الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)
بما عنده من المال و الإمساك عن الصدقة و التوسعة على المحتاجين مما أتاه اللّٰه من الخير فهو يكنزه و لا ينفقه و لا يؤدي زكاته حتى يكوى به جنبه و جبينه و ظهره كما قال تعالى فيهم ﴿يَوْمَ يُحْمىٰ عَلَيْهٰا فِي نٰارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوىٰ بِهٰا جِبٰاهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ هٰذٰا مٰا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مٰا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ﴾ [التوبة:35] فلهذا العطاء عن شدة سميت صدقة يقال رمح صدق أي صلب و قد ضرب رسول اللّٰه ﷺ مثلا في البخيل و المتصدق «فقال ﷺ مثل البخيل و المتصدق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد قد اضطرت أيديهما إلى تراقيهما» فجعل المتصدق كلما تصدق بصدقة انبسطت عليه حتى تجن ثيابه و تعفو أثره و جعل البخيل كلما هم بصدقة قلصت و أخذت كل حلقة مكانها فإياك و البخل فإنه يرديك و يوردك الموارد المهلكة في الدنيا و الآخرة و لا يجعلك تتكرم و تتصدق إلا استعمال العلم فإنك إذا علمت إن رزقك لا يأكله و لا يقتات به و لا يحيى به غيرك و لو اجتمع أهل السموات و الأرض على أن يحولوا بينك و بين رزقك ما أطاقوا و إذا علمت إن رزق غيرك فيما أنت مالكه لا بد أن يصل إليه حتى يتغدى به و يحيى و إن أهل السموات و الأرض لو اجتمعوا على أن يحولوا بينه و بين رزقه الذي هو في ملكك ما أطاقوا فادفع إليه ماله إذا خطر لك خاطر الصدقة تتصف بالكرم و الثناء الجميل و أنت ما أعطيته إلا ما هو له بحق في نفس الأمر عند اللّٰه و أنت محمود فإذا علمت هذا هان عليك إخراج ما بيدك و لحقت بأهل الكرم و كتبت في المتصدقين أن أخرجت ذلك عن تردد و مكابدة و اتبعته نفسك و رأيت بذلك أن لك فضلا على من أوصلته تلك الراحة فإياك إن تجهل على أحد كما تحب أن لا يجهل عليك و «قد كان رسول اللّٰه ﷺ يقول في تعوذاته و أعوذ بك أن أجهل أو يجهل علي فمن حكم فيك بالعلم فقد أنصفك» (وصية)و عليك بالجهاد الأكبر و هو جهادك هواك فإنه أكبر أعدائك و هو أقرب الأعداء إليك الذين يلونك فإنه بين جنبيك و اللّٰه يقول سبحانه ﴿يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قٰاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفّٰارِ﴾ [التوبة:123] و لا أكفر عندك من نفسك فإنها في كل نفس تكفر نعمة اللّٰه عليها من بعد ما جاءتها فإنك إذا جاهدت نفسك هذا الجهاد خلص لك الجهاد الآخر في الأعداء الذي إن قتلت فيه كنت من الشهداء الأحياء الذين ﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمٰا آتٰاهُمُ اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ مستبشرين ﴿بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ﴾ [آل عمران:170] و قد علمت فضل المجاهد في سبيل اللّٰه في حال جهاده حتى يرجع إلى أهله بما اكتسبه من أجر أو غنيمة إنه كالصائم القائم القانت بآيات اللّٰه لا يفتر من صلاة و لا من صيام حتى يرجع المجاهد و «قد علمت بالحديث الصحيح أن الصوم لا مثل له و قد قام الجهاد مقامه و مقام الصلاة و ثبت هذا عن رسول اللّٰه ص» و هذا في الجهاد الذي فرضه اللّٰه تعالى المعين و يعصي الإنسان بتركه لا بد من ذلك و لا يزال العبد العالم الناصح نفسه المستبرئ لدينه في جهاد أبدا لأنه مجبول على خلاف ما دعاه إليه الحق فإنه بالأصالة متبع هواه الذي هو بمنزلة الإرادة في حق الحق فيفعل الحق ما يريده فإننا كلنا عبيده و لا تحجير عليه و يريد الإنسان أن يفعل ما يهوى و عليه التحجير فما هو مطلق الإرادة فهذا هو السبب الموجب في كونه لا يزال مجاهدا أبدا و لذلك طلب أصحاب الهمم أن يلحقوا بدرجات العارفين بالله حتى تكون إرادتهم إرادة الحق أي يريدون جميع ما يريده الحق و هو ما هم الخلق عليه فيريدونه من حيث إن اللّٰه أراد إيجاده و يكرهون منه بكراهة الحق ما كرهه الحق و وصف نفسه بأنه لا يرضاه فهو يريده و لا يرضاه و يريده و يكرهه في عين إرادته إن أراد أن يكون مؤمنا و إن لم يكن كذلك و إلا فقد انسلخ من الايمان نعوذ بالله من ذلك فإنه غاية الحرمان و هذا هو الحق الممقوت كما تقول في الغيبة إنها الحق المنهي عنه (وصية)و عليك بإسباغ الوضوء على المكاره و ذلك في زمان البرد و احذر من الالتذاذ باستعمال الماء البارد في زمان الحر فتسبغ الوضوء لالتذاذك به في زمان الحر فتتخيل أنك ممن أسبغ الوضوء عبادة و أنت ما أسبغته إلا لوجود الالتذاذ به لما أعطاه الحال و الزمان من شدة الحر فإذا أسبغته في شدة البرد صار لك عادة و «قال رسول اللّٰه ﷺ الخير عادة» فأصحب تلك النية في زمان الحر فإن غلبتك النفس على الإسباغ بما تجده من اللذة المحسوسة في ذلك [إن الالتذاذ هنا إنما وقع بدفع ألم الحر و إزالته]فاعلم إن الالتذاذ هنا إنما وقع بدفع ألم الحر و إزالته فانو في ذلك دفع الألم عن نفسك أ لا ترى قاتل نفسه كيف حرم اللّٰه عليه الجنة فحق النفس على صاحبها أعظم من حق الغير |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
| الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |
||||||||||





