الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() عليه فكذلك يؤجر في دفع الألم عن نفسه و إن اللّٰه يرفع بإسباغ الوضوء على المكاره درجة العبد و يمح اللّٰه به الخطايا «قال ﷺ أ لا أنبئكم بما يمحو اللّٰه به الخطايا و يرفع به الدرجات إسباغ الوضوء على المكاره» فهذا محو الخطايا فإنه تنظيف و تطهير ثم قال و كثرة الخطاء إلى المساجد فإنه سلوك في صعود و مشي ثم قال تمام الحديث و هو و انتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط و الرباط الملازمة من ربطت الشيء و بالانتظار قد ألزم نفسه فربط الصلاة بالصلاة المنتظرة بمراقبة دخول وقتها ليؤديها في وقتها و أي لزوم أعظم من هذا فإنه يوم واحد مقسم على خمس صلوات ما منها صلاة يؤديها فيفرغ منها إلا و قد ألزم نفسه مراقبة دخول وقت الأخرى إلى أن يفرغ اليوم و يأتي يوم آخر فلا يزال كذلك فما ثم زمان لا يكون فيه مراقبا لوقت أداء صلاة لذلك أكده بقوله ثلاث مرات فانظر إلى علم رسول اللّٰه ﷺ بالأمور حتى أنزل كل عمل في الدنيا منزلته في الآخرة و عين حكمه و أعطاه حقه فذكر وضوء و مشيا و انتظارا و ذكر محوا و رفع درجة و رباطا ثلاث لثلاث هذا يدلك على شهوده مواضع الحكم و من هنا و أمثاله «قال عن نفسه إنه أوتي جوامع الكلم» (وصية)و عليك بمراعاة كل مسلم من حيث هو مسلم و ساو بينهم كما سوى الإسلام بينهم في أعيانهم و لا تقل هذا ذو سلطان و جاه و مال و كبير و هذا صغير و فقير و حقير و لا تحقر صغيرا و لا كبيرا في ذمته و اجعل الإسلام كله كالشخص الواحد و المسلمين كالأعضاء لذلك الشخص و كذلك هو الأمر فإن الإسلام ما له وجود إلا بالمسلمين كما إن الإنسان ما له وجود إلا بأعضائه و جميع قواه الظاهرة و الباطنة و هذا الذي ذكرناه هو الذي راعاه رسول اللّٰه ﷺ فيما «ثبت عنه من قوله في ذلك المسلمون تتكافأ دماؤهم و يسعى بذمتهم أدناهم و هم يد واحدة على من سواهم» و «قال المسلمون كرجل واحد إن اشتكى عينه اشتكى كله و إن اشتكى رأسه اشتكى كله» و مع هذا التمثيل فأنزل كل واحد منزلته كما أنك تعامل كل عضو منك بما يليق به و ما خلق له فتغض بصرك عن أمر لا يعطيه السمع و تفتح سمعك لشيء لا يعطيه البصر و تصرف يدك في أمر لا يكون لرجلك و هكذا جميع قواك فتنزل كل عضو منك فيما خلق له كذلك و إن اشترك المسلمون في الإسلام و ساويت بينهم فأعط العالم حقه من التعظيم و الإصغاء إلى ما يأتي به و أعط الجاهل حقه من تذكرك إياه و تنبيهه على طلب العلم و السعادة و أعط الغافل حقه بأن توقظه من نوم غفلته بالتذكر لما غفل عنه مما هو عالم به غير مستعمل علمه و كذلك الطائع و المخالف و أعط السلطان حقه من السمع و الطاعة فيما هو مباح لك فعله و تركه فيجب عليك بأمره و نهيه أن تسمع له و تطيع فيعود لأمر السلطان و نهيه ما كان مباحا قبل ذلك واجبا أو محظورا بالحكم المشروع من اللّٰه في قوله ﴿وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء:59] و أعط الصغير حقه من الرفق به و الرحمة له و الشفقة عليه و أعط الكبير حقه من الشرف و التوقير فإن من السنة رحمة الصغير و توقير الكبير و معرفة شرفه «ثبت عن رسول اللّٰه ﷺ أنه قال ليس منا من لم يرحم صغيرنا و يعرف شرف كبيرنا و في حديث و يوقر كبيرنا» و عليك برحمة الخلق أجمع و مراعاتهم كانوا ما كانوا فإنهم عبيد اللّٰه و إن عصوا و خلق اللّٰه و إن فضل بعضهم بعضا فإنك إذا فعلت ذلك أوجرت «فإنه ﷺ قد ذكر أنه في كل ذي كبد رطبة أجر» أ لا ترى إلى «الحديث الوارد في البغي أن بغيا من بغايا بنى إسرائيل و هي الزانية مرت على كلب قد حرج لسانه من العطش و هو على رأس بئر فلما نظرت إلى حاله نزعت خفها و ملأته بالماء من البئر و سقت الكلب فشكر اللّٰه فعلها فغفر لها بكلب» و أخبرني الحسن الوجيه المدرس بملطية الفارسي عن والي بخارى و كان ظالما مسرفا على نفسه فرأى كلبا أجرب في يوم شديد البرد و هو ينتفض من البرد فأمر بعض شاكريته فاحتمل الكلب إلى بيته و جعله في موضع حار و أطعمه و سقاه و دفى الكلب فرأى في النوم أو سمع هاتفا الشك مني يقول له يا فلان كنت كلبا فوهبناك لكلب فما بقي إلا أيام يسيرة و مات فكان له مشهد عظيم لشفقته على كلب و أين المسلم من الكلب فافعل الخير و لا تبال فيمن تفعله تكن أنت أهلا له و لتأت كل صفة محمودة من حيث ما هي من مكارم الأخلاق تتحلى بها و كن محلا لها لشرفها عند اللّٰه و ثناء الحق عليها فاطلب الفضائل لأعيانها و اجتنب الرذائل العرفية لأعيانها و اجعل الناس تبعا لا تقف مع ذمهم و لا حمدهم إلا أنك تقدم الأولى فالأولى إن أردت أن تكون مع الحكماء |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |