الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() فيغفر لهم تلك المعصية بالإيمان الذي خلطها به فمتعلق عسى هنا رجوعه سبحانه عليهم بالرحمة لا رجوعهم إليه فإنه ما ذكر لهم توبة كما قال في موضع آخر ﴿ثُمَّ تٰابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا﴾ [التوبة:118] و هنا جاء بحكم آخر ما فيه ذكر توبتهم بل فيه توبة اللّٰه تعالى عليهم و الذي أوصيك به إنك لا تنقل مجلسا و لا تبلغ ذا سلطان حديثا إلا خير أخرج الترمذي حديثا عن حذيفة أو غيره أنا الشاك إن رجلا مر عليه فقيل له عنه إن هذا يبلغ الأمراء الحديث «فقال سمعت رسول اللّٰه ﷺ يقول لا يدخل الجنة قتات» قال أبو عيسى و القتات النمام و إذا حدثك إنسان و تراه يلتفت يمينا و شمالا يحذر أن يسمع حديثه أحد فاعلم إن ذلك الحديث أمانة أودعك إياه فاحذر أن تخونه في أمانته بأن تحدث بذلك عند أحد فتكون ممن أدى الأمانة إلى غير أهلها فتكون من الظالمين و قد ثبت أن المجالس بالأمانة و أما وصيتي لك أن لا تبلغ ذا سلطان حديثا بشر فإن ذلك نميمة قال تعالى في ذمه ﴿مَشّٰاءٍ بِنَمِيمٍ﴾ [ القلم:11] و من الوصايا الحذر من الطعن في الأنساب فلا تحل بين شخص و بين أبيه صاحب الفراش فإن ذلك كفر بنص الشارع فيه و عليك بمراعاة الأوقات في الدعاء مثل الدعاء عند الأذان و عند الحرب و عند افتتاح الصلاة فإن المطلوب من الدعاء إنما هو الإجابة فيما وقع السؤال فيه من اللّٰه و أسباب القبول كثيرة و تنحصر في الزمان و المكان و الحال و نفس الكلمة التي تذكر اللّٰه بها من الذكر حين تدعوه في مسألته فإنه إذا اقترن واحد من هذه الأربعة بالدعاء أجيب الدعاء و أقوى هذه الأربعة الاسم ثم الحال و عليك بمراعاة حق اللّٰه و حق الخلق أن توجه لهم عليك حق فإن اللّٰه يؤتيك أجرك مرتين من حيث ما أديته من حقه و من حيث ما أديت من حق من تعين عليك له حق من خلق اللّٰه و إن كانت لك جارية فأدبتها و أحسنت أدبها فإن لك في ذلك أجرا عظيما ثم إن أعتقتها فلك في العتق الأجر العظيم العام لذاتك فإن تزوجت بها فلك أجر آخر أعظم من أنك لو تزوجت بغيرها فإذا رأيت غازيا فأعنه بطائفة من مالك و كذلك المكاتب و كذلك الناكح يريد بنكاحه عصمة دينه و العفاف فإنك إذا فعلت ذلك و أعنتهم فإنك نائب اللّٰه في عونهم فإن عون هؤلاء حق على اللّٰه بنص الخبر فمن أعانهم فقد أدى عن اللّٰه ما أوجبه اللّٰه على نفسه لهم فيكون اللّٰه يتولى كرامته بنفسه فما دام المجاهد في سبيل اللّٰه مجاهدا بما أعنته عليه فإنك شريكه في الأجر و لا ينقصه شيء و كذلك إعانة الناكح حتى أنه لو ولد له ولد فكان صالحا فإن لك في ولده و في عقبه أجرا وافرا تجده يوم القيامة عند اللّٰه و هو أعظم من المكاتب و المجاهد فإن النكاح أفضل نوافل الخيرات و أقربه نسبة إلى الفضل الإلهي في إيجاده العالم و يعظم الأجر بعظم النسب [أن الإنسان مجبول على الفاقة و الحاجة]و اعلم أن الإنسان مجبول على الفاقة و الحاجة فهو مجبول على السؤال فإن رزقك اللّٰه يقينا فلا تسأل إلا اللّٰه تعالى في طلب نفع يعود عليك أو دفع ضرر نزل بك فإذا سألك أحد بالله لا بقرابة و لا بشيء غير اللّٰه عزَّ وجلَّ فأعطه مسألته بحيث لا يعلم بذلك أحد إلا هو خاصة و لا بد لك في مثل هذه الأعطية أن تعرفها له فإنه ينجبر في نفسه ما انكسر منها عند سؤاله فإذا لم يعلم أن سؤاله نفع انكسر فلا بد أن تجيبه إلى مسألته على علم منه فإن علمت بحاله من غير سؤال منه فمثل هذا تعمل أن تعطيه مسألته بالحال من غير أن يعلم أنك أعطيته فإنه يخجل بلا شك و لا سيما إن كان من أهل المروءات و البيوت و ممن لم تتقدم له عادة بذلك و فرق بين الحالتين فإن الفرق بينهما دقيق فإن السائل الأول يخجل إذا لم يعلم أنك أعطيته و الثاني يخجل إذا علم أنك أعطيته و المقصود رفع الخجل عن صاحب الفاقة [ذكر اللّٰه على كل حال]و عليك بذكر اللّٰه بين الغافلين عن اللّٰه بحيث لا يعلمون بك فتلك خلوة العارف بربه و هو كالمصلي بين النائمين و إياك و منع فضل الماء من ذي الحاجة إليه و احذر من المن في العطاء فإن المن في العطاء يؤذن بجهل المعطي من وجوه منها رؤيته نفسه بأنه رب النعمة التي أعطى و النعمة إنما هي لله خلقا و إيجاد أو الثاني نسيانه منة اللّٰه عليه فيما أعطاه و ملكه من نعمه و أحوج هذا الآخر لما في يده و الثالث نسيانه أن الصدقة التي أعطاها إنما تقع بيد الرحمن و الآخر ما يعود عليه من الخير في ذلك فلنفسه أحسن و لنفسه سعى فكيف له بالمنة على ذلك الآخر إنه ما أوصل إليه إلا ما هو له إذ لو كان رزقه ما أوصله إليه فهو مؤد أمانة من حيث لا يشعر فجهله بهذه الأمور كلها جعله يمتن بالعطاء على من أوصل إليه راحة و أبطل عمله فإن اللّٰه يقول ﴿لاٰ تُبْطِلُوا صَدَقٰاتِكُمْ﴾ [البقرة:264] |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |