الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() عليك و يتفكر في نفسه من ذا الذي يشهد علي فيختم علي فيه و يقال لفخذه انطقي فينطق فخذه و لحمه و عظامه بعمله و ذلك ليعذر من نفسه و ذلك المنافق و ذلك الذي سخط اللّٰه عليه و «قد ورد في الحديث الثابت في أمر الدنيا أن الساعة لا تقوم حتى تكلم الرجل بما فعل أهله» فخذه و عذبة سوطه و قد قيل في التفسير إن الميت الذي أحياه اللّٰه في بنى إسرائيل في حديث البقرة في قوله ﴿اِضْرِبُوهُ بِبَعْضِهٰا﴾ [البقرة:73] قال ضرب بفخذها و إن اللّٰه ما عين ذلك البعض فاتفق إن ضربوه بالفخذ فاحذر يا أخي يوما تشهد فيه عليك الجلود و الجوارح و أنصف من نفسك و عامل جوارحك بما تشكرك به عند اللّٰه و لقد رأينا ذلك عيانا في الدنيا في زمان الأحوال التي كنا فيها أعني نطق الجوارح إذا أراد العبد أن يصرفها فيما لا يجوز شرعا تقول له الجارحة يا هذا لا تفعل لا تجبرني على فعل ما حجر عليك فعله فإني شهيد عليك يوم القيامة فاجعلني شاهدا لك لا عليك و اصحبني بالمعروف و هو في غفلة لا يسمع فإذا وقع منه الفعل تقول الجارحة يا رب قد نهيته كما نهيته فلم يسمع اللهم إني أبرأ إليك مما وصل إليه من مخالفتك بي و على كل حال فارسال الجوارح يؤدي إلى تعب القلب فإن اللّٰه خلقك لك و اصطفى منك لنفسه قلبك و ذكر أنه يسعه إذا كان مؤمنا تقيا ذا ورع فإذا شغلته بما تصرفت فيه جوارحك كنت ممن غصب الحق فيما ذكر أنه له منك و أي ظلم أعظم من ظلم الحق فلا تجعل الحق خصمك فإن لله ﴿اَلْحُجَّةُ الْبٰالِغَةُ﴾ [الأنعام:149] كما ذكر عن نفسه و بكل وجه أشهدني اللّٰه حجته على خلقه كيف تقوم و ذلك في أن العلم يتبع المعلوم إن فهمت فأكثر من هذا التصريح ما يكون (وصية)و عليك بالأذان لكل صلاة أو تقول ما يقول المؤذن إذا أذن و إذا أذنت فارفع صوتك فإن المؤذن يشهد له يوم يوم القيامة مدى صوته من رطب و يابس و لو علم الإنسان ما له في الأذان ما تركه «قال ﷺ لو يعلم الناس ما في النداء و الصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا و لو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه و لو يعلمون ما في العتمة و الصبح لأتوهما و لو حبوا» فإن لم يؤذن و سمع الأذان فليقل مثل ما يقول المؤذن سواء و إن قال ذلك عند كل كلمة إذا فرغ المؤذن منها قالها هذا السامع بحضور و خشوع و لقد أذنت يوما فكلما ذكرت كلمة من الأذان كشف اللّٰه عن بصري فرأيت ما لها مد البصر من الخير فعاينت خيرا عظيما لو رآه الناس العقلاء لذهلوا لكل كلمة و قيل لي هذا الذي رأيت ثواب الأذان و إنما ارتضينا و وصينا أن يقول السامع مثل ما يقول المؤذن عند فراغ كل كلمة لما «رويناه من حديث الترمذي عن ابن وكيع عن إسماعيل بن محمد بن حجادة يبلغ به النبي ﷺ إن رسول اللّٰه ﷺ قال من قال لا إله إلا اللّٰه و اللّٰه أكبر صدقه ربه و قال لا إله إلا أنا و أنا أكبر و إذا قال لا إله إلا اللّٰه وحده يقول اللّٰه لا إله إلا أنا و أنا وحدي و إذا قال لا إله إلا اللّٰه وحده لا شريك له قال اللّٰه لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي و إذا قال لا إله إلا اللّٰه له الملك و له الحمد قال اللّٰه لا إله إلا أنا لي الملك و لي الحمد و إذا قال لا إله إلا اللّٰه و لا حول و لا قوة إلا بالله قال اللّٰه لا إله إلا أنا و لا حول و لا قوة إلا بي قال و كان يقول من قالها في مرضه لم تطعمه النار» و يكفي العاقل في الأمر بالأذان «أمر النبي ﷺ من سمع المؤذن يؤذن أن يقول مثل قوله فهو أذان» فما رغبة فيه إلا و له أجره فإنه معلم لذلك نفسه و ذاكر ربه بصورة الأذان فما أمره إلا بما له فيه خير كثير و ليؤذن على أكمل الروايات و أكثرها ذكرا فإن الأجر يكثر بكثرة الذكر قال تعالى ﴿وَ الذّٰاكِرِينَ اللّٰهَ كَثِيراً وَ الذّٰاكِرٰاتِ﴾ [الأحزاب:35] و قال ﴿اُذْكُرُوا اللّٰهَ ذِكْراً كَثِيراً﴾ [الأحزاب:41] و «قد ورد أن الإنسان إذا كان بأرض فلاة فدخل الوقت و ليس معه أحد قام فاذن فإذا أذن صلى خلفه من الملائكة كأمثال الجبال» و من كانت جماعته مثل أولئك يؤمنون على دعائه كيف يشقى و إنما وصينا بمثل هذا لغفلة الناس عن مثله فالعاقل من لا يغفل عن فعل ما له فيه الخير الباقي عند اللّٰه عزَّ وجلَّ فإن ذلك من رحمتك بنفسك فإن اللّٰه جعل رحمتك بنفسك أعظم من رحمتك بغيرك كما جعل أذاك نفسك أعظم في الوزر من أذاك غيرك قال في قاتل الغير إذا لم يقتل به أمره إلى اللّٰه إن شاء عفا عنه و إن شاء أخذه و قال في القاتل نفسه حرمت عليه الجنة و «قال ﷺ الراحمون يرحمهم الرحمن» فمن رحم نفسه يسلك بها سبيل هداها و يحول بينها و بين هواها فرحمه اللّٰه رحمة خاصة خارجة |
|
||||||||
![]() |
![]() |
||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |