باقي القراء بالصاد سمعت شيخا و كنت أقرأ عليه القرآن يقال له محمد بن خلف بن صاف اللخمي بمسجده المعروف به بقوس الحنية بإشبيلية من بلاد الأندلس سنة ثمان و سبعين و خمسمائة فقرأت السراط بالسين لابن كثير فقال لي سأل بعض ناقلي اللغة بعض الأعراب كيف تقولون صقر أو سقر فقال له ما أدري ما تقول و لكنني أظنك تسأل عن الزفر فقال فزادني لغة ثالثة ما كنت أعرفها قال الفراء الرجس القذر و لا شك أن الماء يزيل القذر و الطهور الشرعي يذهب قدر الشيطان قال تعالى ﴿وَ ثِيٰابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [المدثر:4] قال إمرؤ القيس و إن كنت قد ساءتك مني خليقة *** فسلي ثيابي من ثيابك تنسل فكنى بالثوب عن الود و الوصلة و «قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم في خبر عن ربه سبحانه ما وسعني أرضي و لا سمائي و وسعني قلب عبدي المؤمن» و من أسمائه سبحانه ﴿اَلْمُؤْمِنُ﴾ [البقرة:223] فمن تخلق به فقد طهر قلبه لأن القلب محل الايمان و كانت السعة الإلهية و التجلي الرباني [الطهارة عامة و الطهارة خاصة](و الطهارة عامة)و هي الغسل للفناء الذي عم ذاته لوجود اللذة بالكون عند الجماع أريها السهى و تريني القمر (و خاصة)و هي الوضوء المخصص بعض الأعضاء بالاغتسال و المسح و هو تنبيه على مقامات معلومة و تجليات شريفة منها القوة و الكلام و الأنفاس و الصدق و التواضع و الحياء و السماع و الثبات فهذه أعضاء الوضوء و هي مقامات شريفة لها نتائج في القرب إلى اللّٰه [أداتا الطهارة الروحية]و هذه الطاهرة الروحانية بأحد أمرين إما سر الحياة أو بأصل النشء الطبيعي العنصري فالوضوء بسر الحياة لمشاهدة الحي القيوم أو بأصل النشء في الأب الذي هو أصل الأبناء و هو الأرض و التراب و ليس إلا النظر و التفكر في ذاتك لتعرف من أوجدك فإنه أحالك عليك في قوله تعالى ﴿وَ فِي أَنْفُسِكُمْ أَ فَلاٰ تُبْصِرُونَ﴾ [الذاريات:21] و في «قول رسوله صلى اللّٰه عليه و سلم من عرف نفسه عرف ربه» أحالك عليك بالتفصيل و أخفاك عنك بالإجمال لتنظر و تستدل فقال في التفصيل ﴿وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسٰانَ مِنْ سُلاٰلَةٍ مِنْ طِينٍ﴾ [المؤمنون:12] و هو آدم عليه السلام هنا ﴿ثُمَّ جَعَلْنٰاهُ نُطْفَةً فِي قَرٰارٍ مَكِينٍ﴾ [المؤمنون:13] و هي نشأة الأبناء في الأرحام مساقط النطف و مواقع النجوم فكنى عن ذلك بالقرار المكين ﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظٰاماً فَكَسَوْنَا الْعِظٰامَ لَحْماً﴾ [المؤمنون:14] و قد تم البدن على التفصيل فإن اللحم يتضمن العروق و الأعصاب و في كل طور له آية *** تدل على إنني مفتقر ثم أجمل خلق النفس الناطقة الذي هو بها إنسان في هذه الآية فقال ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنٰاهُ خَلْقاً آخَرَ﴾ [المؤمنون:14] [مرتبة الجسد و مرتبة الروح]عرفك بذلك أن المزاج لا أثر له في لطيفتك و إن لم يكن نصا لكن هو ظاهر و أبين منه قوله ﴿فَسَوّٰاكَ فَعَدَلَكَ﴾ [الإنفطار:7] و هو ما ذكره في التفصيل من التقلب في الأطوار فقال ﴿فِي أَيِّ صُورَةٍ مٰا شٰاءَ رَكَّبَكَ﴾ [الإنفطار:8] فقرنه بالمشيئة فالظاهر أنه لو اقتضى المزاج روحا خاصا معينا ما قال |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
| الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |
||||||||||





