الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() بذلك فقال و أي كريم يأتي إليه جماعة يشفعون عنده في شخص فيرد شفاعتهم لا و اللّٰه لا يردها أبدا فكيف اللّٰه الذي هو أكرم الكرماء و أرحم الرحماء فما دعاهم ليشفعوا فيه إلا و يقبل شفاعتهم إذا لكريم يقبلها و إن لم يدعهم إلى الشفاعة فيه فكيف و قد دعاهم اعلم أن اللّٰه أمرك أن تتقي النار فقال ﴿وَ اتَّقُوا النّٰارَ﴾ [آل عمران:131] أي اجعل بينك و بينها وقاية حتى لا يصل إليك أذاها يوم القيامة فإنه «ثبت أنه ما من أحد إلا سيكلمه اللّٰه ليس بينه و بينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم و ينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم و ينظر بين يديه فلا يرى إلا النار فاتقوا النار و لو بشق تمرة» و لقد وشي ببعض شيوخنا بالمغرب عند السلطان بأمر فيه حتفه و كان أهل البلد قد أجمعوا على ما وشي به و ما قيل فيه مما يؤدي إلى هلاكه فأمر السلطان نائبه أن يجمع الناس و يحضر هذا الرجل فإن أجمعوا عليه على ما قيل فيه يأمر الوالي أن يقتله و إن قيل غير ذلك خلى سبيله فجمع الناس لميقات يوم معلوم و عرفوا ما جمعوا له و كلهم على لسان واحد إنه فاسق يجب قتله بلا مخالف فلما جيء بالرجل مر في طريقه بخباز فاقترض منه نصف رغيف فتصدق به من ساعته فلما وصل إلى المحفل و كان الوالي من أكبر أعدائه أقيم في الناس و قيل لهم ما عندكم في هذا الرجل و ما تقولون فيه و سموه فما بقي أحد من الناس إلا قال هو عدل رضي عن آخرهم فتعجب الوالي من قولهم خلاف ما كان يعلمه منهم و ما كانوا يقولون فيه قبل حضوره فعلم إن الأمر إلهي و الشيخ يضحك فقال له الوالي مم تضحك فقال من صدق رسول اللّٰه ﷺ تعجبا به و إيمانا و اللّٰه ما من أحد من هذه الجماعة إلا و يعتقد في خلاف ما شهد به و أنت كذلك و كلكم علي لا لي فتذكرت النار و رأيتها أقوى غضبا منكم و تذكرت نصف رغيف و رأيته أكبر من نصف تمرة و «سمعت عن رسول اللّٰه ﷺ يقول اتقوا النار و لو بشق تمرة» فاتقيت غضبكم بنصف رغيف فدفعت الأقل من النار بالأكثر من شق التمرة و عليك يا أخي بالصدقة فإنها تطفئ غضب الرب و لها ظل يوم القيامة يقي من حر الشمس في ذلك الموقف و إن الرجل يكون يوم القيامة في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس و ما من يوم يصبح فيه العبد إلا و ملكان ينزلان كذا جاء و «ثبت عن رسول اللّٰه ﷺ يقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا و هو قوله تعالى» ﴿وَ مٰا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾ [ سبإ:39] و يقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا يدعو له بالإنفاق مثل الأول المنفق لا يدعو عليه فإنهم لا يدعون إلا بخير فهم الذين يقولون ﴿رَبَّنٰا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَ عِلْماً﴾ [غافر:7] و هم الذين قال اللّٰه فيهم إنهم ﴿يَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾ [الشورى:5] فما أراد الملك بالتلف في دعائه إلا الإنفاق و هذا خلاف ما يتوهمه الناس في تأويل هذا الخبر و ليس إلا ما قلناه «فإن النبي ﷺ يقول في الرجل الذي آتاه اللّٰه مالا فسلطه على هلكته فيتصدق به يمينا و شمالا» فجعل صدقته هلاك المال و هذا معنى تلفه و الإنفاق ليس إلا هلاك المال فإنه من نفقت الدابة إذا هلكت فالمال المنفوق هو الهالك لأنه هلك عن يد صاحبه و لهذا دعا للمنفق بالخلف و هو العوض لما مر منه مع ادخار اللّٰه له ذلك عنده إلى يوم القيامة إذا قصد به القربة و اقترنت بعطائه النية الصالحة (وصية)احذر أن يراك اللّٰه حيث نهاك أو يفقدك حيث أمرك و اجهد أن يكون لك خبية عمل لا يعلم بها إلا اللّٰه فإن ذلك أعظم وسيلة لخلوص ذلك العمل من الشوب و قليل من يكون له هذا و عليك بصيام يوم عرفة و يوم عاشوراء و ثابر على عمل الخير في عشر ذي الحجة و في عشر المحرم و إذا قدرت على صوم يوم في سبيل اللّٰه بحيث لا يؤثر فيك ضعفا في بلائك في العدو فافعل و إذا علمت إن النفس تحب أن تمشي في خدمتها فاجهد إن تجعل الملائكة تمشي في خدمتك و تضع أجنحتها لك في طريقك و ذلك بأن تكون من طلاب العلم و إن كان بالعمل فهو أولى و أحق و أعظم عند اللّٰه و هو قوله ﴿إِنْ تَتَّقُوا اللّٰهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقٰاناً﴾ [الأنفال:29] و كذلك إذا خرجت تعود مريضا ممسيا أو مصبحا أو معا فأنت إذا خرجت من عنده خرج معك سبعون ألف ملك يستغفرون لك إن كان صباحا حتى تمسي و إن كان مساء حتى تصبح و اجهد أن تقرأ في كل صباح و مساء أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ﴿هُوَ اللّٰهُ الَّذِي لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ عٰالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهٰادَةِ هُوَ الرَّحْمٰنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللّٰهُ الَّذِي لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاٰمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبّٰارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحٰانَ اللّٰهِ عَمّٰا يُشْرِكُونَ هُوَ اللّٰهُ الْخٰالِقُ الْبٰارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمٰاءُ الْحُسْنىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مٰا فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ تقرأ ذلك ثلاث مرات على صورة |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |