الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() يا أخي لي و اللّٰه أكثر من خمسين سنة ما حدثتني نفسي بمعصية قط اللّٰه الحمد على ذلك و احذر يا أخي من التنطع في الكلام و التشدق و إياك أن يستعبدك غير اللّٰه من عرض من عروض الدنيا فإنك عبد لمن استعبدك و إياك و التكبر و الجبروت و تفقد مصالح ما عندك من الحيوانات من بهيمة و فرس و جمل و هرة و غير ذلك و لا تغفل عنهم فإنهم خرس و أمانات بأيديكم إذا أنتم حبستموها عن مصالحها و إياك أن تحدث أخاك بحديث يرى أنك فيه صادق فيصدقك و أنت فيه كاذب لا تحقر أخاك شيئا من نعيم اللّٰه و إن قل و لا تزدر أحدا من عباد اللّٰه و أملك نفسك عند الغضب و عليك بتحمل الأذى من عباد اللّٰه و الصبر عليه فليس أحد أصبر على أذى يسميه من اللّٰه إنهم ليدعون له ولدا و هو يرزقهم و يعافيهم فاجعل الحق أمامك و عامل عباده بما عاملهم به «نزل مشرك بإبراهيم الخليل فاستضافه فقال له إبراهيم عليه السّلام حتى تسلم فقال يا إبراهيم لا أفعل و انصرف فأوحى اللّٰه إليه بإبراهيم من أجل لقمة يترك دينه و دين آبائه إنه ليشرك بي منذ سبعين سنة و أنا أرزقه فخرج إبراهيم عليه السّلام في أثر الرجل فعرض عليه الرجوع فاستخبره عن ذلك فأخبره بعتب اللّٰه له في ذلك فأسلم المشرك» و عليك بترتيل القرآن و التغني به و ذلك بأن تحبره و تستوفي حروفه و إياك أن تدعو إلى عصبية بل ادع إلى اللّٰه و إذا كنت في سفر فلا تصم فإن ذلك ليس من البر عند اللّٰه تعالى و إن كنت و لا بد صاحب لهو فبامرأتك و فرسك و سهامك و اجتنب الاسترقاء و الاكتواء و الطيرة إن أردت أن نكون من السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب و عليك بفعل البر «في يوم الإثنين و يوم الخميس فإنهما يومان تعرض فيهما الأعمال على اللّٰه تعالى و كان رسول اللّٰه ﷺ لا يترك صومهما و يقول إني أحب أن يرفع عملي و أنا صائم» فإن الصوم عبادة تستغرق النهار كله سواء غفل العبد عن عبادة في ذلك اليوم أو لم يغفل فإنه في عبادة صومه بما نواه و إياك و الشحناء فإنه نظير الشرك في عدم المغفرة عند اللّٰه و اعلم أن العبد يبعث على ما مات عليه فلا تمت إلا و أنت مسلم إياك و صحبة من تفارقه و لا نصحب إلا من لا يفارقك و هو العمل فاجعل عملك صالحا تأنس به و تسر و اجعله لك لا عليك و اعلم أن القبر خزانة أعمالك فلا تخزن فيه إلا ما إذا دخلت إليه يسرك ما تراه يقول بعضهم يا من بدنياه اشتغل *** و غره طول الأمل و لم يزل في غفلة *** حتى دنا منه الأجل الموت يأتي بغتة *** و القبر صندوق العمل يرجع عن الميت أهله و ماله و يبقى معه عمله أشقى الناس يوم القيامة من أمر بالمعروف و لم يأته و نهى عن المنكر و أتاه و عليك بكسب الحلال و طيب المطعم و فر بدينك من الفتن إذا وقعت في الناس و ظهرت و إياك و الحرص على المال و احذر أن تسب الدهر فإن اللّٰه هو الدهر و إن أردت به الزمان فما بيد الزمان شيء بل الأمر بيد اللّٰه لا تقل مالي و هل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت و ما بقي بعد ذلك فعليك لا لك و أنت مسئول عما جمعت من أين جمعت و فيم أنفقت و لم اختزنت لا تتزوج من النساء إلا ذات الدين فإن من أعظم النعم على العبد المرأة الصالحة تعين على الدين و لا تكفر العشير كن من حملة الدين تكن عدلا بشهادة الرسول ص «فإنه قال يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله» ابدأ بالسلام على من هو أكبر منك و ابدأ بالسلام على الماشي إن كنت راكبا و على القاعد إن كنت ماشيا و لقد جرى لي مع بعض الخلفاء رضي اللّٰه عنه ذات يوم كنا نمشي و معنا جماعة و إذا بالخليفة مقبل فتنحينا عن الطريق و قلت لأصحابى من بدأه بالسلام أرذلت به عنده فلما وصل و حاذانا بفرسه انتظر أن نسلم عليه كما جرت عادة الناس في السلام على الخلفاء و الملوك فلم نفعل فنظر إلينا و قال سلام عليكم و رحمة اللّٰه و بركاته بصوت جهير فقلنا له بأجمعنا و عليك السلام و رحمة اللّٰه و بركاته فقال جزاكم اللّٰه عن الدين خيرا و شكرنا على فعلنا و انصرف فتعجب الحاضرون لا تؤمن رجلا في سلطانه و لا نقعد على تكرمته |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |