يسخط الآخر و أنت حاكم و الخصمان في مجلس قلبك الملك و الشيطان فارض الملك و أسخط الشيطان فإنه يقول للإنسان اكفر فإذا كفر ﴿قٰالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخٰافُ اللّٰهَ رَبَّ الْعٰالَمِينَ﴾ [الحشر:16] و اعلم أن الدين أقوى منه و أحصن و العدل أقوى عدة يتخذها الحاكم لقتال من يسخطه من الخصمين فإنه يقاتل هواه فيه و لا سيما إن كان المبطل حميمه و صاحبه و إذا أردت أن لا تخاف أحدا فلا تخف أحدا تأمن من كل شيء إذا أمن منك كل شيء مررت في سفري في زمان جاهليتي و معي والدي و أنا ما بين قرمونة و بلمة من بلاد الأندلس و إذا بقطيع حمر وحش ترعى و كنت مولعا بصيدها و كان غلماني على بعد مني ففكرت في نفسي و جعلت في قلبي إني لا أوذى واحدا منها بصيد و عند ما أبصرها الحصان الذي أنا راكبة هش إليها فمسكته عنها و رمحي بيدي إلى أن وصلت إليها و دخلت بينها و ربما مر سنان الرمح بأسنمة بعضها و هي في المرعى فو الله ما رفعت رءوسها حتى جزتها ثم أعقبني الغلمان ففرت الحمر أمامهم و ما علمت سبب ذلك إلى أن رجعت إلى هذا الطريق أعني طريق اللّٰه فحينئذ علمت من نظري في المعاملة ما كان السبب و هو ما ذكرناه فسرى الأمان في نفوسهم الذي كان في نفسي لهم فكف عن ظلمك و اعدل في حكمك ينصرك الحق و يطيعك الخلق و تصفو لك النعم و ترتفع عنك التهم فيطيب عيشك و يسكن جأشك و ملكت القلوب و أمنت محاربة الأعداء و أخفى ودك في نفسه من أظهر لك العداوة في حسه لحسد قام به فهو حبيب في صورة بغيض
(و من منشور الحكم
و الوصايا)
قال بعضهم العدل ميزان الباري و لذلك هو مبرأ من كل زيغ و ميل و قال بعضهم في ملك إذا حسنت سيرته و صلحت سريرته صير رعيته جندا و إن أول العدل أن يبدأ الرجل بنفسه فيلزمها كل خلة زكية و خصلة رضية في مذهب سديد و مكسب حميد ليسلم عاجلا و يسعد آجلا و إن أول الجور أن يعمد إليها فيجنبها الخير و يعودها الشر و يكسبها الآثام و يلبسها المذام ليعظم وزرها و يقبح ذكرها و قال بعضهم من بدأ بنفسه فساسها أدرك سياسة الناس أصلحوا أنفسكم تصلح لكم آخرتكم أصلح نفسك لنفسك تكن الناس تبعا لك أحسن العظات ما بدأت به نفسك و أجريت عليه أمرك من رضي عن نفسه سخط الناس عليه من ظلم نفسه كان لغيره أظلم و من هدم دينه كان لمجده أهدم خير الآداب ما حصل لك ثمره و ظهر عليك أثره من تعزز بالله لم يذله سلطان و من توكل عليه لم يضره شيطان ليكن مرجعك إلى الحق و منزعك إلى الصدق فالحق أقوى معين و الصدق أفضل قرين من لم يرحم الناس منعه اللّٰه من رحمته و من استطال بسلطانه سلبه اللّٰه من قدرته إن العدل ميزان اللّٰه وضعه للخلق و نصبه للحق فلا تخالفه في ميزانه و لا تعارضه في سلطانه استغن عن الناس بخلتين قلة الطمع و شدة الورع من طال كلامه سئم و من قل احترامه شتم و دخلت على بعض الصالحين يسبته على بحر الرقاق و كان قد جرى بيني و بين السلطان من الكلام ما يوجب و حر الصدر و يضع من القدر فوصل إليه الخبر فلما أبصرني قال لي يا أخي ذل من ليس له ظالم يعضده و ضل من ليس له عالم يرشده يا أخي الرفق الرفق فقلت له ما دام رأس المال محفوظا أعني الدين فقال صدقت و سكت عني لا تحاج من يذهلك خوفه و يملكك سيفه فرب حجة تأتي على مهجة و قرصة تؤدي إلى غصة و إياك و اللجاج فإنه يوغر القلوب و ينتج الحروب عي تسلم به خير من نطق تندم عليه و اقتصر من الكلام بما يقيم حجتك و يملك حاجتك و إياك و فضوله فإنه يزل القدم و يورث الندم عي يزري بك خير من براعة تأتي عليك
(وصية نبوية)
«قال رسول اللّٰه ﷺ لرجل يوصيه أقلل من الشهوات يسهل عليك الفقر و أقلل من الذنوب يسهل عليك الموت و قدم مالك أمامك يسرك اللحاق به و اقنع بما أوتيته يخف عليك الحساب و لا تتشاغل عما فرض عليك بما قد ضمن لك أنه ليس بفائتك ما قسم لك و لست بلاحق ما روى عنك و لأنك جاهدا فيما يصبح نافدا واسع لملك لا زوال له في منزل لا انتقال عنه» و من الوصية النبوية أيضا «قال رسول اللّٰه ﷺ ما سكن حب الدنيا قلب عبد إلا التاط منها بثلاث شغل لا ينفك عناه و فقر لا يدرك غناه و أمل لا ينال منتهاه إن الدنيا و الآخرة طالبتان و مطلوبتان فطالب الآخرة تطلبه الدنيا حتى يستكمل رزقه و طالب الدنيا تطلبه الآخرة حتى يأخذ الموت بعنقه ألا و إن»